كتب فراس الطيراوي: غزة ليست فقط جرحًا نازفًا في قلب الأمة، بل عنوان لفشل أخلاقي عالمي، وانهيار شامل للمنظومة الإنسانية.
منذ أكثر من تسعة أشهر، تخوض غزة معركة البقاء تحت نار الاحتلال الإسرائيلي، في حربٍ مفتوحة على الإنسان، الأرض، والكرامة. مئات الآلاف من الضحايا بين شهيد وجريح ومفقود، ملايين الجوعى والعطشى، ومدن بأكملها سوّيت بالأرض. ومع ذلك، لا يزال العالم العربي والإسلامي عاجزًا عن إدخال كيس طحين أو عبوة ماء، بينما يقف الغرب الاستعماري داعمًا وممولًا لأبشع جريمة إبادة جماعية يشهدها العصر الحديث.
إبادة جماعية تُرتكب على الهواء مباشرة
ما يجري في غزة ليس “نزاعًا” أو “صراعًا”، بل عملية إبادة ممنهجة، تُنفذها حكومة إسرائيلية متطرفة بغطاء أخلاقي وسياسي وعسكري من الغرب. أكثر من 64,000شهيد ، 70% منهم نساء وأطفال. مستشفيات مدمرة، طواقم طبية واعلامية تُستهدف عمدًا، مدارس, خيم تقصف بلا تمييز. المجاعة أصبحت سياسة، والدمار الشامل أداة تهجير قسري جماعي.
الضفة الغربية: الوجه الآخر لنفس الجريمة
فيما العالم يركّز عينيه على غزة، تُستكمل فصول الجريمة في الضفة الغربية، حيث تغول الاستيطان، واعتداءات المستوطنين أصبحت نمط حياة يومي، برعاية الجيش الإسرائيلي. قرى تُقتحم، أراضٍ تُصادر، عائلات تُهجّر تحت التهديد والضرب، وأطفال يُعتقلون بلا تهم. المستوطنون، وهم مجموعات غير شرعية وفق القانون الدولي، ينفذون اعتداءاتهم بحماية كاملة من جنود الاحتلال، وبموافقة ضمنية من حكومة أقصى اليمين الإسرائيلي.الاستيطان لم يعد فقط توسعًا جغرافيًا، بل أداة للسيطرة والاقتلاع، يُشرعنه القانون الإسرائيلي بقرارات متطرفة، ويُموّل عبر جمعيات صهيونية عالمية، في تواطؤ واضح لهدم أي أمل بقيام دولة فلسطينية.
عقاب جماعي أمام مرأى ومسمع العالم
قطع الكهرباء، تدمير البنية التحتية، منع دخول الغذاء والماء والدواء في غزة، يقابله قمع واعتقال وتهويد في الضفة. شعب كامل يُعاقَب جماعيًا، تحت أعين العالم، وفي غياب كامل للمحاسبة الدولية.
ومع ذلك، لا تُفرض عقوبات، لا تصدر إدانات فاعلة، بل تُواصل بعض الدول الغربية إرسال شحنات الأسلحة، والمساعدات العسكرية، وكأنها تشارك مباشرة في سفك الدم الفلسطيني.
الغرب الاستعماري: شريك رسمي في الجريمة الولايات المتحدة، بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، وكبرى القوى الغربية، جميعها تخلّت عن ادعاءاتها بشأن “حقوق الإنسان”، لتصطف إلى جانب الجلاد، وترفع الغطاء السياسي عن أي مساءلة. المنظومة الغربية، التي طالما ادّعت الدفاع عن الديمقراطية والقيم الإنسانية، كشفت وجهها الحقيقي: وجه استعماري لا يرى الفلسطيني إنسانًا، بل “خسائر جانبية” في مشروع الهيمنة.
من دعم آلة الحرب في غزة إلى التساهل مع فاشية المستوطنين في الضفة، يثبت الغرب أنه لم يخرج بعد من عباءته الاستعمارية، بل أعاد إنتاجها بثوب قانوني وإعلامي مزيّف.
الصمت العربي: خذلان تاريخي ووصمة عار
أما العالم العربي والإسلامي، فواقعه لا يقل فظاعة. بعض الأنظمة اختارت الحياد الكاذب، وبعضها الآخر انشغل بالمصالح السياسية والتطبيع، تاركًا غزة والضفة تواجهان القتل والاقتلاع وحدهما. شعوب مسحوقة بالعجز، وأنظمة تكتفي ببيانات الشجب والتنديد، بينما يزداد بطش الاحتلال ويُقابل بالصمت، إن لم يكن بالتواطؤ.
غزة والضفة: وجهان لصمود واحد
رغم الجراح، غزة لم تُهزم، والضفة لم تستسلم.
بصمود أهلها، وبدماء شهدائها، تكشف فلسطين زيف الشعارات، وتفضح عجز المؤسسات الدولية، وتُعيد طرح الأسئلة الأخلاقية الكبرى:
أين ضمير البشرية؟ أين العدالة الدولية؟ ما قيمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن؟ كيف تتحول قوانين حقوق الإنسان إلى أوراق ميتة أمام آلة القتل الإسرائيلية؟
ختاما: فلسطين تُقاوم وحدها… لكنها لا تموت
فلسطين ليست فقط جغرافيا تحت الاحتلال، بل قضية إنسانية وأخلاقية تشهد على فشل العالم أجمع.
من غزة إلى جنين وطولكرم ، من رفح إلى نابلس، شعب يواجه الإبادة والاقتلاع والاستيطان، ويتحدى المستحيل بإرادة لا تنكسر.
فلسطين لا تموت، بل تصرخ.
فلسطين لا تنكسر، بل تُقاوم.
فلسطين لا تطلب فقط الدعم، بل تُطالب العالم أن ينقذ ما تبقى من كرامته.
فراس الطيراوي عضو الامانة العامة للشبكة العربية للثقافة والرأي والإعلام / شيكاغو.