الكاتب الحق والرصين هو الذي يستحيل أن يتحوصل في شرنقة الأيدولوجيات أو أن يكون مُردداً لصدى الساسة، أو متماهياً لنزوة المال، أو مساوماً لمواقف جُبلت من شعاع روحه.. ولدت لأكون كاتباً.. ولدت مع الارادة والإصرار لأقتل العجز والبؤس.. من أراد أن يكون كاتباً لا يمكن له أن يكون يائساً أو كسولاً.. الكتابة توأم للإرادة والأمل ... إنها قرين التجربة والتحدي دون جزع أو تواكل.. دون شكوى أو تبعية.
منذ صغري وأنا اعشق صيد الأخبار ومطاردة الأحداث، ووضع نفسي في ميادين الجرأة والمغامرة لكشف الحقائق وما يسعى الآخرين لدفنه. لا أجيد سوى القراءة والكتابة والتفكير؛ فبهما ملئت وقتي بالمفيد، وفيهما سبحت روحي في ماء السعادة، وطافت أشجاني في ربوع الذكريات الجميلة.
منحتني الكتابة ترياقاً استقوي به على صيد الحقائق وكشف الحقيقة التي تُذبح بين حينٍ وآخر بمقصلة المنافع الخاصة، والإيديولوجيات الهشة، والهويات الفرعية القاتلة، والرقابات المفرخة للمجاملة تارة، وللخوف تارة أخرى.
تعلمت فنون الكتابة وأحببتها ودافعت عنها لأنها: عدسة المجتمع؛ بها يتعرف الفرد على واقعه ومن خلالها يتفاعل مع قضاياه ويرصد مستقبله.... لأنها سلاح بيد كل من يتطلع للتغيير، كما أنها سلاح كل من يرفضون التغيير... أحببت الكتابة لأنها حاجة إنسانية، ورسالة سامية، ومهنة مكرسة للصالح العام... لأنها تخلق تياراً وتؤسس رأياً وترشد مجتمعاً وتقود أمة وتراقب حكومة... لأنها تكشف الفساد، وتساهم في شيوع النزاهة والحكم الرشيد...لأنها أساس بناء الديمقراطية. تشحذ الجهود من أجل الشعب والوطن، غايتها أن تنير لا أن تُملي .
تعلمت الكتابة لأنها تفضح الغش، والخداع، وتحارب الشر والفساد... لأنها أداة للعدل وسيفاً مصلتاً على الجريمة... لأنها محام عام عن الشعب، ومرآة للأحداث، ونصير للحق... لأنها رسالة قبل أن تكون مهنة... تعلمت الكتابة لأنها قوة ضخمة، عظيمة الأثر، بالغة النفوذ.
الكتابة هي نور ونار... نور يضئ ابواب الحق ويشعل قناديل الحقيقة.. ونار تصلي اعداء هذا الحق وأنداد هذه الحقيقة.. ما أن بزغت بواكير قراءتي هممت بالكتابة.. فمنذ طفولتي المبكرة أحب الكتابة واجد فيها متنفساً لروحي نحو مشارف المتعة والمعرفة والتميز والتطوير والتقييم والتقويم الذاتي.
الدافعية للعمل تنطلق من الانتماء لهذا العمل.. فانتمائي للعمل الكتابي تخلق من اعتباري الكتابة هدفاً انسانياً وعظيما لا ترفاً او تضييعا لوقت أو تحقيقاً لشهرة أو جاهاً او وجاهة... الكتابة هي أول الاعمدة التي تأصلت عليها المواجهة، واليها استندت مقولات المنعة والتحرير والمجابهة.
لا أُجامل في كتاباتي إلاّ من هو جميل الفعل والقول والشعور... لا أجامل إلاّ من أصَّلَ للخير طريقاً وأرسى للحق منهاجاً وجيَّشَ للريادة قدوةً ونموذجاً. حديثُ الاحترام أقصر الطرق للاقتداء، ونصوصُ الانتماء أعبق وقوداً لشرارة الإخلاص.. شَغلتُ حياتي بالكتابة فلم أكتب إلاَّ ما ينفع الناس ويُنير لهم دروب الحق والكرامة.. فالكاتبُ الذي يمتشق سلاحَ الكلمة الحرة والطيبة هو الكاتب الحقيقي.. هو الكاتب العضوي الذي يستحق أن يكون إنساناً.. الكاتبُ وعاءُ الأمّة الذي تنهل منه دليل التقدم وتركن لعصاه الفكرية الناصعة في زمن الالتباس وفِتَن الشبهات والشهوات.
لا نجاح إلا بصعوبة، ولا تقدم إلا بعراقيل.. وبما أن مهنة الكتابة مهنة متعبة، وإن كانت ممتعة إلا أنها تحتاج إلى كثير من المعرفة والإدارة والإرادة والتجدد والمهارة والسلوك القويم.. مهنة تعيش فيها وبها في بيئة مضطربة سياسيا وأمنيا واجتماعيا... كل ذلك يخلق لديك عراقيل ولكن مقابل ذلك يخلق لديك تحدي ومواجهة وتقدم..
الكاتب الحقيقي هو الذي يُحيِي في قلوب الناس وعقولهم ذكريات العظماء أمواتاً كانوا أو أحياء.. هو الكاتب الذي لم " ينبطح" لرغوة المال، أو شهوة الكرسي، أو قبضة العسكري.. الكاتب القويم هو الذي يُعلي من الحق والحقيقة والحقائق.. الكاتب الفذّ هو الذي ينزع الباطل والبدع والفتن من قلوب الناس ووجدانهم... إنه الكاتب الذي يُحطم أصنام الظلم الهشّة، ويطارد قراصنة الموت وطحالب الأوطان وثعالب النفاق... كتبتُ الكثير ــ ولله الحمد والمنّة ـــ دون أن أجامل أحداً إلاّ بحقٍ وصدق.. ونادراً ما كتبتُ بشأن البعض كأشخاص يستحقون التقدير كتابتة وتخليداً عبر النص.
لا ابحث عن شيء لذاتي بقدر ما ابحث عن شيء يفيد وطني وقضيتي وأمتي... الكاتب لا يسلك طريق الفردية، أو يسعى الى تحقيق الأنا، بل عليه ان يكون جماعيا ويتأسى بمفردة النحن.. علينا أن ننظر الى عملنا على أنه انعكاس للآخرين.. لا عمل مفيد إلا إذا كان هدفه الصالح العام... لا بأس، بل ومطلوب أن تعتني بذاتك وعملك، ولكن اياك أن تنسى الآخرين.
المجتمع يريد أن تكون كاتباً حراً مستقلاً لا كاتباً تابعاً وجبانا.. المجتمع يريد منا نحن الكتاب أن نكون عيناً لهم لا عيناً عليهم.. يريد المجتمع أن نكون مثل النواب، ممثلين لقيمهم ومطالبهم وآمالهم وهمومهم... إذا أرسى الكاتب هذه القيم وتلك المبادئ لن يبخل المجتمع بدعمه ومساندته ومنحه الاخبار والمعلومات... خلال مسيرتي الكتابية التي تتجاوز العشرين عاماً كنت أميناً لمهنتي ووفياً لمجتمعي... فكان المحيط يحيط بي دعماً، والمجتمع يرفدني معنوية ويسندني قوة وديمومة.
علينا بالكتابة النافعة التي تحقق قوتنا وتضعف عدونا وتخدم ديننا وتؤسس لنا مجتمعاً، صالحا قوياً؛ بالعدل والعدالة والاعتدال..