د. أحمد الأشقر يكتب: يثير قرار المحكمة العليا الإسرائيلية بفرض تجنيد اليهود الحريديم (المتشددين) الكثير من آفاق المواجهة بين القضاء والمصالح والتحالفات السياسية في كيان بات على ما يبدو قابلاً للتفكك أكثر من أي وقت مضى.
هذه المرة، بوادر تفكك المجتمع الإسرائيلي صارت أكثر وضوحاً وموسومةً بحكم قضائي من المحكمة العليا التي تقبع على رأس الهرم القضائي في كيان الاحتلال.
المحكمة العليا ربطت قرارها بمبدأ المساواة بشكل واضح، وأشارت إلى أن الحرب (الصعبة) التي تعيشها (إسرائيل) جعلت من عبء عدم المساواة حاداً أكثر من أي وقت مضى.
المحكمة العليا وعلى نحو فريد اعترفت في قرارها بصعوبة الحرب التي يخوضها الكيان، وأكدت على أن حاجة جيش الاحتلال للجنود من الحريديم أسمى من التعاليم الدينية، وذهبت إلى التوضيح بأن السنوات التي تمتع بها الحريديم بالإعفاء من الخدمة العسكرية خلافاً لمبدأ المساواة بين الإسرائيليين لا يمكن قبوله في حالة الحرب (الصعبة).
القرار يشكل نموذجاً للصراع بين الدولة الدينية و(دولة المساواة والقانون)، وهنا تكمن المواجهة المعلنة بين القضاء الذي يحاول تطبيق مبادئ المساواة بنكهة سياسية، وبين المتدنيين الذين يريدون الدين لخدمة أجندتهم السياسية.
عدى عن ذلك، يطرح قرار المحكمة تساؤلاً محورياً حول دور القضاء في إعادة تكييف مفهوم (الدولة)، دينية أم علمانية، ويطرح أيضاً تساؤلات عميقة حول هوية هذا الكيان، ومركزية الدين في المجتمع، ومدى قدرة القضاء على فكفكة مضامين تحالفات السياسة، ومصالح الائتلافات الحكومية.
قرار المحكمة ينزع اللثام عن عمق التفكك الواقع فعلاً في بنية الكيان، يضاف ذلك إلى أزمة الديموغرافيا، وأزمة تمويل المعاهد الدينية، أزمة الكراهية العميقة بين فئات المجتمع الإسرائيلي، وقبل ذلك كله، أزمة (الدولة) التي لم تعد تمارس الابرتهايد على الشعب الفلسطيني فقط، بل على مواطني (الدولة) ذاتها