وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرة أعيننا محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد عباد الله أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العلي العظيم القائل في كتابه الكريم (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ)
أيها الأخوةُ المؤمنونَ: الدهورُ والأعوامُ، الليالي والأيامُ، سننٌ للهِ تتعاقبُ في هذهِ الدنيا، ولنْ تجدَ لسنةِ الله تبديلًا، ومنْ منةِ اللهِ - تعالى - على عبادهِ ورحمتهِ بهمْ، أنْ نوعَ لهمُ الفصولَ في العامِ الواحدِ. بينَ صيفٍ وشتاءٍ، وربيعٍ وخريفٍ، لتتمَّ بذلكَ مصالحهمْ، ويستقيمُ معاشهمْ، ويستوي أمرهمْ فالحمدُ للهِ الذي لا إلهَ إلا هوَ على برهِ وإحسانهِ.
ولأننا في فصلِ الشتاءِ، فإننا نقفُ اليومَ بعضَ الوقفاتِ اليسيرةِ حول هذه الأيام. التي تشق فيها العبادات على الكثيرين منا، فلننظر للأمر بمنظور الأجر العظيم لتحمل مشقة الشتاء في المواظبة على العبادات فيه.
ليل الشتاء الطويل يعطينا المجال للقيام أكثر، ونهاره القصير يساعدنا على الصيام أكثر، فلنكثر من قيامه وصيامه. فهذا ابنُ مسعودٍ - رضيَ اللهُ عنهُ - كانَ يقولُ إذا دخلَ الشتاءُ: "مرحبًا بالشتاءِ، تنزلُ فيهِ البركةُ، يطولُ فيهِ الليلُ للقيامِ، ويقصرُ فيهِ النهارُ للصيامِ.
ولا تنسوا عباد الله أن من الأوقات المستحب فيها الدعاء هو وقت نزول المطر، فلتكثفوا الدعء وتلحوا في الطلب من الله فهو جل وعلا يحب العبد اللحوح..
كما أن الشتاء يكشف حاجة المعوزين للكثير من الأمور، كاللباس والاكل ووسائل التدفئة، فلا تبخلوا من مال الله لهم، ولتكثر الصدقات خلال هذا الفصل.
وليست العبادات مقتصرة على الصيام والقيام والدعاء والصدقات، بل إن العمل عبادة، وهذا الفصل يكشف تقصير الكثيرين في أعمالهم، ومدى مراعاة الله فيها، فها هم أبناءؤنا في بعض المدارس يعانون من سوء أوضاع مدارسهم، بنى تحتية متهالكم، ساحات غمرتها المياه، وغرف صفية أشبه بالثلاجات، وقد يكون فيها بعض التسريب للمياه أيضا، فقد ترك المسؤولون عن مدارسنا عبادتهم، وقصروا في أدائها.. وماذا عن أحووال شوارعنا في الشتاء، هذه الحفر التي تملؤها، في الصيف نحن نراها ونحاول تجنب الوقوع فيها، ولكن حين تغطيها مياه الأمطار، نعجز عن ذلك، وتعرضنا وتعرض مركباتنا أيضا للخطر، فتارك عبادته فيها لن يسلم من غضب الله...
والكهرباء التي لا تنفك عن الانقطاع كل فترة، تاركه الأسر المعتمدة عليها للتدفئة، تعاني البرد القارس بكل أفرادها، وكيف يكون الحال إن كان فيها كهلا أو مريضا... هنا أيضا مقصر في عمله وعبادته...
عباد الله، لا يمكن لنا فصل جانب من جوانب الحياة عن الآخر، كذلك الحال بالنسبة للدين، فلا فصل بين عباداتنا في زمن عن آخر ولا طاعاتنا، ولا يمكن لنا الفصل بين تأثير هذا على ذاك، لأن الدين متكامل، وشامل لكافة تفاصيل الحياة مهما صغرت أو عظمت...
كيف لك أن تقوم ليل الشتاء وتصوم نهاره، وأنت متخاذل في أداء عملك، وواجباتك تجاه أهلك وبلدك وأمتك؟ أتتحمل برد الشتاء لتؤدي ما كتب عليك من عباداتك، وتضع ما كتبته عليك وظيفتك، أو منصبك أو مكانتك جانبا؟
كيف لنا أن نتحدث عن شتاء قارس وبعادات فيه، ولنا أخوة يستغيثون، ينادون بمكبرات مساجدهم أن الله أكبر، يطلبون العون لصد عدوان المعتدي عليهم، وهم أصحاب الحق والأرض...
كيف لنا أن نقصر حديثنا بالحديث عن عبادات الشتاء ولنا أخوة في القطاع الحبيب، لا يقيهم برد الشتاء إلا القليل، فلك تبنى بيوتهم التي سواها العدوان بالأرض بعد، نساؤهم وشيوخهم وأطفالهم يطلبون الدفء فلا يجدون...
قد يريحنا ضميريا أن نقصر الحديث عن فصل الشتاء بأنه بستان الطاعة وميدان العبادة، لأن الحديث بالصراحة والوضوح عما نعانيه في هذا الشتاء سيحملنا بعيدا عن المفهوم الحرفي للعبادة، ويقودنا للمفهوم الأوسع والأشمل...
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الهمة في الطاعة، ويرزقنا الإخلاص والقبول، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى.. إنه سميع مجيب... قوموا إلى صلاتكم إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر..
وأقم الصلاة
أخوتي أئمة المساجد، من تقفون على المنابر تخاطبون الناس، وتتوجهون لهم بالوعظ والنصح، أخرجوا عن الحرفية في الخطب، واعتمدوا الحنكة أكثر في الطرح، والربط بين الامور، فبيوت الله كانت مدارس للأمة على مر التاريخ، ولا يجوز لنا إبعاد حد أهم الغايات منها بعد العبادة والتقرب إلى الله، وهي أن تكون منابر الحق، وإلاء كلمته... إنه لمن المؤلم أن يبدأ خطيب الجمعة خطبته وينهيها في خمس دقائق، بنبرة صوت ضعيفة، وكأنه يسمع درساً.. قد يصلكم موضوع خطبة الجمعة، والأفكار الواجب تناولها في الخطبة، ولكن لا أحد يستطيع أن يملي عليك الطريقة التي تتناول فيها موضوع الخطبة...
المنهاج الدراسي موحد، ولا معلم ينقل المحتوى بذات الطريقة لتلاميذه.. كل بطابعة وأسلوبه الخاص، فأثروا مواضيع الخطب بالطريقة التي يمليها عليكم ضميركم والمنبر الذي تقفون عليه...