اطلس:كتب الأسير محمد نصر الدين الملح، القابع في سجن هداريم ويقضي حكماً بالسجن المؤبد إضافة إلى ثلاثين عاماً، مجموعة من الأوراق النقدية حول مسيرة النضال الفلسطيني
وغياب النقد الحقيقي من أجندة الأحزاب والحركات الفلسطينية، ما قاد لإعادة انتاج ما انتقدته دون أن تحدث التغيير المطلوب، ودون الاستفادة من الدروس السابقة، وبالتالي تكرار ذات الأخطاء في هذه المسيرة التي لم تكلل حتى الان بإنجاز التحرر الوطني، رغم ضخامة التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني على مدار اكثر من سبعة عقود.
في هذه الورقة يقدم الكاتب الأسير، قراءة في آليات تغيير ميزان القوى الراهن لخدمة تطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة، والمطلوب فلسطينياً وعربياً (قومياً) ودولياً، إذ إن التغيير في ميزان القوى القائم له استحقاقات ومتطلبات وشروط، ودونها ستعيد الحالة انتاج ذاتها من جديد.
القراءة النقديه السابقة لسياق التجربة الفلسطينية التاريخية، لا تلغي دور الشعب الفلسطيني المُقاوم، الذي شكل من خلاله نضاله اليومي حضورا مهما للقضية الفلسطينية، ولم يسمح لمنظومة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني الإملائي بطمسه او الغائه، إلا ان خطر الطمس والتهديد الوجودي للشعب الفلسطيني مازال قائما، ارتباطا بالتحولات التي تشهدها المنطقة العربية والعالم، حيث إن ميزان القوى الراهن يخدم منظومة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني (دولة إسرائيل).
منظومة الاستعمار الصهيوني الراهنة شهدت تحولات في البنى الداخلية لها، بصعود اليمين الأكثر فاشيه، وهذا ما يطرح تساؤلاً جدياً وملحاً "ما العمل وما السبيل؟".
فلسطينياً تم تقديم العديد من المبادرات وإجراء حوارات محتلفة بين طرفي الانقسام ولقاءات حواريه وطنيه عامة، إلا أنها لم تصل الى النتيجة المرجوة بإنهاء الانقسام وإعادة بناء مظمة التحرير الفلسطينية، حيث إنها لم تضم القوى الوازنة خارج المنظمة "حركتي حماس والجهاد الإسلامي"، على أساس وقواعد النضال التحرري الشامل، لذا فإننا نعتقد أن حاله المخاض التي تعيشها الساحة الفلسطينية اليوم مرشحةٌ لانفجار كبير، وإن بدت ملامحه واضحة في الوقت الراهن إلا انه لم يصل الى حده النهائي بعد، لذا يجب التقاط اللحظة التاريخية ليُصار الى تأسيس تيار شعبي كفاحي يستطيع ان يقدم البدائل المطلوبة وفق رؤيه برنامجيه واضحة، قاعدتها التحرير الشامل وتحدد من خلالها الأهداف المرحلية والاستراتيجية.
ولتحقيق المُراد يجب البدء بفتح حوار مع القوى والشخصيات الوطنيه والقوى الشبابيه العابرة للتنظيمات، بهدف تأسيس التيار الكفاحي الشعبي، وخوض غمار حرب التحرير الشعبية ضد الاحتلال الاملائي التوسعي، فالتجربه التاريخية الملهمة للشعب الفلسطيني تؤكد أن هزيمة المشروع الصهيوني ممكنة وواقعية وليست ضرباً من الخيال، فتأسيس تيار ثوري كفاحي يعتبر واحداً من أهم المرتكزات والروافع التي ستشكل المقدمة الأولى لهزيمة المشروع الصهيوني، ارتباطا بالدور المنوط بكافه المستويات الكفاحية شعبياً، وقومياً، ودولياً.
وعلى المستوى القومي العربي، واستناداً للظروف والدورس السابقة والراهنة للحالة السياسية الفلسطينية، نرى أن المطلوب هو العمل على تشكيل جبهة قومية موحدة من القوى التقدمية الديمقراطية والوطنية الدينية منها والليبرالية، المساندة والداعمة لحق الشعب الفلسطيني، للضغط على الأنظمة العربية الرسمية في سبيل إنهاء علاقاتها القائمة مع منظومة الاستعمار الاستيطاني (دولة إسرائيل) بمختلف اشكالها "السياسية والاقتصاديه والأمنية"، بهدف محاصرة الكيان الاستعماري واضعافه تمهيدا لهزيمته.
وفي قراءة لواقع تطبيع العلاقات المصرية والأردنية والمغربية والإماراتية والبحرينية والسودانية مع دولة "إسرائيل"، نجد أنها تعزيز وتثبيت لأركان المنظومة الاستعمارية، وشرعنة للوجود الإسرائيلي في المنطقة، ومانع دون التقدم ولو بخطوة واحدة باتجاه فلسطين الحرة.
لذا نعتقد أن الخطاب الموجه الى الدول المذكورة من خلال الجبهة القومية العربية يجب ان يكون بعيدا عن المجاملات الدبلوماسية، وأن يتم الحديث بوضوح شديد بأن التطبيع مع "إسرائيل" يهدد بإلغاء الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، من خلال منح العدو الشرعية الكافية لتنفيذ جرائمه المتلاحقة ضد الشعب الفلسطيني، فغياب الحاضنة الكبرى "الأمة العربية" وتحيدها من خلال التطبيع، مقدمة لاستكمال المشروع الصهيوني القائم على المحو والالغاء.
ودولياً يتطلب العمل على تنسيق أنشطة الجاليات الفلسطينية والعربية المقيمة في اوروبا والامريكيتين وأستراليا وكندا، بالعمل مع لجان جديدة يتم فرزها من الداخل الفلسطيني، تستطيع نقل معاناة الشعب الفلسطيني ومواجهته للاحتلال الذي يعمل جاهداً لتطهيره عرقياً، وتعميم الرواية الفلسطينية، لدفع دول العالم ومؤسساته لمقاطعة المنظومة الاستعمارية، فالعمل مع مختلف المؤسسات الدولية ذات العلاقة، ومع القوى التقدمية المساندة للشعب الفلسطيني ضرورة ملحة لاستكمال حلقات النضال الوطني الفلسطيني التحرري.
محللون وباحثون وكتابٌ وأصحاب رأي يرون أن ميزان القوى الراهن يميل بشكل كبير لصالح منظومة الاستعمار الاستيطاني، وهذا دقيق ومنسجم مع التقييم الذي تقدمه القوى السياسية الفلسطينية باختلاف تنوعها السياسي والفكري.
وفي سياق التجربة النضالية الفلسطينية لم يطرح حتى الآن سؤال التغيير، كيف يمكن التغيير في ميزان القوى الراهن لخدمة تطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعوده؟ ونرى أن التغير في ميزان القوى يحتاج الى الفعل النضالي الثوري، الذي يستطيع ان يسجل اختراقاً في الوضع الراهن لصالح حقوق وتطلعات الشعب الفلسطيني على المستويين الداخلي والخارجي، وليس ضرورياً أن ما يجري من احداث على المستوى الدولي في الصراع القائم على السيطرة والنفوذ او تقاسم السيطرة وفقا لمصالح الدول الكبرى، والقائم على الأرض الأوكرانية ان يشكل مؤشرا إيجابيا تجاه القضية الفلسطينية، خاصه في عمليه إضعاف الهيمنة الأمريكية، التي تجري على مستوى العالم وتحديدا المنطقة العربية، وما تشهده من تحولات في السياسات الخارجية للدول التي كانت وما زالت تشكل مراكز النفوذ الامبريالي.
العمل فلسطينا يجب ان يكون قادراً على التأثير في السياسات الدولية وليس العكس، ولهذا شروط ومتطلبات تتعلق بكيفيه ادراة المواجهة مع منظومة الاستعمار، وانتظار التغيير من الخارج دون فعل من الداخل يعني الإبقاء على الحال القائم، والسماح لمنظومه الاستعمار الاستيطاني بالتغول اكثر في سياساتها الإملائية التي قد تنتج نكبه قائمه جديدة، على ضوء التغييرات البنوية، التي شقت طريقها في بنية المجتمع الاستعماري الصهيوني.
وخلاصة القول أن التغيير في ميزان القوى القائم له استحقاقات ومتطلبات وشروط، ودونها ستعيد الحالة انتاج ذاتها من جديد.