اطلس- اندفعت المنطقة نحو صراع مذهبي .. خسارة أن العالم تجاوز هذا المستوى من الصراعات المذهبية ذات الطابع القبلي وبقينا نحن نعيش مرحلة العصور الوسطى
غابت الصراعات القومية والوطنية وحل محلها صراع أبناء الدين الواحد الذي وصل إلى مرحلة كسر العظم وكانت سوريا النموذج .. لم تعد الاصطفافات القديمة ذات الطابع القومي قائمة فالصراع الديني هو الأهم وهذا ما أشعله شيوخ الفتاوي في السنوات الأخيرة والذي حملته تصريحات الجنرال السعودي أنور عشقي الذي أشاد فيه برئيس الوزراء الإسرائيلي وريث اليمين القومي بنيامين نتنياهو باعتباره " رجل قوي وواقعي " معتبرا أن إيران هي العدو الأول . هذه أكثر التصريحات صراحة وإن كانت السياسة في السنوات الماضية مجرد انعكاس تلك الثقافة في عدائها لإيران وحيادها تجاه إسرائيل ، سوريا كانت مسرح الحدث الأكبر استهوت السعودية ومعها قطر لعبة الحرب هناك باعتبار دمشق جزء من المحور الإيراني .. أرادت الدولتان الخليجيتان تجريد سوريا من إيران في لعبة غير محسوبة .. دعمت المقاتلين هناك بالمال والسلاح حتى لو أدى الأمر لتدمير الدولة .. وبضوء أخضر من الدول الكبرى لأن لا أحد يستطيع إرسال أسلحة إلى ميادين الصراع دون موافقة أميركية لأن لا رصاصة واحدة وصلت الثورة الفلسطينية منذ انطلاقتها من مخازن الخليج .. باستثناء السلاح الروسي الذي يتحرك بلا إذن أميركي . لقد وضعت بعض دول الخليج أقدامها بالأرض وبكل ما تملك من مال وعتاد وشيوخ ومنظرين لإسقاط الرئيس الأسد وتسليم سوريا للأغلبية السنية وإنهاء الوجود الإيراني واخراجه منها ولقد كانت لعبة محفوفة بالمخاطر وغير مضمونة العواقب والنجاح ، فقدرة السعودية على إدارة معركة مقابل إيران محكوم عليها بالفشل لأن إيران ليست مشيخة ولا دولة غبية ولديها قدر هائل من الدهاء في إدارة الصراعات والمعارك ففي إسرائيل اليهودي الأكثر صعوبة وحنكة هو اليهودي الإيراني وهناك كلمة معروفة حين يجري نقاش مع أحدهم " أتركه هذا فارسي " . الذي حصل في سوريا أن الصراع هناك تسبب بهجرة جماعية للسنة في الدولة فالملايين الكثيرة التي تركت سوريا وبدأت تستوطن في أوروبا هم من الأغلبية السنية ، لقد حدث انزياح كبير هناك وفقدت السنة أغلبيتها التاريخية على شكل موجات من المهاجرين وذلك لسببين الأول سيطرة داعش والتنظيمات الأصولية في المناطق السنية وصرامة حكم " الدولة الإسلامية " أدى لهروب السكان من تلك المناطق ، وثانيها أن معظم المعارك دارت في تلك المناطق حيث سيطرة تلك القوى الأصولية ، لأن مناطق الشيعة بقيت بعيدة عن الاشتباكات فالجيب العلوي الساحلي لم يطلق فيه رصاصة واحدة بقي مستقرا فيما اندفع حزب الله مدافعا عن القرى الشيعية المحاذية للبنان فأبقاها تحت حمايته . وهكذا أرادت السعودية تجريد إيران من سوريا لتقع سوريا بالمعنى الديمغرافي في قبضة إيران للأبد فقد أصبحت بأغلبية شيعية بعد الهجرة الجماعية للسنة التي فقدت أغلبيتها التاريخية ولو جرت أية انتخابات هناك لن يفوز فيها إلا أحد المؤيدين لإيران .. فما الذي حدث ومن الذي أدار هذه المعركة بهذا القدر من الغباء الشديد .. النتيجة طبيعية حين تتصارع دولة القبيلة والعائلة مع دولة مدججة بالدهاء . فما بين مخترع الكبسة ومخترع الشطرنج هوة كبيرة في نظام الحكم والدولة وإدارة الصراعات والتسليح والجيوش والعلم والتكنولوجيا وأكثر من ذلك في الإرث التاريخي المستند لدولة كبيرة وأخرى دولة العائلة .. فقد استطاعت إيران إدارة معركتها بنجاح مع كل العالم .. كانت مفاوضاتها مع الدول الكبرى أشبه بلعبة الشطرنج التي لم يموت فيها الملك الإيراني .. لقد عرفت إسرائيل بدهائها حاولت جاهدة ألا يتم توقيع الاتفاق مع إيران استخدمت كل ما تملك من نفوذ لكن الإيراني كان أكثر دهاء فكيف فكرت دولة مثل السعودية أن تعبث مع إيران ؟ إذن نحن أمام كتلة ديمغرافية شيعية من إيران مرورا بالعراق وهجرة السنة وصولا لسوريا على البحر المتوسط وما حدث فيها ، إن إدارة الخليج لصراعاته تعكس بؤس وبساطة تلك الدول فقد وقفت ضد صدام حسين ثم الآن هي من تسبب بهجرة الأغلبية السنية السورية هذا الحديث مؤسف وهبط إلى مستوى المذهبية التي يجب على الكتاب عدم الانجرار خلفها لكنه واقع ربما يعكس كيف تفكر وتعمل هذه الدول التي أصبحت عبء على العرب وعلى السنة وعلى الثقافة التي يتم ترويحها وقلقنا على مستقبل عربي تدير صراعاته دول بهذا المستوى من السذاجة آخر ما توصلت إليه أن نتنياهو رجل واقعي