اطلس- ما أجمل هذا الصباح، هل حقاً ابتسمت الأجنبية الشقراء لي بكل هذه العفوية والثقة والرضى؟ هل حقاً قالت لي صباح الخير؟
أم ظننتها أو أردتها أن تبتسم لي وُتصبّح عليّ وحدي؟ عيونها سكنت في وجهي لثوان ثم هاجرت وواصلت بعدي الابتسام، راقبتها تبتسم لحاوية القمامة، ولبائع الصحف، ولسيارة (خربانة) في الطريق ولامرأة محجبة ولأخرى (مفرعة)، وللحلاق وهو يهم يفتح محله، وللعجوز وهو يلهث على (الطلعة)، وللمعلمة التي تنتظر (الفورد) ولتلميذ يقطع الشارع، ولزامور مزعج يصدر عن سيارة مسرعة، رأيتها (والله رأيتها ولا مصلحة لي في المبالغة،) تبتسم لرائحة عطري التي كانت تمشي ببطء ورائي في الشارع، وسمعت فجأة سائق أجرة يشير بيديه الاثنتين من نافذة سيارته لصديقه الواقف قرب السيارة نحو السيدة المبتسمة ويصيح: شفت هالعاهرة، اللي مرقت من قدامنا دايرة بتوزع ابتسامات أخت الـ-----؟
واصلتُ المشي، توقفت أمام محل فلافل، كان هناك ثلاثة شبان عابسين، أحدهم يقلي الفلافل وآخر يصنع الساندويشات والثالث يقبض الفلوس. قلت للشبان الثلاثة: (صباح الخير، شباب،) لم يرد أحد، فقلت في نفسي: لعلهم لم يسمعونني بسبب ضجة السيارات، بدأت ألتهم الساندويش، في الشارع، والطحينية التي أعبدها كالعادة تتسايل على قميصي، سمعت شخصاً يمر عني يقول لصاحبه: (شوف قال هذا اللي (بشروِط) على حاله مربي أجيال)، نظرت إليهما فإذا بهما يواصلان النظر لي وهما مقطبا الجبين، دخلت محل ساعات لأصلح ساعتي، قلت: صباح الخير لم يرد صاحب المحل، قلت: لعلها ضجة السيارات، قال لي وهو منشغل بعبوس في تصليح ساعة: ارجع بعد أربع ساعات، مشيت باتجاه مخبز، صباح الخير يا أخي، لم يرد أحد، قلت: لعلها ضجة السيارات، عابسا أعطاني البائع ربطة خبز، دخلت محل ملابس لاشتري جوارب: صباح الخير يا إخوان، لم يرد أحد، قلت لعلها ضجة السيارات، دخلت محل إسكافي، قلت صباح الخير يا سيدي، لم يرد، ورشقني بنظرة مسمارية شعرت بدم ينزف بسببها من أنفي.
قررت أن أقلّد الأجنبية الشقراء، ابتسمت ابتسامتها، مشيت باتجاه المدرسة، في الطريق رحت أنثر الابتسامات كما فعلت الأجنبية، نظرت والابتسامة الواسعة لا تفارق وجهي، إلى حاوية قمامة، فسمعت صاحب محل (بناشر) يقول لنفسه: شكله انجن الأستاذ، ببتسم للزبالة).
ابتسمت لطفل يمشي مع أمه، رمقتني أمه بغضب وشدّت ابنها تجاهها، ابتسمت للسماء وهو توشك على المطر، فسمعت سائق فورد يقول لزميله: (هو هيك المعلمين آخرتهم يا حرام، ببتسموا للسما)، رن موبايلي، أمي على الموبايل: يما إنت بخير؟ أبو سعيد جارنا شايفك في الحسبة داير بتبتسم للرايح والجاي وبتحكي مع حالك، شو في يما؟
صباح اليوم الثاني، تعبت من ابتسامة الأجنبية التي استعرتها منها، خلعتها، وارتحت، تنفست بحرية، خرجت إلى العمل، في الشارع، شعرت بأني سعيد جدا وفارغ من القلق والهم، كان وجهي خفيفا مثل ريشة، والناس حولي عاديين ويشبهون بعضهم البعض، مررت عن عشرات الأشخاص من المعارف، دخلت أربع محلات، صادفت خالاً لي وابنة عم، أعطيت سبع حصص في المدرسة، وحين صادفت أثناء عودتي من المدرسة امرأة أجنبية شقراء تبتسم ليدها في الشارع: رمقتها بغضب وسخرية واتصلت بصديق لي فوراً: (اسمع، شفتلك شوفة عجيبة، مرا أجنبية هبلة بتبتسم مع ايدها هاهاها والله بتطلع على ايدها وبتبتسم.
سمعت صاحبي على الخط ينقل الخبر لامرأته وأولاده وهو يكاد يموت من الضحك.