اطلس- قد يكون إعلان كتائب القسام عن عمل ووجود وحدة الظل السرية مفاجئاً للكثيرين، ولكن لو نظرنا إلى الوراء قليلاً، لوجدنا أن مثل هذه الأخبار لم تكن لتحصل لأول مرة، وقد سبق للكتائب، أو حتى لحركة حماس أن أعلنت عن مهام بعض قادتها بعد استشهادهم أو وفاتهم.
ولذا يجب أن لا يكون الأمر مجرد خبر عادي نتناوله ببعض من السطحية، كما فعل البعض، أو بتناول موضع معاملة أفراد الوحدة مع أسراهم، مثل مشاركة شاليط بحفلات الشواء أو مشاهدة التلفاز، من باب السخرية والهزلية.
إعلان كتائب القسام في هذا الوقت لا يقف عند هذا الحد، والإعلان لم يكن لمجرد الإعلان، أو بسبب استشهاد أفراد الوحدة المسؤولين عن شاليط وغيره فقط. بل هو أبعد من ذلك، فالمتابع للحركة يدرك أنها تريد إيصال رسالة مفادها أنها تفوق في بعض القضايا والأمور المخابرات الإسرائيلية، في التخطيط والإخفاء والمراوغة. هذا من جانب، أما من الجانب الآخر فهي تريد إيصال رسالة للمحيط السياسي بأنها قادرة على الحفاظ على أمن الوطن والمواطن وأنها يمكن أن تصمد في وجه إسرائيل في القضايا السياسية.
إذا هي رسالة خارجية أولاً وأخرى داخلية. خارجية ليس لإسرائيل فقط، بل للمحيط المتشكك بقدرتها على الصمود، وعلى إدارة الصراع، وأنها إنسانية في تعاملها مع أسراها، وبذا يمكن أن تدحض مزاعم إسرائيل بأنها حركة إرهابية، وأنها إنسانية أكثر من دولة الاحتلال في التعامل مع الأسرى. أما الرسالة الداخلية فهي للمجتمع الفلسطيني، مفادها قدرة الحركة على حماية أمنه واستعادة أسراه من السجون الإسرائيلية، الأمر الذي عجزت عنه الكثير من الحكومات الفلسطينية المتتابعة.
الأهم من ذلك كله، إيصال رسالة بأن الحركة قادرة على قيادة التفاوض من خلال الأسلحة المختلفة التي تمتلكها، والمتمثلة بالجناح العسكري والقادر على قيادة المعارك، والتي تعلن في نهايتها أنها انتصرت، بغض النظر عن النتيجة أصلا. والسلاح الآخر هو قدرتها على خطف الجنود ومقايضتهم، الأمر الذي يعني قدرتها على التفاوض وتحقيق بعض الإنجازات على المستوى السياسي، وبالتالي إبلاغ المجتمع الفلسطيني بأنها تملك أوراقاً أقوى من أوراق المفاوض الفلسطيني الذي لم يحقق شيئاً على الأرض، بل على العكس، فالاستيطان مستمر والحكومات الإسرائيلية المتتابعة لا زالت تعيش على قمع الشعب الفلسطيني، وتستمر في بناء المستوطنات. الحكومات الإسرائيلية تقرر طبيعة الصراع وكيف يمكن أن يسير.
حركة حماس أرادت الخروج بهذه الرسالة من دائرة الحصار والنسيان، لأنها تشعر بأن دورها اختفى عن المشهد السياسي في الآونة الأخيرة، خاصة في ظل انشغال العالم بشكل عام والعالم العربي بشكل خاص بالصراعات العربية العربية، وتبعات الربيع العربي. ولذا كان لا بد من الخروج بقضية غير عادية يمكن أن تشغل الإعلام الإسرائيلي أولاً ومن ثم الإعلام الفلسطيني، لأن الإعلام العربي منشغل بقضايا أكبر من ذلك.
نعم هو نوع من التلميع السياسي للحركة.
ولكن لو نظرنا إلى نتائج مهمة هذه الوحدة، والمتمثلة بتحرير الأسرى الفلسطينيين. هل فعلاً استطاعت حماس ضمان الإفراج عن المعتقلين وبقائهم أحرارا؟ بالطبع لا، لأنها لم تكن لتفكر على المدى البعيد، فلو حقاً أرادت الخروج بقضية مشرفة، لما وافقت على الصفقة ضمن الشروط الإسرائيلية فقط، وثانياً، ماذا كانت نتيجة اعتقال شاليط؟ حرب دمرت غزة وشردت عشرات الآلاف، الذين لازالوا يبحثون عن مأوى يقيهم برد الشتاء وحرارة الصيف القاتلة.
ومن ثم جاءت الحرب الأخيرة على غزة، والتي أعلنت فيها حماس أنها خرجت منتصرة، وأنها أجبرت العدو على الرضوخ لشروطها، ترى عن أي انتصار تحدثت حماس؟ شرط وقف الحرب كان بالميناء وفتح الحدود، ماذا تحقق منها؟ ألم يكن حرياً بحركة حماس إجبار إسرائيل على إعادة بناء ما دمرته من منازل قبل الإعلان عن انتصارها؟ أليس حرياً بها أن تهتم أولاً بعشرات آلاف المشردين حتى يومنا هذا؟