اطلس- إذا كانت العَوْلَمَةُ وأدواتها الثَّقافيَّة وآلِهَتُها الرأسماليَّة الآن تسيرُ على الأثيرِ، فإنَّها قد سارتْ فيما مضى ومنذ آلافِ السِّنين مع الميثيولوجيا
– بمعنى العقائد الدِّينيَّة والأساطير والطُّقوس - في الدُّروبِ الطَّويلَةِ بين مختلف أصقاعِ العالم وعلى الدَّوابِّ في الصَّحاري وفي شعابِ الجبال، وعلى متنِ المراكِبِ والسُّفن عبر البحارِ والأنهار. ومع الجيوش وحركة الغزوات القبليَّة والإمراطوريَّة. وفي كلِّ مرَّة كانت العَوْلَمَةُ تسير ومعها آلِهَتُها الخاصَّة بها.
وعلى متنِ كلِّ تلك الوسائل سافرتْ الآلهة الأنثويَّة " عشيرة " ومعها زوجها " إيل " أو " بعل " أو " أبوللُّو " أو " ياهو " بين الشَّمالِ والجنوب وبين الشَّرقِ والغرب وبين القارَّات لمدَّةِ 2500 عام قبل الميلاد وبعده بقرون.
وكانت " عشيرة " أو " اللَّات " هي أم " الأبونثيون " – مُجمَّع الآلهة الشَّرقيَّة والرُّومانيَّة والإغريقيَّة – وهي مرضعة سلالة الآلهة ومرضعة الملوك والأباطرة والزُّعماء القبليين، فهم أبناءُ " إيلْ " زوجُ " عشيرة " بالرِّضاعة.
كانت ( عشيرة ) أو اللَّات تتجسَّدُ بصوَرٍ مختلفة، عبر أدبِ الملاحم والاشعار والرَّسمِ والنَّحت، فظهرت في الأساطير والملاحم السُّومريَّة والبابليَّة كعنصرٍ أساسيٍّ في النُّصوصِ الميثيولوجيَّة، وتجسَّدَتْ لدى الكنعانيين في أوغاريت على هيئةِ تمثال وهي تُرضِعُ الآلهة من نَهدَيْها، وظهرت في فلسطين الكبرى على هيئةِ تماثيل عارية صغيرة، أو على هيئةِ رسوماتٍ للأنثى على أطباقٍ نُحاسيَّة يُظهران دائرتين على الصَّدر ومثلَّثٍ أسفل البطن بما يرمِزُ إلى عمليَّة الرِّضاعة والإخصاب والخصب وبجانبها رَجُلين ودابتين وحيوانينِ مُجنَّحَيْن.
وظهرت لدى الإغريق والرُّومان كإمرأةٍ عارية تُرضِعُ الآلهة والأباطرة، وكذلك ظهرت بصورٍ متعدِّدة لدى الفراعنة. وظهرت لدى الآراميين بإسم " كعوب " أيضاً، ومن ثمَّ لدى قبيلة ثقيف في الطَّائف على هيئةِ صخرة مكعَّبة بيضاء يتمُّ عبادتها. بحيثُ كانت تنافس الصَّخرة السَّوداء المُكعَّبة لدى قُرَيْش في مكَّة والَّتي كانت ترمزُ إلى زوجها " إيلْ ".
سافرتْ ( عشيرة ) أو " أثيرة " أو " أتات " من عندِ " الرَّافديين " في بلادِ مابين النَّهرين إلى السُّومريين في الجنوب وإلى والبابليين في الشَّمال وإلى الكنعانيين والتَّوراتيين في الغرب فكانت " عَنَاة " لدى الكنعانيين في " أوغاريت " ولدى الفنيقيين على ساحل لبنان، ولدى العبرانيين التَّوراتيين في فلسطين، وكانت " زيوس " لدى الإغريق، وكانت " إيلات " لدى الآراميين أو " كَعُوبْ " أو " الَّلات " أو ( عشيرة ) مرَّة أخرى لدى عرب الجزيرة العربيَّة.