الكاتب: محمد موسى مناصرة
شهد مخيم الدهيشة مساء الجمعة الرابع من كانون ثاني الجاري مسيرة هي الثانية على التوالي تراوح عدد المشاركين فيها ما بين 70 – 100 شاب بدأت مسيرتهم من مدخل المخيم وصولا الى حدوده الشمالية حتى دوار المركز الروسي وعادوا من حيث انطلقوا.
مخيم الدهيشة دائما كان في صدارة الاحداث والمواقف الوطنية والحراك الكفاحي في البلاد ، كان الحراك فيه أي حراك رسالة لصناع القرار للانتباه والاهتمام باتجاهات المواطنين الانفعالية والسياسية حيثما كانوا، كان المخيم منبرا للتعبير عن ارادة شعبنا وموقفه من مختلف القضايا، ولكن..! الغريب في هذه المسيرة هو الشعارات التي رددها المشاركون وتستدعي التوقف عندها نظرا للمؤشرات الخطرة التي ينبغي التدخل لمعالجتها على الفور حتى لا تتأسس او تتعزز لدى ابنائنا والجيل الذي ننتظر وتعقد عليه الآمال.
لقد عكست شعارات الشباب ثقافة غريبة لا جذور لها في الثقافة الوطنية والفلسطينية، ثقافة (مليش خص)، ثقافة التحلل من اية التزامات او واجبات تجاه البلد والآخرين، ثقافة العداء للقانون ولمفاهيم المواطنة كعلاقة قانونية بين الفرد والسلطة (الدولة). رفعوا شعارات يرفضون فيها الاتفاق والتفاهم الاخير الذي وقع بين مجلس الوزراء واللجان الشعبية المنبثقة عن دائرة شئون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية وشركة كهرباء القدس يوم 30/12/2012.
ربما كان مفهوما ان يعترض المتظاهرون على بنود الاتفاق لأسباب تتعلق بتطويره او تحسينه او ادخال تعديلات عليه لصالح اهالي المخيمات، ولكن ما رفعه المتظاهرون من شعارات هو انهم لا يريدون اسقاط الديون عن اهاليهم! ولا يريدون الدفع بدل استخدام الكهرباء في منازلهم الى مالا نهاية، وعلى الاخرين ان يدفعوا بالنيابة عنهم اثمان الكهرباء التي يستهلكونها؟!!!!
واغرب من ذلك ان المتظاهرين هناك من حاول تضليلهم بتحميل الاتفاق بشأن الديون لصالح شركة الكهرباء زاعما بوجود خطر على حق العودة وخطر على القرار 194 في اتفاق الغاء الديون المستحقة لصالح شركة الكهرباء وان هناك خطر يتمثل في سماح الموقعين لانفسهم حق تمثيل اللاجئين السياسي وانه لا احد ممن وقعوا الاتفاق مع شركة الكهرباء من حقه تمثيل اللاجئين في اية مفاوضات بشأن حق العودة؟!!!!!
ارأيتم ما نحن فيه؟ اتدركون الخطر الذي يتعرض له ابناءنا من هذا الجيل الذين تراوحت اعمارهم ما بين 15 – 20 عاما؟!!!! فاين هو هذا الحق بالتمثيل السياسي الذي تضمنته بنود الاتفاق وسمحت اللجان الشعبية لنفسها بادعاء امتلاكه؟!
كان مفهوما ان تعلن جماهير نابلس ومناطق اخرى احتجاجاتها مطالبة بتحقيق العدالة بان يشملها الاتفاق الموقع مع اللجان الشعبية بشأن فواتير الكهرباء خاصة وان الوضع المعيشي يطال الجميع وليس سكان المخيمات وحدهم ولكن ان يخرج محتجون يرفضون اعفاءهم من ديون بلغت (850) مليون شيكل ويرفضون ان تشكل الحكومة شبكة أمان لهم فهذا امر ليس بامكان احد ان يتفهمه علما بان حصة المخيمات من الدين تصل الى اكثر من (250) مليون شيكل تقريبا؟
كل رب اسرة في مخيم الدهيشة عليه ديون في الحد الادنى لصالح شركة الكهرباء (80) الف شيكل وهناك من تزيد الديون المتراكة عليهم عن (100) الف شيكل لصالح شركة الكهرباء فتخيلوا نزول شبان للشوارع يرفضون ان تقدم لهم السلطة بالتعاون مع اللجان الشعبية شبكة أمان وتلغي ديونهم؟! واكثر من ذلك وهو الاخطر في الامر من الناحية التربوية يعلنون انهم من حقهم الاستفادة من الكهرباء بدون دفع (بالبلاش) الى ان تتحرر البلاد وتتحقق الاحلام بعودة اللاجئين؟!!!
ايضا على قد فهمي وبمراجعتي لبنود الاتفاق المتعلق بالكهرباء لا توجد أي اشارة لا من قريب ولا من بعيد لحقوق اللاجئين الوطنية ولا اشارات لحق العودة ولا اشارات تتعلق بادعاء الموقعين انهم يمثلون اللاجئين سياسيا او انهم بديل عن منظمة التحرير فمن هي الجهة التي لها مصلحة وتقف وراء تزوير ارادة ووعي هؤلاء الشبان وتضليلهم والسير بهم باتجاهات تتعارض مع ابسط قواعد الوطنية والمواطنة والاخلاق؟
وبالصدفة وفيما كنت اسير الى جانب المتظاهرين مرر علي احدهم بيانا اعرب فيه كاتبوه قلقهم من ان اتفاق الكهرباء يفتح الطريق على المخاطر المتعلقة بتمثيل اللاجئين السياسي؟! تخيلوا أي تزوير واية جهالة يضع كاتبوا البيان انفسهم فيه؟ مع اني لا اعتقد ان الامر له علاقة بالجهل وانما بمحاولة فاشلة لتسييس الاتفاق ضد اللجان الشعبية وضد السلطة وضد اهلنا في المخيمات انفسهم وفقط لصالح الفتنة النائمة؟!!!
والاكثر غرابة انه بالفحص فان من كتبوا هذا البيان ويحرضون الشبان على التظاهر وجدتهم انفسهم كانوا قد فاوضوا شركة الكهرباء عام 2004 وكل ما استطاعوا الحصول عليه من شركة الكهرباء في حينه تجميد الديون السابقة وليس الغاءها والبحث لاحقا بسبل دفعها وجدولتها ومن سوء طالعهم فاني احتفظ بنسخة من ذاك الاتفاق ؟!!!
والاسئلة المثيرة هنا كيف ان الاتفاق السابق لاصحاب البيان وهو الاتفاق المهين مقارنة مع الاتفاق الحالي لم يكن فيه اشارات سياسية بشأن حق العودة او القرار 194 او الادعاء بتمثيل اللاجئين السياسي ولم يتهمهم احد بمثل هذه التهم الباطلة في حين اتفاق بمحصلته هو شبكة امان واسناد جدي وحقيقي وفعلي يعرف قيمته كل رب اسرة لسكان المخيمات جميعهم، واسناد للعائلات الفقيرة من شعبنا برغم ان السلطة في امس الحاجة لشبكة امان وبالكاد تستطيع توفير رواتب موظفيها يعتبر مجحفا وخطير سياسيا على حق العودة وحق التمثيل السياسي للمنظمة ومؤامرة على المخيمات ؟!!
لقد اخفى المحرضون على اللجان الشعبية ايضا حقيقة واضحة وثابتة تضمنها الاتفاق انه اعطى الخيار لكل فرد في المخيمات بان يلتزم بالاتفاق فتسقط كل ديونه السابقة بعشرات الالاف من الشواقل او ان يرفض الاتفاق ولا يلتزم به ويتحمل هو شخصيا تبعات الاجراءات الاخلاقية امام الاهالي وتلك القانونية التي سوف تترتب على موقفه.
والشيء بالشيء يذكر قيض لي ان اكون في قطاع غزة واحد من المكلفين يومها باعادة التأسيس للحركة الوطنية وبناء الحركة الجماهيرية في قطاع غزة بعد ان أجهز ارئيل شارون على العمل المسلح في القطاع عام 1971، وللصدفة منحت بيتا سريا كان قد سبقني اليه وكان يقيم فيه الشهيد جيفارا غزة. ولمن لا يعرف جيفارا غزة فقد اشتهر كبطل وطورد الى ان استشهد اتعلمون لماذا؟ لانه اغتال احد مخاتير مخيم الشاطىء بذريعة انه طالب بلدية غزة ان توصل الكهرباء لاهلنا في مخيم الشاطىء اذ اعتبر ذلك في حينه محاولة لتغيير هوية المخيم وربطه بالمدن وأحد مظاهر التنازل عن حق العودة؟!!!
ومنذ عقود طويلة وها نحن في المخيمات ربطنا بيوتنا بشبكة الكهرباء باعتبار ذلك حق معيشي حق حياتي فهل اثر ذلك على هوية المخيمات؟ وهل الحق اية اضرار بميل ونزوع شعبنا نحو حق العودة؟ وهل الحقت استفادتنا من خدمات شركات الكهرباء اية مخاطر على حق منظمة التحرير في تمثيل شعبنا او تمثيل اللاجئين الفلسطينيين والتعبير عن حلم في العودة؟؟
استذكر واقعة الشهيد جيفارا غزة باغتياله احد المخاتير من باب الاستفادة من دروس التاريخ والتعلم من الاخطاء، فهل يعتقد كاتبوا البيان في مخيم الدهيشة ضد الاتفاق وضد اللجنة الشعبية في المخيم وضد السلطة ان بمقدورهم الاستخفاف بعقولنا والاستهتار بتجربة شعبنا دون ان نتوقف عند الذي يكتبونه؟!!
هناك من يطرح ويعتب بعقل وضمير مخلص ان اللجان الشعبية كان عليها ان تتشاور مع الاهالي قبل التوقيع على الاتفاق وهذا حق، وهناك من قال بان على اللجان الشعبية ان تعمم الاتفاق على الراي العام للاطلاع عليه، وجميعها مقترحات ومطالب محقة بالامكان تفهمها واحترامها مع ان المفاوضات بشأن موضوع الكهرباء متواصلة منذ العام 2000 وما جرى العام 2004كان في ذات السياق وبعلم الجميع، واكثر من ذلك في مخيم الدهيشة تداعى يوم تشكيل اللجنة اكثر من 145 شخصية اعتبارية ومن مختلف البلدات والحارات والمؤسسات والعائلات والفصلان الوطنية وهناك من لم تسجل اسماءهم على المحضر واتفق على تزكية 48 شخصية من بين الحضور وتمثل كل الاوساط في مخيم الدهيشة واستقر الامر على تزكية وانتخاب اللجنة الشعبية الحالية أي انها لم تسقط من السماء ولم تفرضها دائرة شئون اللاجئين على المخيم ولم يفرضها طرف سياسي على طرف آخر، ورغبت بالتنويه لذلك لاني كنت احد المشاركين في تلك الاجتماعات ووددت اطلاع من تساءلوا باخلاص عمن اوكل للجنة مهمة معالجة موضوع الكهرباء مع الشركة ولا يعرفون بتاريخية الامر واجزم ان لا احد في اللجنة الشعبية في مخيم الدهيشة يرفض اجراء الانتخابات لعضويتها من جديد والجميع متفقون على الحاجة لاجراء تلك الانتخابات لعضويتها ولا يحتاج الامر للبيانات ولا للمظاهرات فهو امر معروض على الطاولة لجميع الفصلان السياسية والاطراف الاجتماعية في مخيم الدهيشة.
نعم كان على اللجان الشعبية على الفور عقد اجتماعات عامة مع الاهالي واطلاعهم على تفاصيل ما اتفق عليه وكل الامور المتعلقة بالموضوع هذا حق مطلق للاهالي بان يتم اطلاعهم على أي شأن من الشئون المتعلقة بحياتهم.
هناك ملاحظات انتقادية عديدة للحكومة كان يجب الاهتمام بها ومعالجتها واخطرها نهج تحرير السوق فيما نحن تحت الاحتلال الامر الذي الحق اضرار بالغة بكل ما له علاقة بالاقتصاد الفلسطيني والوضع المعيشي الفلسطيني وبالتخطيط لقادم الايام على مستوى الاسرة والوطن معا. اما ان نصطنع اسبابا لمعاداة السلطة ونحاول تسييس اتفاق غير سياسي بالمطلق فيما يجب ان نقدم لها الشكر فهذا بحاجة لكي يوضحه لنا دعاة البيان ضد اللجان الشعبية ودعاة تحريض الشبان وتزوبر وعيهم وتضليلهم للتظاهر ضد السلطة وضد اللجان الشعبية، وضد الاتفاق الذي في صلبه توفير شبكة امان هي بادرة غير مسبوقة منذ تأسست السلطة الفلسطينية حتى الان.
ان من حق السلطة وواجبها ان تضع حدا لهدر المال العام ومن واجبها ان تتدخل في معالجة مشكلة مستعصية منذ اكثر من عقد ونصف وتهدد بانهيار جميع الخدمات المتعلقة بالكهرباء وينبغي تقديم الشكر لها على توفيرها شبكة امان فيما هي بامس الحاجة لشبكة امان تحميها من التغول الاسرائيلي في الموارد الفلسطينية.
ومن حق اللجان الشعبية ان تتقدم لها
جماهير المخيمات بالشكر والعرفان لان بوصلتها كانت على مدى اكثر من عقد، وقيض لي ان اكون مطلا على المشكلة من بداياتها لنهاياتها لانها عملت بما هو الافضل لشعبنا في المخيمات واعتقدها نجحت في ذلك نجاحا غير متوقع بان ألغت جميع الديون المترتبة على اهلنا في المخيمات وليس هذا وحسب بل وايضا فان العائلات الفقيرة الموثقة لدى الوكالة او الشئون الاجتماعية عمليا ستدفع ما قيمته 50% من استهلاكها للكهرباء قادم الايام والسنين تبعا لتفاصيل الاتفاق.
الاتفاق بكل المقاييس رحمة ليس باهل المخيمات بل بالعائلات الفقيرة في البلدات والقرى والمدن الفلسطينية التي ستنتفع منه باعتباره شبكة امان للعائلات الفقيرة حيثما كانت فمن غير المعقول تطبيقه في المخيمات واستثناء المواطنين في القرى والمدن الاخرى لان اهل المخيمات اولا واخيرا ليس على رؤوسهم ريشة هم مثلنا ونحن مثلهم هم منا ونحن منهم والجميع اهلنا في الاراضي المحتلة يتعرضون لاحتلال واحد يطحن عظامنا ويدمر اقتصادنا ويحاول مصادرة مستقبلنا!.
فليتوقف من يحاولون تزوير وعي شبابنا وتضليلهم عن اثارة الفتنة غير المبرر، وليثوبوا الى رشدهم ومن كان منهم لديه اقتراح مفيد فليعرضه عبر القنوات الرسمية للتنسيق والتعاون بين مختلف المكونات السياسية والاجتماعية ومؤسسات المخيمات الاهلية.