الكاتب: نبيل عمرو
عما قريب، سوف يتوجه الرئيس محمود عباس الى القاهرة للقاء الرئيس مرسي، وبالتأكيد سيتم حديث تفصيلي مطول مع جهاز المخابرات، الذي يحمل منذ سنوات ملف المصالحة، ويتولى بذل الجهود المركزية باسم مصر لانجازها .
ولا يملك اي متابع للجهد المصري منذ زمن المرحوم عمر سليمان حتى زمننا الحالي الا وان يحسد فريق العمل المكون من جنرالات اكفاء على طول بالهم ، حتى انني اقترحت ذات مقال بمنحهم وسام الصبر جراء ما كابدوا وهم يجمعون القبائل الفلسطينية الحقيقية والوهمية .. ويضعون جدول اعمالهم، ويحضرون بأناة ومثابرة افكارا لعلها تقنع سادة القبائل ببديهية، ان المصالحة " مصلحة وطنية وضرورية.
لايبدو منطقيا ولا عادلا توجيه اللوم لفريق العمل المصري، لأن اللوم كل اللوم يجب ان يوجه لصناع الانقسام الذين هم في ذات الوقت الخصوم الموضوعيون للمصالحة، وأتحيز هنا لفريق العمل المصري لأنني شاهدت اداءه عن كثب ، بل وشاركته في البحث عن افكار نافعة، الا ان ما كان يحدث بالضبط هو ذلك التعارض الدائم بين المنطلقات السليمة لفكرة المصالحة واهمية تجسيدها في حلول جدية وقابلة للاستمرار، وبين تعارض الاجندات الخاصة بالفصائل التي لا تعترف حتى اللحظة بنقاط التقاء وسط يوفر حلولا، بقدر ما هي معنية باجنداتها وما تراه مناسبا لها حاضرا ومستقبلا.
ومادام الامر كذلك فلا امل لمصالحة حتى لو اقترح المخلصون في مصر وغير مصر افكارا ترقى الى مستوى المعجزة.
الا ان الزيارة المرتقبة للرئيس عباس وما ينبغي ان يدور فيها من احاديث مع المستوى السياسي الاعلى في مصر ، ينبغي ان تتجاوز ما كان يتم في الماضي من حديث عن اهمية المصالحة وضرورة التحرك المصري لانجازها، لما لذلك من تأثير مباشر على المصالح العليا للدولة المصرية ليكون الحديث هذه المرة مختلفا من حيث المضمون والخلاصات.
المضمون.... ان مصر في وضعها الراهن اي ما اصطلح على تسميته بالمرحلة الانتقالية ، ليست مجرد وسيط بين طرفين متنازعين ، بل انها طرف اصيل في ازمة كبرى ، لا تملك النأي بنفسها عن الاخطار الراهنة والكامنة والمتنامية بالتأكيد، ذلك ان غزة تقع في صلب الحياة المصرية، مثلما هي سيناء التي اضحت مصدر خطر جوهري قد يأتي وقت لا تستطيع فيه مصر الانتقالية احتواء الخطر المنبعث منها ومنع نشوبه في لحظة ما.
وفي مصر رجال اذكياء ومستنيرون يعرفون هذه الحقيقة، الا ان الطريقة المصرية في معالجة هذه المعضلة ما تزال في سياقها القديم الذي يراكم اخطاراً اكثر مما يعالج اوضاعا..
لقد آن الاوان ، لان تعرض الامور على الرئيس مرسي وحتى على المرشد العام بقدر كبير من الصراحة ، وبقدر اكبر من تلمس المسؤولية حيال القضايا الجوهرية.
ان الرئيس مرسي والمرشد يدركان انهما اضطرا للقيام بانقلاب على مواقفهما وافكارهما منذ ان بدأا حجيجهما الى القصر الجمهوري في القاهرة .
لقد تخلصا من مفهوم المواقف ذات السمة الجهادية والمبدئية لمصلحة تهيئة الظروف للاضطلاع في الرئاسة فاذا بالقروض مثلا التي كانت محرمة شرعا صارت مطلبا وهدفا يستحق دفع اثمان باهظة للحصول عليها، واول هذه الاثمان هو التخلي عن التحريم ، اما الموقف من "الاتفاقات الخيانية" مع "اسرائيل" والتي اودت بحياة السادات ذات يوم، فقد جرى تجديد الالتزام بها والتأكيد على صيانتها وعدم المساس بها.
هذا في مصر اكبر دولة في المنطقة واعرقها وصاحبة اهم جيش من جيوشها، فلم لا يتجه الرئيس مرسي والمرشد الى اخوانهم في غزة لافهامهم بضرورة التساوق مع ما اضطرت منظمة التحرير للتساوق معه، وان يسارعوا الى اغلاق ملف الانقسام اليوم قبل الغد، وان لا يترددوا في اعلان الاستعداد الفوري للذهاب الى انتخابات رئاسية وتشريعية، وما ينتج عن هذه الانتخابات يكون هو الحكم الفصل في مستقبل الوضع الداخلي الفلسطيني
ثم ومن جهة الرئيس عباس، فان الوقت صار ملائما لابلاغ الرئيس مرسي بعدم قدرته على مواصلة المراوحة داخل الحلقات المفرغة في امر الوضع الفلسطيني، فلا شيء يحدث الا الجمود والمزيد من تكريس الانقسام وتعميقه، ولا يستطيع المضي قدما في خديعة الحوار المتواصل الذي لا يفضي الا الى نتيجة واحدة وهي الابتعاد عن المصالحة، ولم لا يتخذ قرارا بدعوة المجلس الوطني الفلسطيني الذي ما يزال شرعيا حتى انتخاب مجلس جديد كي يضع الجمل بما حمل بين يديه ليكون هو صاحب القرار الشرعي في امر الانقسام، والقرارات التي ينبغي اتخاذها لابعاد القضية الفلسطينية من براثنه وانيابه الحادة.
ان مواصلة المراوحة في حوارات غير مجدية بين فلان وفلان، مع تدبيج قصائد المدح في اهمية المصالحة وسلوك كل ما من شأنه تقويضها وجعلها مستحيلة لا يمكن ان يوضع له حد الا عبر المؤسسة الشرعية الاعلى للشعب الفلسطيني وهي المجلس الوطني.
وساعتئذ سيكافئ الشعب الفلسطيني من يتخذ قرارات فعالة لحفظ القضية المقدسة من التلاشي ولابد وان يحاسب من يضع العصي في الدواليب .
ان زيارة القاهرة المرتقبة، يجب ان لا تكون مجرد مستوى اخر لمضمون لقاءات الاحمد-ابو مرزوق ، بل لا بد وان تحمل توجها لقرارات حقيقية ومحددة وفعالة.