الكاتب: نمر عاروري
رب صدفة خير من ميعاد، في احدى مشاركاته على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" نشر الكاتب الصحفي حافظ البرغوثي رئيس تحرير صحيفة الحياة الجديدة صورة لمقام احد الأولياء في قريته "دير غسانة" يدعى "الرفاعي" وقد تم الاعتداء عليه وتدنيسه ونبشه من قبل سارقي الآثار. ولدى قيام كاتب هذه السطور من قرية عارورة /بني زيد الشرقية والمقيم في المانيا بمشاركة الكاتب "البرغوثي" صورته التي توثق الحدث، شاكيا هو الآخر تعرض مقامات تاريخية اخرى في قريته الى الاعتداء والنبش والتدنيس، وتحديدا مقام الشيخ رضوان بن عليل الارسوفي في عارورة، المولود في مدينة "ارسوف" الساحلية التي كانت واقعة في حينه تحت الاحتلال الافرنجي الصليبي ، انتبه المواطن "جهاد عاروري" احد اصدقاء الأخير على شبكة التواصل الاجتماعي "فيسبوك" الى الحدث وابلغه ان نصب قبر هذا الولي في حوزته، حيث ذكر انه قام لدى اكتشافه عملية الاعتداء والنبش بنقل النصب الى بيته لانقاذه من اللصوص. وقام "جهاد" في حينه بابلاغ اعضاءا في بلدية بني زيد الشرقية بمبادرته الواعية لينقذ النصب من عملية اعتداء اخرى قد يتم فيها سرقة هذا النصب، الذي يبدوا ان لصوص الآثار لم يتمكنوا من نقله نظرا لثقل وزنه. ويذكر ان هذا الشاهد يحمل كتابات تاريخية تسجل تاريخ وفاة الولي صاحب المقام واوصاف اخرى تعتبر مفتاحية لتحديد تاريخ نشأة قرية عارورة نفسها ونشأة منطقة بني زيد في محافظة رام الله في العهد العربي الاسلامي.
ويسجل هذا الشاهد من خلال ما يحمل من كتابات ان تاريخ وفاة هذا الولي هو 7/1/1230م اي بعد 43 عاما على انتصار صلاح الدين في معركة حطين.
ويذكر ان نشوء هذه القرى مجددا يعود فيه فضل كبير الى متصوفي تلك الحقبة التي واكبت الغزو الافرنجي التفريغي لفلسطين، حيث قام هؤلاء المتصوفة باللجوء الى المناطق الجبلية الوعرة وانشأو مقامات هروبا من القمع الافرنجي في المدن والقرى الواقعة مباشرة تحت الاحتلال، وبذلك قاموا عن وعي او غير وعي بالحفاظ على بؤرة التواجد العربي الفلسطيني في المناطق الجبلية الوعرة اي بتثبيت الناس في تلك المناطق، حيث التفت حول مقاماتهم القبائل العربية وانشأت قرى وتجمعات ساهمت مباشرة في اعمار فلسطين مجددا بعد الخراب الذي حل بريفها ومدنها نتيجة الاحتلال الافرنجي الصليبي.
وفي الوقت الذي قام فيه بعض المؤرخين وعلماء الآثار اليهود امثال الباحث "موشيه شارون" بنشر ابحاث في وقت مبكر تؤرخ للمنطقة لأسباب مختلفة، معتمدين ايضا على هذه المقامات التاريخية التي تعتبر ارثا تاريخيا للشعب الفلسطيني، يتم اتلاف هذه المقامات والاعتداء عليها من قبل فلسطينيين خارجين عن القانون ويتم تسريب شواهدها وحتى حجارتها الى جهات مشبوهة آخر همها تثبيت الحق التاريخي للشعب الفلسطيني في ارضه.
وفي هذا الاطار يثار سؤال حول فاعلية عمل دائرة الآثار الفلسطينية في ملاحقة لصوص الآثار ومسربيها وفي توثيق تلك الانتهاكات ومحاولة استرجاع المسروقات. ومن الجدير بالذكر ان هناك مبادرات اهلية فلسطينية تعمل باقل الامكانيات معتمدة على التبرعات لانقاذ ما يمكن انقاذه من هذا الارث التاريخي والتراثي، من خلال العمل على ترميم ما يمكن ترميمه، حفاظا عليه للأجيال الحالية والآحقة.
وفي هذا الصدد يشار الى مبادرة مجموعة من الأهالي والمغتربين من قرية عارورة وبدعم من اصدقائهم للقيام بترميم 4 مزارات تاريخية في قريتهم لتكون باكورة مبادرة وطنية شاملة، لآقت صدى واهتماما اعلاميا طيبا، لتمتد الى مواقع اخرى، وتهدف فيما تهدف اليه الى رفع درجة الوعي الوطني بأهمية هذه الموروثات التاريخية والتراثية التي كان لها فضل يذكر في معركة صراع الوجود وفن البقاء لهذا الشعب على ارضه، والذي لا زال قدره ان يخوض هذا الصراع الوجودي مجددا ضد الهجمة الاستيطانية التفريغية الاسرائيلية التي تسرق الأرض وتزور التاريخ.