الكاتب: سليمان عيسى جرادات
لا شك بان لكل مرحلة من تاريخ الشعوب لها مفاهيمها الخاصة التي تؤطر طريقة التفكير وتحدد طبيعة العلاقات القائمة بين المواطن وكافة أجهزة الدولة المدنية والعسكرية ، والذي تلعب دورًا مهمًا في تحقيق الأمن، ومساعدة الجهات المعنية بمحاربة كافة أنواع التعديات والأعمال الخارجة عن القانون، وهذه من أولويات ومسؤوليات الطرفين وعليه يتضح أن محاربة الفساد الاجتماعي من الأمور التي يجب أن يلتزم المواطن العمل عليها ومكافحتها، لان ضعف الولاء للدولة ومؤسساتها يرجع إلى عدم المعرفة الكاملة والضعف بثقافة القانون والذي يعتبر البعض حقوقه على الدولة غنيمة وواجباته اتجاه الدولة اعتداءا وسلبا لحقوقه.
بالرغم من مسؤولية الاحتلال الإسرائيلي ومواصلة سياسته عن تردي الأوضاع في المناطق التي تخضع تحت السيطرة الأمنية الفلسطينية من حيث خلق واقع اقتصادي مترد وضلوعه في عمليات التهريب بكافة أنواعها وحماية مرتكبي الجرائم والجنايات ضمن المناطق المسيطر عليها إسرائيليا وإعاقة مهام أجهزة الأمن الفلسطينية بهدف تكريس ادعاء ضعف السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية وعدم قدرتها على ضبط الأمن وفرض النظام والقانون .
ومنذ العام 1994م عملت السلطة الفلسطينية على تقوية الجبهة الداخلية والبدء بمرحلة البناء المؤسساتي وترميم ما خلفه الاحتلال الذي ما يزال يتبع سياسة ما ذكر سابقا، ووضع التشريعات والقوانين التي تنظم العمل المؤسساتي من حيث الحقوق والواجبات ومنها القوانين الخاصة بحماية الوطن الذي نص عليها القانون الأساسي الفلسطيني بنبذ كافة إشكال العنف وتعزيز وترسيخ سيادة القانون وصيانة وحفظ كافة الحقوق والحريات للمواطنين، فان حفظ الأمن لا يقع على أجهزة الأمن واحدة أو مؤسسة واحدة وحدها كفيلة بحماية الوطن ، فحماية الوطن يحصل بتعاون الأفراد والمؤسسات بكافة مسمياتها مع مؤسسات الدولة والعكس صحيح لبناء الوطن وحمايته ويدافع عنه ويرد عنه المكائد الداخلية والمؤامرات الخارجية وشرور العابثين بالممتلكات العامة والخاصة ، فالمواطن الفلسطيني بصفته المدنية والعسكرية أسس لبناء دولته من التضحيات الجسام خلال 65 عاما الماضية ، عزز على تجذير مفهوم السلم الأهلي الذي يعني رفض كافة أشكال التقاتل أو الدعوة أو التحريض أو نشر أي نوع من أنواع ثقافة التصادم.
ومن الضروري مستقبلا على تعزيز وجود علاقة قوية بين الأجهزة الأمنية وكافة المؤسسات المدنية والمواطنين لمنع الانحراف ولوقف التعديات والجرائم والمشاركة كأبناء وطن واحد سوياً في مكافحتها،وهنا لا بد من دور للمؤسسات الأكاديمية والبحثية والحقوقية والحزبية والهيئات المحلية والمراكز والمؤسسات الثقافية والاجتماعية والأسرية والإعلامية أن تلعب أدواراً تكاملية مع المؤسسات الأمنية وهيئة التوجيه السياسي لإحداث الاستقرار ولمساهمتهم في نشر مفهوم الوعي الأمني وسيادة القانون بين المواطنين وللمحافظة على منجزات الدولة الفلسطينية الحالية ومؤسساتها المجتمعية المختلفة وعدم العبث بها أو إفسادها من فئة هنا أو هناك، لأنه واجب وطني يجب إشراك كل مواطن غيور على مصلحة الوطن العليا لتحقيق الخير والطمأنينة والأمن الاجتماعي لكل إفراد المجتمع ومؤسساته المدنية والأمنية.
ففلسطين بيت للجميع لكافة ألوانه ومكوناته السياسية والاجتماعية والفكرية ومواقعه الجغرافية ، وإذا كان الإنسان يعمل على عدم العبث والمساس بمنزله السياسي والفكري والاجتماعي ومكوناته الداخلية بشريا وماديا فمن الأولى ألا يعبث بمقدرات الغير وممتلكاتهم سياسياً واجتماعيا و اقتصاديا وماديا باعتباره حقا له في حال تعرضه لحادث عرضي أو مقصود من أي جهة كانت.
لا شك إن تحقيق وتوفير الأمن مطلب ضروري لكل مواطن ومؤسسة بل لكل مجتمع وحكومة لأن هاجسه الأول هو الإحساس بالأمن والأمان على الدين والعرض والمال والأرض..، ولتحقيق ذلك يجب أن نرسخ ثقافة الأمن الاجتماعي الجماعي لتكون كالجبال الراسخة ما تهزها رياح عاتية ولا أفكار هدامة ، ولا العبث بالممتلكات الخاصة والعامة ،فالأمن الفلسطيني الذي يعيش حياة استثنائية بممارسة عملة يجب مساعدته لتكون جذوره ثابتة ومستقرة في أعماق الأرض، المواطن يسقيه بالماء وبالإخلاص والمحبة ،ورجل الأمن يسهر لحمايتها وتوفير كافة متطلبات الحفاظ على أمن الأفراد والمؤسسات والوطن عامة الذي يعني الكثير جداً وتستحق فعلاً التضحية في سبيلها في هذه المرحلة الدقيقة، فأمن الوطن يعني المستقبل والهوية والوجود ويعني القوة والإباء لأنها تمثل خطوطاً حمراء ننسى أمامها كل خلافاتنا وتنتهي عندها مطالبنا وتقف أمامها كل مشاكلنا.