اطلس- (١) من المؤكد أن خيرت الشاطر صاحب عقلية متميزة وذاكرة حافظة وحاضرة، فهو يستطيع أن يتكلم لعدة ساعات دون توقف..
كما أنه يستطيع أن يطرح أفكاره بشكل مرتب كأنه يقرأ من ورقة، لكنه يكثر من الاستطرادات بشكل مبالغ فيه، بحيث يبدو كما لو كان يريد أن يترك انطباعاً لدى سامعيه بثقافته، وهو ما يعبر عن عدم نضج كافٍ.. وقد لاحظت فيه نشاطه الذهنى المستمر، فما أن تصله معلومة عن أمر ما، ولو غير مؤكدة، إلا ويسارع فى الحال إلى تحليلها وترجمتها، الأمر الذى كان كثيراً ما يوقعه فى أخطاء.. لذا، كنت دائم النصح له -بطريق مباشر وغير مباشر- بالتأنى والتريث وعدم التعجل فى الاستنتاج حتى تتوافر لديه المعلومات الكافية، فالقاعدة هى أن «الحكم على الشىء فرع عن تصوره»، وبقدر ما تكون المعلومات عن أى حدث دقيقة وكاملة وشاملة، بقدر ما يكون التصور صحيحاً، وبالتالى يكون الحكم صائباً أو أقرب إلى الصواب.. ربما كان أهم العيوب الظاهرة فى «خيرت» هى ثقته الزائدة بنفسه، وهو ما جعله يتخذ مواقف أو قرارات دون استشارة أحد من إخوانه، أو يستهين بآراء وأفكار الآخرين، سواء كانوا من الإخوان أو من غيرهم.. وكان هذا السلوك يلقى ردود فعل متباينة لدى الإخوان المحيطين به؛ فقد كان البعض يراه محمدة ولا يرى فيه عيباً، خاصة أولئك الذين يميلون إليه ويتعاطفون معه.. وقد نقل إلىّ أحد الإخوان أن الأستاذ محمد العدوى (رحمه الله)، الذى كان مسئولاً عن مكتب إدارى الدقهلية حتى الثمانينات من القرن الماضى، قال لخيرت الشاطر يوماً: يا ويل الإخوان منك يا خيرت(!) لذا، لم يكن غريباً أن تورثه هذه الثقة الزائدة بنفسه استبداداً ملحوظاً، فإحساسه بالتميز والقدرة على الإقناع، علاوة على وضعه المالى، فضلاً عن الموقع القيادى الرفيع الذى يشغله -كنائب للمرشد أو حتى كعضو مكتب إرشاد- جعله يتعامل بشكل فوقى مع الآخرين، خاصة هؤلاء الذين يلونه فى الوضع التنظيمى، أو أولئك الذين يتصفون بقدرات أو إمكانات متواضعة.. أذكر عندما تم الاتفاق بيننا وبين جهاز مباحث أمن الدولة على تقليل عدد المرشحين من الإخوان فى الانتخابات البرلمانية عام ٢٠٠٥، تطلب الأمر أن نلتقى (أنا وخيرت) مسئولى المكاتب الإدارية ومسئولى اللجان الانتخابية بها.. فى هذه اللقاءات، جرت مناقشات طويلة فى محاولة منا لإقناعهم بسحب عدد من المرشحين من دوائرهم.. وقد استجاب البعض، ورفض البعض الآخر.. ولظروف اضطرارية، سافرت إلى أسيوط لأمر خاص بالجامعة، تاركاً «خيرت» ليستكمل مناقشاته.. وبعد بضعة أيام عدت إلى القاهرة لأجد هؤلاء الرافضين يشكون مر الشكوى من خيرت، لأنه -حسب قولهم- مارس عليهم ضغوطاً شديدة ليستجيبوا..
(٢) وعلى الرغم من أن خيرت الشاطر كان فى السجن، خلال الفترة من ديسمبر ٢٠٠٦ حتى فبراير ٢٠١١، إلا أنه كان يمثل الغائب الحاضر، فقد كان بعض أعضاء مكتب الإرشاد (من أمثال محمود عزت، محمد مرسى، سعد الكتاتنى، وغيرهم) يستشيرونه ويأخذون رأيه فى كل صغيرة وكبيرة.. وكانت مباحث أمن الدولة تسمح له بالتردد على مستشفى قصر العينى يوم الاثنين من كل أسبوع للعلاج.. وكانت فرصة دائمة لبعض الإخوان لزيارته هناك؛ أولاً: لنقل أخبار الجماعة إليه، وثانياً: لاستطلاع رأيه فيما يعن لهم من أمور.. وقد أرسلت إليه أحذره مغبة ذلك، حيث ينتهز ضباط مباحث أمن الدولة تلك اللقاءات للتعرف على ما يجرى داخل الجماعة.. لكن الرجل لم يكن يلقى إلى ذلك بالاً.. المهم أن الأمر وصل إلى حد أن يؤخذ رأيه فى زيارة النائب الأول إلى المحافظات للقاء الإخوان(!).. وقد أرسل محمود عزت إليه ليستطلع رأيه فى أن يكون جمعة أمين مرشداً بعد أن يتقاعد «عاكف»، لكن «خيرت» لم ير فى «أمين» الشخص الذى يصلح، وأوصى بأن يكون «بديع» هو المرشد، (هكذا).. وقد وصلتنى هذه المعلومة من طرق متعددة، وذلك قبل إجراء الانتخابات بأربعة أشهر.. وقد أخبرت «عاكف» بها، فاستنكر أن يختار مجلس شورى الجماعة «بديع» كمرشد، فقلت: إن الأمر ليست فيه غرابة، فالمجلس يعمل وفق التعليمات التى تصدر إليه(!!) وفى أثناء زيارة «عاكف» لى فى بيتى صارحته بأننى لا أريد أن أكون مرشداً، وطالبته ألا يتقاعد -كما وعد- بعد انتهاء مدته الأولى فى يناير ٢٠١٠، وأن يستمر كمرشد لمدة عامين أو حتى عام، ريثما نقوم بإصلاح الجماعة من الداخل من ناحية، وحتى نفوِّت الفرصة على من يريدون إجراء انتخابات «صورية» من ناحية ثانية، فوافقنى على ذلك، وقلت: هل نوثق ذلك كتابة؟ قال: عيب.. هذا كلام رجال.. لكنه بعد أسبوع واحد فقط، نكث عهده وتنصل مما تم الاتفاق عليه.. ولما ذكرته بكلام الرجال!! كان رده: لازمته إيه الكلام ده(!).. وواجهته أمام آخرين بكذبه، وغشه، ومراوغته، وخداعه، فلم يستطع الرد.
(٣) وعقب الانتخابات «المهزلة» التى جرت فى أواخر ٢٠٠٩ لاختيار مكتب إرشاد جديد، وإعلان استقالتى من كل مناصبى فى ٣١ ديسمبر ٢٠٠٩، قطعت صلتى بأعضاء مكتب الإرشاد، فليس أقسى على النفس من أن تكتشف أنك كنت تعمل مع قوم كانوا يغشونك ويخدعونك طول الوقت، وبلغ من حزنى وألمى ونكبتى فيمن كنت أظنهم أهلاً للثقة، أن قررت ألا أوجد فى أى مكان يوجدون فيه.. كما أبلغتهم ألا يتصل بى «عاكف»، سواء هاتفياً أو غير ذلك، وقد حاول الاتصال بى مراراً، لكنى لم أرد عليه.. كان خيرت الشاطر فى تلك الأثناء فى السجن، وقد أرسل إلىّ دعوة لحضور عقد قران إحدى بناته.. وحتى لا أوجد فى المكان الذى يوجد فيه أعضاء المكتب، فقد اكتفيت بإرسال «بوكيه ورد» بهذه المناسبة، بل إنى كتبت مقالاً فى صحيفة «المصرى اليوم» أشد فيه من أزره.. وأثناء ثورة ٢٥ يناير، قمت بعمل حملة على صفحتى الخاصة بالفيس بوك أطالب فيها بضرورة الإفراج عن خيرت الشاطر وحسن مالك.. ويبدو أن إحدى بناته (الزهراء) نقلت إليه ذلك أثناء زيارتها له فى سجنه، فكلفها بالاتصال بى هاتفياً لتقديم شكره لى.. وقد قلت للابنة: إنى لم أقم إلا بالواجب، وأن أباها سجن ظلماً، وأنه يدفع فاتورة شىء لم يفعله.. وفى اليوم الذى علمت فيه بالإفراج عن «الشاطر» فى فبراير ٢٠١١، سارعت بالاتصال الهاتفى بابنته كى أهنئها والأسرة بالإفراج، لكنها لم ترد.. اتصلت مرة ثانية فلم ترد أيضاً.. قمت بالاتصال بزوجها، فلم يرد هو الآخر.. حاولت الاتصال بخيرت نفسه عدة مرات، فلم ألق رداً.. وخلال الفترة التى استمرت من بعد الإفراج عنه وحتى إلقاء القبض عليه فى أغسطس ٢٠١٣، لم يفكر فى الاتصال بى.
نقلاً عن "الوطن"