اطلس- واقع استراتيجي جديد أخذ يفرض نفسه بسبب ما يمكن تسميته بـ «التمركز العسكري الروسي المفتوح في سوريا» برفع كثافة الوجود العسكري الروسي في سوريا على ضوء التطورات العسكرية
المتلاحقة خاصة في جبهة حلب. أول من أصابتهم تداعيات هذا التطور كان الإحتلال الإسرائيلي، الذي وجد نفسه، وربما للمرة الأولى، معرضاً لدفع بعض فواتير الأزمة السورية.
فلفترة طويلة من عمر تلك الأزمة اعتقد الإسرائيليون أنهم يمكن أن يكونوا بمنأى عن كل التداعيات السلبية للصراع الدائر في سوريا، بل إنهم زادوا على ذلك بالثقة الزائدة أنهم، دون غيرهم، من سيحصدون كل ثمار سوريا، لكن مع كثافة التدخل الإيراني المسنود من حزب الله، ثم بدخول روسيا، بدأت معالم الصورة تتغير بالنسبة للإسرائيليين وبالذات بعد ردود الفعل الروسية المتشددة إزاء تورط تركيا في إسقاط إحدى طائرات السوخوي الروسية على الحدود التركية - السورية، وأدركت إسرائيل أنها لم تعد، كما كانت في السابق، تستطيع أن تصول وتجول بأمان في الأجواء السورية دون قدرة على التحدي، أن تضرب ما تراه عمليات نقل أسلحة متطورة من سوريا إلى «حزب الله»، وأن تقصف ما تراه مصدر خطر سوري على الأمن الإسرائيلي، فالوجود العسكري الروسي في الأجواء السورية بات عائقاً أمام الطيران الإسرائيلي وفرض الاحتكاك غير المتعمد بين الطائرات الإسرائيلية والروسية أضحى محتملاً، إن لم يكن مؤكداً، لذلك عمل بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية على تنسيق العلاقات والمواقف مع روسيا في سوريا عبر أربع زيارات قام بها لموسكو.
حتى ذلك الوقت كان بمقدور إسرائيل أن تفاخر بنجاحها في التوصل إلى اتفاق مع روسيا حول آلية لتنسيق الطلعات الجوية بغرض منع التصادم بين سلاحي الجو في الدولتين فوق سوريا. لكن الأمور بدأت تتغير وبقوة مع صدور قرار روسي بتكثيف الوجود العسكري الروسي في سوريا، حيث عززت روسيا منظومة الدفاع الجوي السورية الأمر الذي يمكن أن يقود إلى إمكانية استخدام السوريين هذه المنظومة للتصدي للطائرات الإسرائيلية.
فقد صادق البرلمان الروسي على الاتفاق مع سوريا الذي يقضي بأن موسكو ستقوم بالاستمرار في تشغيل موقع سلاح الجو الخاص بها في اللاذقية شمال غرب سوريا، وهددت بأن روسيا ستعتبر كل هجوم أمريكي على نظام الأسد عملاً من شأنه أن يهدد الجنود الروس في سوريا. كما أعلنت روسيا عن نشر سلاح يشمل منظومة صواريخ أس 400 وأنواع مختلفة من منظومة صواريخ أس 300، إضافة إلى الأجهزة الدفاعية الموجودة على السفن، التي يبلغ مداها حوالي 400 كم، وهو ما اعتبره الإسرائيليون تطوراً قد يغير قواعد اللعبة» و«يقيد» حرية سلاح الجو الإسرائيلي في الأجواء السورية، وهناك خشية تتزايد داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من أن يؤدي ذلك إلى زيادة الثقة لدى الرئيس السوري بشار الأسد، وإلى زيادة الأعمال العدائية ضد إسرائيل، خصوصاً.
الخلاصة التي خرج بها الإسرائيليون من إجراء الروس بتكثيف وجودهم العسكري في سوريا أنه بات في مقدوره «تقويض الردع الإسرائيلي في مقابل قوة الجيش السوري وحزب الله، ويفرز قوة إيران كحربة غير مباشرة».
لم يعد الأمر يتوقف على ذلك فقط فهناك إشارات متعددة لتراخي التنسيق بين إسرائيل وروسيا في سوريا، وأولى هذه الإشارات كان تغلغل طائرة روسية من دون طيار في أجواء الجولان السوري المحتل، وبعد ذلك جاء تصدي الصواريخ السورية للطائرات الإسرائيلية، وهو الأمر الذي فهمت منه إسرائيل أن الوضع في المجال الجوي السوري تغير، وأن الجيش السوري يستجمع ثقته بالنفس جراء الدعم الروسي. لكن ما هو أهم هو أن أجواء «حافة الهاوية» التي سيطرت خلال الأسابيع الماضية على أجواء الأزمة السورية بين واشنطن وموسكو بعد سقوط الهدنة المؤقتة بخصوص حلب وإعلان واشنطن تعليق التعاون مع روسيا بخصوص سوريا، قد تغير من علاقة التعاون والتنسيق الروسي مع إسرائيل مع احتمال تفاقم العلاقة مع الأمريكيين باعتبار إسرائيل أهم حلفاء واشنطن.
تغير مناخ التفاهم الحميم بين موسكو وتل أبيب الذي بات معرضاً للتوتر سيكون له مفعول عكسي بالنسبة للعلاقات الروسية مع إيران باعتبار أن إيران هي أهم شريك لروسيا في سوريا. إذا حدث ذلك، وهو أمر مرجح فإن الاستخلاص الاستراتيجي الإسرائيلي أخذ يقرأ التطورات الجديدة في أجواء الأزمة السورية أنها باتت تعمل ضد إسرائيل ولصالح أعدائها وبالتحديد: نظام بشار الأسد وإيران و«حزب الله».
نتائج سلبية حاول الإسرائيليون استدراكها من خلال اتصالات قام بها رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (18/10/2016) بهدف توثيق التعاون بين الجانبين وزيادة مستوى التنسيق بين «تل أبيب» وموسكو. وقد كشفت صحيفة «ازفستيا» الروسية تفاصيل هذه المحادثة عندما أشاعت أن الجيش الإسرائيلي طلب من وزارة الدفاع الروسية عقد بروتوكولات ثنائية جديدة، وتحديد قواعد للتعامل في سماء سوريا، بعد نشر منظومة صواريخ «أس 300»، لكن الصحيفة لم تشأ توضيح مدى الاستجابة الروسية لهذا الطلب، وهو ما يعني أنه مازال رهن ما قد يحدث من تطورات محتملة في الأزمة السورية التي يبدو أن لهيبها أخذ يصل إلى عمق الإدراك الاستراتيجي الإسرائيلي.