اطلس- بعد أسبوع بالتمام والكمال، في التاسع والعشرين من هذا الشهر، يُفترض أن يُعقد مؤتمر حركة «فتح» السابع، ومع ذلك لا يزال الحوار جاريًا حول عقده أو تأجيله
الشيء الوحيد الذي يمكن أن يحول دون عقد المؤتمر في موعده يتمثل بوقوع أحداث أمنية كبيرة، مثل تنفيذ اغتيالات، أو عمليات ضد مقار السلطة، أو ضد قوات الاحتلال (وهذه مستبعَدة)، أو منع حضور أعضاء المؤتمر من غزة والخارج.
السبب في استمرار هذا الحوار أن المؤتمر لن يؤدي، على الأغلب، وفق المعطيات والتحضيرات، إلى إعادة «فتح» بوصفها حركة تحرّر وطني، بل يمكن أن يؤدي إلى تحويلها بصورة أكبر إلى حزب السلطة في الضفة الفلسطينية (والأصح في بقاياها).
لن يعود محمد دحلان ومجموعته ممن يُطلق عليهم «المتجنّحون» برغم أن عودتهم مطلب ألحّت عليه اللجنة الرباعية العربية، وأدّى عدم الاستجابة له إلى غضب في العواصم العربية المعنية، وإلى عقد سلسلة من الندوات في منطقة عين السخنة في مصر، وسط إشارة لتعامل القاهرة مع الفلسطينيين مباشرة من دون قيادتهم ومؤسساتهم.
كما أدى عدم الاستجابة لمطلب الرباعية إلى إبلاغ الأردن لمن يعنيه الأمر أن مشاركة فلسطينيين ممن يحملون الجنسية الأردنية كأعضاء في مؤتمر «فتح» تُعَرِّضُهم لخطر سحب الرقم الوطني، بسبب اعتبار عمّان أن مشاركة كهذه تمثل ازدواجية في الجنسية والولاء. وذلك خلافًا لما كان يجري في السابق، حيث كانت السلطات الأردنية تغضّ النظر عن هذا الأمر، بينما تمنعه الآن في ظل الخلافات حول ما جاء في خطة الرباعية العربية. مع ذلك، فقد تعهّد الأردن بالسماح لأعضاء المؤتمر الآخرين بالمرور عبر أراضي المملكة إلى الضفة الفلسطينية، مثلما تعهدت «حماس» بالسماح لأعضاء المؤتمر من قطاع غزة بالمرور عبر معبر بيت حانون (وقد بدأوا بالتوافد إلى رام الله)، إضافة إلى تعهّد إسرائيل بذلك.
كتبت سابقًا، وأكرر في هذه المقالة، أن دحلان ومجموعته إن كانوا مرفوضين من «فتح»، لأنها وقفت مع الرئيس ضد عودتهم، فلن ينفعهم ضغط عربي، بل عليهم البحث عن طريق آخر. فالتدخل العربي سرّع في إبعادهم عن «فتح»، وعليهم الآن أن يشكلوا حركة جديدة ويطرحوا ما في جعبتهم إذا كان لديهم جديد، بدلًا من تكرار الحديث عن وحدة «فتح» من دون التطرق إلى أسس القيام بذلك ولا إلى برنامج ما بعد «الوحدة»: هل الغاية أن يسيروا على النهج الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه أم ماذا؟
بكل أسف، فإن ما يطغى على مؤتمر «فتح» يتّصل بعضوية الحاضرين، لجهة من ثُبّت ومن استُبْعِد، ولناحية منع «المتجنّحين» من حضوره، حتى من كان منهم عضواً في المجلس التشريعي أو المجلس الثوري للحركة. وهناك جدل غير معقول حتى حول منع أعضاء منتخبين من مؤتمرات الأقاليم من حضور المؤتمر، في مخالفة صارخة لأسس وتقاليد العمل الديموقراطي. فحتى «المتجنّحين» لهم حقوق وعليهم واجبات، وأي استبعاد لهم يجب أن يكون وفق الأصول واللوائح!
ما ميّز «فتح» أنها كانت حركة واسعة، لدرجة أنه سبق أن قيل في الماضي إن كل فلسطيني لا ينتمي إلى فصيل آخر هو جزء من حركة «فتح»، وإن لم ينتم مباشرة إليها. وهذا ما جعل «فتح» حركة الشعب الفلسطيني التي جسّدت الوطنية الفلسطينية، والتي اتسعت للتيارات الوطنية والقومية والدينية واليسارية. وعندما أصبحت حزب السلطة وذابت فيها وطغى على أعضائها الموظفون، لدرجة بات معها جميع أعضاء المجلس الثوري باستثناء ثلاثة أو أربعة أعضاء من الموظفين الذين يتقاضون راتبًا. وهذا الأمر حوّل «فتح» إلى حزب «موظفي السلطة» وليس حركة الشعب الفلسطيني. وقد بدأ هذا منذ توقيع اتفاق أوسلو وإقامة السلطة على أنقاض المنظمة، مع أنها كان من المفترض أن تكون أداة من أدواتها.
كنا نأمل ولا يزال لدينا بصيصٌ من الأمل أن يكون المؤتمر فرصة (قد لا تتكرّر) لاستنهاض «فتح» وإعادة الروح إليها بوصفها حركة تحرر وطني أساسًا، وبصورة تمكّنها من الأخذ في الحسبان وجود سلطة لها متطلباتها الخاصة، لكن على أساس الحاجة الملحّة إلى إعادة النظر في شكل هذه السلطة وطبيعتها ومهماتها ووظائفها والتزاماتها، السياسية منها والأمنية والاقتصادية، المترتبة على اتفاق أوسلو. وبرغم أن هذه ليست مهمة «فتحاوية» فقط، بل مسؤولية الفلسطينيين جميعًا، إلا أن المؤتمر يأتي ليفاقم من عملية تحويل «فتح» إلى حزب للسلطة، في وقت غدت فيه السلطة وكيلًا عند الاحتلال وليس عند الشعب الفلسطيني، لا سيما بعدما فشل برنامجها الذي ينص على أن تكون سلطة مؤقتة قادرة على إنهاء الاحتلال وإقامة دولة مستقلة. إذ أصبحت السلطة ترتيبًا دائمًا يجسّد حكمًا ذاتيًا خاضعًا للسيادة الإسرائيلية، من دون أفق سياسي ولا خطة عملية لتغيير هذا الواقع.
هكذا، يُغفل المؤتمر مراجعة التجربة الفلسطينية- تجربة «فتح» تحديدًا - خصوصًا منذ اتفاق أوسلو حتى الآن، لجهة استخلاص الدروس والعبر، ومن أجل وضع البرنامج السياسي القادر على تغيير الواقع الذي يترسّخ فيه الاحتلال ويزداد فيه حجم الاستيطان ومدى الحصار وتُقطّع فيه أوصال الضفة ويتعمّق معه الانقسام الوطني وتُهّمش نتيجته القضية الفلسطينية ويتواصل فيه تآكل الشرعيات والمؤسسات التابعة للسلطة. وعلى العكس مما تقتضيه المصلحة الوطنية، نلاحظ أن البرنامج السياسي لم يُناقش حتى الآن، بل وضعته اللجنة السياسية ولم يكن يشكّل أحد أساسيات التحضير للمؤتمر، ما يعني أنه أمر هامشي وأقرب إلى «الإكسسوار»، وهو ما يرجّح أن يُعيد المؤتمر إنتاج ما هو قائم، مع ما يعنيه ذلك من استمرار بل تفاقم الكارثة التي نعيشها.
برغم مسؤولية الرئيس محمود عباس أولًا والقيادة الفلسطينية ثانيًا عما جرى ويجري، إلا أن هذا لا يعفي الآخرين من مسؤوليتهم عما وصلت إليه الأمور وعما يمكن أن تصل إليه مستقبلاً، لأنهم صمتوا و/أو باركوا ما آلت إليه الأمور. أما اليوم، فالكثير منهم بدأ بالصراخ لأنه لم يجد اسمه في قوائم المؤتمر. بات النقاش متمحوراً حول حضور المشاركين، على حساب أولوية حضور القضية الفلسطينية ومستلزماتها الراهنة والمقبلة.
فلسطين بحاجة إلى تشكيل جبهة للإنقاذ الوطني تضمّ المخلصين والعقلاء والوطنيين كافة في «فتح» ومختلف الفصائل الأخرى، وفي صفوف الفلسطينيين في الداخل والشتات، لأن القضية الوطنية تواجه خطرًا لم يعُد يملك الفلسطينيون في مقابله الكثير من ترف تضييع الوقت والفرض.