اطلس-مندوبة أميركا في الأمم المتحدة، نيكي هيلي، صهيونية أكثر من الصهاينة. كنا نعتقد بأن أصولها الهندية ستؤثر
على مواقفها لتكون عادلة غير منحازة الى أي من طرفي الصراع العربي الإسرائيلي، لأن الهند معروفة بتعقلها السياسي، وهي من الدول التي أسست كتلة عدم الإنحياز، إلا أن هيلي ذات الأصول الهندية اثبتت بمواقفها أنها متعصبة أكثر من اليمين الإسرائيلي سياسياً ودينياً، وزيادة على ذلك جاهلة تماماً ثقافياً بتاريخ أرضنا فلسطين.
ومع الأسف فإن السيدة هيلي، ممثلة أكبر وأقوى دولة في العالم، هربت مسرعة من أهم منظمات الأمم المتحدة لأجل اسرائيل. أي أن أميركا هربت من الحق الفلسطيني سياسياً وأخلاقياً ودينياً وحضارياً وقانونياً. نعم نقول هربت من "دولة مراقب" في الأمم المتحدة، بدل أن تجلس وتقدم ما لديها من ذرائع دفاعا عن موقفها، أو بشكل أدق موقف اليمين الإسرائيلي.
نحن نفهم جيداً مواقف الرئيس دونالد ترامب المنحازة لاسرائيل، ولكن بعد مضي الأيام والشهور من وعوده السحرية لحل القضية الفلسطينية، نرى بأن ادارته أكثر تأييداً لسياسات اسرائيل العنصرية. وأسباب هذا الانحياز أصبحت معروفة للجميع، وحتى لمن كان لديه أو ما زال لديه أمل بأن يصحو ترامب من غفوته التي انتابته قبل وبعد الانتخابات الأميركية. ليس لأن ابنته يهودية وليس لأن زوج ابنته يهودي متعصب صهيونياً، وليس لأن محاميه الذي يشرف على ملف القضية العربية الإسرائيلية، السيد جيمس غرينبلات، صهيوني فقط ولكن ايضاً لتعيينه الصهيوني الأميركي الأول، ديفيد فريدمان سفيراً لواشنطن لدى دولة التمييز العنصري إسرائيل، خصوصاً أن هذا الأخير كذب على لجنة الكونغرس والسنت كي تقبلا تعيينه في هذا المنصب الكبير، لأن هذا التعيين كان بمثابة آخر مسمار في نعش "صفقة العصر" الترامبية، وكذلك لأن الإدارة الأميركية باتت تردد شروط إسرائيل بشأن الإنقسام!
واذا هربت أو انسحبت اميركا من منظمة "اليونسكو" فكيف لأميركا أن تهرب من قرار عصبة الأمم المتحدة والتي درست الوثائق المقدمة من الفلسطينيين ومن اليهود في العام ١٩٣٠م وكان قرارها واضحاً بأن حائط البراق وقف إسلامي خالص مع العلم بأن المندوب السامي البريطاني كان هربرت صموئيل، اليهودي الصهيوني حتى العظم، فهل أميركا أو غير أميركا تستطيع شطب هذا القرار؟! وكيف لها أن تهرب من سلسلة قرارات الشرعية الدولية الخاصة بقضية فلسطين منذ ما قبل النكبة وحتى اليوم؟!
طبعاً نحن لا يهمنا من يأتي ومن يذهب من عمالقة المؤيدين لدولة المحتل في أميركا، لأن جميعهم بنفس مستوى الجهل الأعمى بالشعب الفلسطيني وقضيته وبقرارات الشرعية الدولية بشأنها. فالشعب الفلسطيني صامد، مرابط في وطنه طال الزمن أو قصر، لأن الحق والتاريخ والجغرافيا والمعالم الأثرية شاهدة على تاريخنا الحضاري والثقافي في هذه البلاد فالقوة العسكرية لا يمكن ان تمحو التراث الحضاري للشعوب.
منذ آلاف السنين ونحن ذوو الأصول الكنعانية العربية، من مسلمين ومسيحيين متجذّرين في هذه البلاد والتاريخ يؤكد بأن كثير من برابرة العصور القديمة مروا من هنا، من بلادنا فلسطين، من الشرق والغرب وبالنهاية رحلوا ونحن بقينا صامدين في أرضنا فلسطين.
لا يهمنا أي رئيس أميركي يأتي ان كان ترومان أو كندي وصولاً الى ترامب لأن عقيدتنا هي حبنا لوطننا فلسطين وأيماننا بعدالة قضيتنا وحقوقنا ولن تنكسر ارادتنا مهما طال الاحتلال البغيض.
كان الهم الفلسطيني هو الانقسام وليس هروب أمريكا من «اليونيسكو» والتي تعتبر أهم مرجع ثقافي وتاريخي في العالم.
ولكن هروب أميركا من اليونسكو لا يبدل ولا يؤخر أي واقع تاريخي أو ثقافي في القدس أو يافا او حيفا او غزة هاشم أو عكا التي وقفت صامدة أمام نابليون أو الرملة أو أسدود التي كانت جميعها مدناً عامرة قبل العبرانيين.
على السيدة الجاهلة هيلي أن تعود وتدرس تاريخ هذه المدن جميعها والتي بنيت قبل ثلاثة أو أربعة آلاف عام على يد الكنعانيين من أصول الجراشين العرب. هذا هو تاريخ وثقافة وحضارة الفلسطينيين وليس لذلك أي صلة بالسياسة أو أي قوة عسكرية فكيف تريد أميركا وحليفتها إلغاء هذا التاريخ والثقافة الكنعانية منذ أربعة آلاف عام؟!.
وأكبر دليل على ذلك بأن ما قام به المحتل من حفريات في القدس وغير القدس على مدى عقود لم يسفر عن وجود أي معلم يهودي واحد، كما أن توراتهم لو قرأتها السيدة هيلي لوجدت بأن كلمة فلسطين مدونة ٢٤٦ مرة. كما أن أسفار التوراة تبرهن بأن هذه الأرض الفلسطينية كنعانية بامتياز.
نحن الفلسطينيون نغضب وحتى نتحسر إزاء ما أصبحت عليه اميركا بعد الرؤساء العظماء لأمريكا أمثال جورج واشنطن أو جيمس جفرسون أو جيمس مادسون وإبراهيم فرانكلين أو فرانكلين روزفلت، وخصوصاً بعد أن اجتمع مع العاهل السعودي، الملك عبدالعزيز، رحمه الله، في بحيرة التمساح، والذي وعد الملك بأنه خلال نصف أو أقل من نصف ساعة قد اقتنع بقضيتنا العادلة ومن ثم توفي الرئيس الأميركي فجأة وانهار كل شيء لمصلحة الصهيونية العالمية.
إن هروب أمريكا من اليونسكو يعتبر أكبر وصمة عار في جبين سياسة أمريكا العمياء وانحيازها للاحتلال الإسرائيلي. فالشعب الفلسطيني المسالم عاش ويعيش على أرضه وأرض أجداده الكنعانيين منذ آلاف السنين.
أميركا ضربت عرض الحائط التاريخ والثقافة، وحتى أعمدة ومبادىء الدستور الأميركي. إن الانسان يقف مذهولا عندما يرى أن أميركا تضرب بعرض الحائط قرارات أهم معلم تاريخي وثقافي في العالم لأجل اسرائيل التي احتلت وطردت ونكلت بشعب أصيل عريق يعيش على أرضه، ولم يعتدِ أو يحتل أي بلد في العالم، بل العكس استقبل المهاجرين اليهود الذين هربوا من بطش الغرب.
كما ان التوراة لم يذكر فيها بأي سفر بأنه يحق لليهود طردنا من بلادنا، ولكن عنصرية أميركا والتي تقول بأنها حامي حمى الديمقراطية وحقوق الإنسان أبت الاّ ان تسيّس أهم معلم ثقافي وتاريخي في عصرنا الحديث.
الشكر كل الشكر للبلاد التي صوتت لصالح فلسطين بأن يكون هذا المعلم الثقافي والتاريخي في بلد الحضارة والقيم الإنسانية فرنسا، حامية التاريخ والحضارة في العالم. كما أن الشعب الفلسطيني يهنىء فرنسا لإنتخاب السيدة الفرنسية الدورية أزولاي، لتكون رئيسة أهم معلم ثقافي وحضاري في العالم، بغض النظر عن ديانتها طالما انها تحترم التاريخ والثقافة المحفوظة في أدراج اليونسكو.
هيلي ذاهبة لا محالة بمواقفها وجهلها، وما ظهر منها من قلة إحترام للقرارات الأممية والتي قالت فيها بأنها ستقذف بجزمتها كل من لا يؤيد اسرائيل، فهذا مردود عليها لأن اليونيسكو والتاريخ الفلسطيني في اليونيسكو وغير اليونيسكو باق الى الأبد.
ولعلم هيلي وغيرها فإن همنا الأول انهاء الإنقسام البغيض وبإنتهاء هذه الغيمة السوداء نقول بأننا نتجه هو مستقبل باهر واستقلال أكيد وستبقى فلسطين عربية والى الأبد، مهما هربت أميركا من المؤسسات والمنظمات الحضارية أو المحاكم الدولية، لأجل دولة الإحتلال.