اطلس-تصادف غدا ذكرى مرور مئة عام على صدور الوعد البريطاني المشئوم وتحديدا في الثاني من شهر تشرين الثاني من عام 1917
والذي أصدره ووقعه المدعو اللورد آرثر جيمس بلفور، وزير الخارجية البريطاني آنذاك. وقد وجه هذا الوعد أو الإعلان إلى اللورد ليونير وولتر دي روتشيلد الثري اليهودي، حيث يشير الكلام إلى تأييد الحكومة البريطانية «إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. علما أن بريطانيا آنذاك لم تكن قد احتلت فلسطين» ولم تطأ قواتها الغازية الثرى الفلسطيني بعد، وكانت فلسطين جزءا من الدولة العثمانية وقتذاك.
والسيادة فيها للشعب الفلسطيني ولم تكن اتفاقية لوزان لعام 1923 قد وقعت بين تركيا والحلفاء. وكان اليهود يشكلون نسبة خمسة بالمئة من سكان فلسطين وقتها.
وقد قيل الكثير في تفنيد الوعد الذي وصف بوعد «من لا يملك لمن لا يستحق» من ناحية قانونية واجتماعية وأخلاقية وتاريخية ودينية. ولا جدل أن هذا الوعد الذي غدا ركيزة من ركائز الدولة الصهيونية بل حجر الزاوية في قيامها القانوني لا يقوى على الوقوف امام الحجج الفلسطينية التي تزخر بها المكتبة العربية ، لكنها الغطرسة والقوة العسكرية والعمالة التي طغت على أية اعتبارات للعدالة والحقوق والحيازة الهادئة.
ومهما قيل في تبرير الوعد، فالأمر قد انقضى وانتهى، ومهما غصنا في قلب التاريخ وقلبنا صفحات المساهمين فيه كبلفور وتشامبرلين وتشيرشل وغيرهم من الساسة البريطانيين، فهذا أمر دون جدوى قانونية على الأقل ولا يقدم ولا يؤخر إلا في الأمور الأكاديمية والدراسات العلمية. المهم الآن تغيير الوضع القائم باية وسيلة كانت أو خلق وقائع جديدة تنفي الوعد جملة وتفصيلا، بل جعل الوعد خاليا من أي مضمون أو قيمة أيا كانت بجميع السبل المتوافرة.
هذا الأمر، لا يمكن عمله بالندوات والثرثرات والتصريحات والحفلات والإعتصامات والإدانات، لكنه يتم فقط بالعمل والعمل فقط. ذلك ان المستعمرين والإسرائيليين يعلمون أن الشعب العربي والقيادة العربية ليسوا من أصحاب العمل، بل من أصحاب الشعارات وتردادها. وكان شعراء العربية ومنظروها يكررون هذه الصيحات ويعقدون الندوات ويُسرُّ بل يرقص السامعون على صدى حماستها. وبعدها يذهبون إلى سباتهم وينتظرون عاما حتى تقام فيه الأهازيج والندوات وكفى الله المؤمنين شر القتال.
ولا اخفيكم سرا أن كثيرا ممن يلعنون وعد بلفور من الفلسطينيين ليلا ونهارا، ضيوف دائمون في حفلات الإستقبال البريطانية بل يحتجون ويغضبون إن لم تتم دعوتهم إلى حفلات الإستقبال تلك، وعلاقاتهم وثيقة بالأجهزة البريطانية.
فلسطينيون كثر يحتجون ويثورون على وعد بلفور أمام أجهزة الإعلام فقط، لكنهم في الغرف المغلقة مع الدبلوماسيين البريطانيين صم بكم لا يعمهون، ولاحظوا إنني لا أتحدث عن عرب يتواصلون مع القنصلية البريطانية بل فلسطينيون يشرحون لهم الأوضاع كأفضل وسيط مع احتساء قهوتهم وألتهام كعكاتهم. هل فكر هؤلاء في مقاطعة القنصلية البريطانية يوما أو سنة أو في حفل ما نتيجة وعد بلفور؟ هل فكر الفلسطينيون في مقاطعة البضائع البريطانية شهراً أو عاما احتجاجا على وعد بلفور؟ هل فكر هؤلاء بمقاطعة الجامعات البريطانية لفصل دراسي واحد بسبب موقف الحكومة البريطانية من وعد بلفور؟ أليس هذا الأمر هو ما شجع رئيسة وزراء بريطانيا على التمادي في غيّها حينما قالت أنها متفاخرة أن بريطانيا ساندت وعد بلفور وستحتفل بمئويته!!
مواقف العرب ليست أفضل حالا من الفلسطينيين فهم يفرشون السجاد الأحمر للبريطانيين وكأن شمسهم لم تغب، ودورهم لم يتقلص، وجنيههم لم ينخفض، وما زالت العرب المستعربة تعيش الزمن البريطاني قبل الحرب العالمية الثانية ولم تفق من سباتها.
كيف لبريطانيا أن تعيد النظر في وعد بلفور أو غيره من صور الغدر للعرب أو الفلسطينيين إذا كانت سفاراتها مفتوحة في جميع العواصم العربية؟ وكيف لبريطانيا أن تتعلم درسا لن تنساه، ولندنهم ما زالت «مربطا لخيولنا» العربية الأصيلة؟ وسواحنا يملأن مسارحها وشوارعها واوكسفوردها، ومتاجرهم تعج بالزبائن العرب واثرياء العرب؟.
خبرت بريطانيا العرب والفلسطينيين فوجدت أنهم يجيدون الكلام أكثر من الفعل والعمل. فقررت أن تدعهم في غيهم يعمهون. بريطانيا أيها السادة الأكارم هي التي وضعت اتفاقية سايكس بيكو. بريطانيا يا سادة هي التي وضعت وعد بلفور، وهي التي ضمّنته صك الإنتداب على فلسطين. بريطانيا هي التي سعت إلى تقسيم فلسطين بقرار 181 عام 1947، بريطانيا هي التي سعت إلى تدويل القدس.
بريطانيا ارتكبت مجازر بحق فلسطينيين مسالمين مدنيين أيام انتدابها على فلسطين. وبريطانيا هي ساهمت في الغزو الثلاثي لمصر العربية. بريطانيا هي التي وضعت المخلوق المشوه الذي أسمته قرار 242 لمجلس الأمن الدولي لعام 1967. وهي الدولة التي ما زالت ترفض الإعتراف بدولة فلسطين.
ماذا تنتظرون من دولة كهذه إرثها استعماري، مبدأها فرق تسد، هودت فلسطين وهجرّت يهود العالم إليها. أي سذّج نحن الفلسطينيون، بعد كل هذا ننتظر من بريطانيا أن تصحح خطيئتها عام 1917 عبر وعد بلفور أو ننتظر اعترافا بالذنب أو قرارا جديدا، نجتر ذات الإقتراحات وذات التاريخ الذي ثبت فشله! هذا هو البؤس بعينه، بل نحن نمثل في ذلك الطلب قمة البؤس.
بريطانيا وقفت وراء مصائب العالم الحديث وما زالت ويجب أن يعمل الفلسطينيون أنفسهم ويهبوا لمساعدة ذاتهم، قبل أن يسألوا غيرهم العون والعمل.
نحن لا نحتاج بريطانيا أن تتراجع عن وعدها المشئوم. نحن نحتاج كدولة فلسطين عبر الجامعة العربية إلى الذهاب لمحكمة العدل الدولية القابعة في لاهاي، ونطلب منها رأيا إفتائيا حول مدى قانونية وعد بلفور ولتذهب بريطانيا ووعدها إلى الجحيم.
لنذهب ما دمنا دولة نسمى فلسطينا، ونطالب بريطانيا بتعويضات عن وعد بلفور أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي. لتقم بريطانيا إن كان لديها ذرة صدق واحدة وتعترف بحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره كما اعترفت لليهود في وعد بلفور مع أن اليهود ليسوا بشعب بل أصحاب دين.
لتذهب فلسطين والفلسطينيون لمقاضاة بريطانيا في عقر دارها عن جرائمها بحق الفسطينيين، وعن تمييزها المجحف ضد الفلسطينيين فبينما أنجزت حق تقرير المصير لليهود تراخت عن ذلك للفلسطينيين فضلا عن عدم التزام بريطانيا بمتطلبات الإنتداب الدولية.
وعد بلفور انقضى، يجب التوقف عن النحيب والبكاء على الأطلال والبحث في تاريخ الوعد ذاته وتبريراته، فهذا لن يعيد فلسطين. فلسطين لن تعود إلا بالعمل والجد والمثابرة من قبل الفلسطينيين ذاتهم قبل غيرهم، اما الكلمات والندوات فهي مفيدة جزئيا حتى لا ننسى الحق ولكنها لن تعيده.
لنساعد أنفسنا قبل أن نطلب مساعدة من الغير. أما بريطانيا ووعدها، لو كان هناك قانون دولي وإنصاف فيجب أن تخضع للمساءلة الدولية وبطلان هذا الوعد المزعوم ، وإنما يساعد الله أولئك الذين يساعدون أنفسهم!.