اطلس- صعدت سلطات الاحتلال من إجراءاتها في أعقاب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل
لتطال البشر والحجر في المدينة المقدسة، ولم تسلم حرية التعبير والفعاليات ذات الصبغة الثقافية والمجتمعية والإعلامية من سياسة المنع بالقوة والقمع، كما حصل مؤخرا بمنع عقد فعالية إعلامية حول هموم القدس ومعاناتها في مختلف القطاعات، كان من المقرر عقدها في فندق الدار بالقدس بإشراف مؤسسة الدار الثقافية ورئيسها م. سامر نسيبة.
ولتبرير فعلتها، زعمت سلطات الاحتلال أن هذه الفعالية الإعلامية تقف خلفها جهات ومنظمات "إرهابية" على حد زعمها، في محاولة لصرف النظر عن سياساتها القمعية المتنافية مع أبسط قواعد الديمقراطية التي تدعيها سلطات الاحتلال.
وللوقوف على بعض جوانب هذا التصعيد واستهداف حرية التعبير، التقت "القدس" عدداً من رموز الحركة الثقافية والفنية والمجتمعية والشخصيات الاعتبارية المقدسية الذين أجمعوا على أن سلطات الاحتلال زادت من حدة بطشها وقمعها للفعاليات المتنوعة في مدينة القدس في أعقاب القرار المشؤوم للرئيس الأميركي.
الشيخ د. عكرمة صبري رئيس الهيئة الاسلامية العليا، قال إن هذه الهجمة على الوعي تستدعي المزيد من اليقظة ورص الصفوف للتصدي لها وإفشالها؛ لأنها وصلت على بعد امتار من جدار الثقافة والوعي الفلسطيني بهدف دكه وتحطيمه وعلينا ان لا نسمح لهم بذلك، ورغم جبروتهم وبطشهم الأمني الا ان محاولاتهم هذه لا بد ان تندحر أمام إرادتنا وعزيمتنا الوطنية الصلبة.
تكميم أفواه..
من جانبه، اعتبر عدنان غيث عضو المجلس الثوري لحركة فتح أن قرار ترامب أطلق "الوحش القمعي الاحتلالي لافتراس أي نشاط أو فعالية مقدسية تحت ذرائع وحجج واهية بهدف تكميم الأفواه ومنع حرية التعبير. فكما يستهدف الارض الفلسطينية بالمصادرة واقامة المستعمرات الاستيطانية فانه يزيد من قمعه للوعي والانتماء والهوية الفلسطينية بهدف افراغ المقدسيين من "جينات" انتماءاتهم الفلسطينية أو التشجيع على تهجيرهم خارج حدود القدس".
الصراع على الهوية..
وأشار م. سامر نسيبة عضو الهيئة الإسلامية العليا والذي يرأس عدة مؤسسات ثقافية ورياضية أن منع فعالية إعلامية وصحفية صرفة تعقد تحت ضوء الشمس إجراء لا يستوعبه العقل السليم ودليل افلاس سياسي وتخبط من أذرع دولة الاحتلال الذين لم يعودوا يتحملون أبسط أنواع حرية التعبير الإنساني التي تكفلها القوانين والأعراف الدولية.
وأوضح أن هذا دليل على ضعف الاحتلال وأنه هش رغم تظاهره بالغطرسة والعنجهية والقوة القمعية.
وأشار نسيبة الذي تم استدعاؤه للتحقيق مرتين خلال يومين متتاليين في معتقل المسكوبية بسبب هذا النشاط الإعلامي: "أبلغوني بعدم تنظيم أي نشاط مهما كان نوعه على زعم أنه سياسي وأن مكان هذا النشاط يجب أن يكون رام الله أو في مناطق السلطة الفلسطينية".
وأضاف: "لم يلتفتوا إلى أن هذه الفعاليات قانونية وانني في نهاية المطاف رجل أعمال من حقي تنظيم لقاءات وحوارات حول مشاكل وهموم المقدسيين في قطاعات مثل التعليم والسياحة والثقافة والقضايا المجتمعية المختلفة".
ورأى نسيبة أن هدفهم من وراء هذه المحاولات العبثية هو "ترهيبنا وتخويفنا للامتناع عن ممارسة حقوقنا الشرعية والانسانية عندما زعموا أن "ملفي" بات ثقيلا أو "سمينا" عندهم".
وأكد "لن نتنازل عن حقوقنا في الدفاع عن هويتنا وثقافتنا مهما بلغت إجراءاتهم من غباء وصفاقة".
غطرسة..
وقال هاني العيساوي الناشط المجتمعي والأسير المحرر - جرى اعتقاله والتحقيق معه: سياسة القمع الاحتلالية مسؤولة عن توتير الأوضاع في القدس وجر المنطقة إلى دوامة من العنف وسفك الدماء.
وأوضح العيساوي أن "الاحتلال المتجبر والمتغطرس والمنتشي بعنجهيته وقوته إثر قرارترامب سوف يدفع ثمنا باهظا إذا تمادى في إهانة الفلسطينيين وسلب حقوقهم المشروعة ولن ينعم بالأمن والأمان من وراء هذه السياسة الحمقاء ولن يجني من الشوك العنب ولا تخدعه حالة التقهقر والتشرذم العربية والفلسطينية التي سرعان ما تستفيق وتنهض كالمارد الجبار".
وأشار سمير جبريل - الخبير في شؤون التعليم في القدس أن قمع هذه الفعاليات أكبر دليل على سياسة التجهيل بحق شعبنا التي ينتهجها الاحتلال منذ اليوم الأول لاغتصابه الارض الفلسطينية.
وقال إن التعليم وتكريس الهوية الفلسطينية بالنسبة للإنسان الفلسطيني والمقدسي شيء مقدس ولا يمكن التهاون في الدفاع عن هذا الحق مهما بلغت التضحيات وليذهب الاحتلال وإجراءاته الاستفزازية الى الجحيم.
محاولة لحسم مصير المدينة..
ولاحظ الاعلامي أحمد الصفدي – تم اعتقاله والتحقيق معه – أن سياسة التصعيد بحق المشهد الإعلامي في القدس زادت وتيرتها في الاونة الاخيرة وخصوصا بعد قرار ترامب، ظنا من الاسرائيليين انه يمكنهم اخيرا حسم مصير المدينة المقدسة لصالحهم وانهاء التفاوض حولها الى الابد، وذلك من خلال اسكات صوت المقدسيين وارهابهم باجراءات القمع والبطش التي تجاوزت كل الحدود.
وقال ان الاعتداء على حرية التعبير الفني والثقافي باتت من صميم الممارسات الاسرائيلية في ظل حكومة اليمين المتطرفة واصبح نهجها سيفا مسلطا على رؤوسنا سواء في المسرح او الثقافة او حتى الفعاليات المجتمعية العادية واليومية ما يستدعي من أحرار العالم والمدافعين عن حرية التعبير ومنظمات حقوق الانسان التدخل والضغط لوقف هذه المهزلة في حرمان المقدسيين من ممارسة التعبير عن هويتهم وتطلعاتهم المشروعة.
الثقافة مستهدفة..
ورأى عماد منى المهتم بالشأن الثقافي المقدسي والذي تم الاعتداء على صالونه الثقافي وتحطيم بعض اثاثه، ان الاحتلال دأب منذ زمن طويل على ملاحقة اي نشاط ثقافي واجتماعي وتعبوي وتنويري وإعلامي وأحيانا حتى ترفيهي يجري في المدينة من خلال وقفه ومنعه من الحدوث بحجج واهية لا ترقى الى العقل والمنطق.
وأضاف: "لن أبالغ إذا قلت ان جميع المؤسسات والفعاليات الثقافية المقدسية نالها نصيب من المنع والإغلاق بما فيها المقهى الثقافي الذي منع مؤخرا من تنظيم ندوة حول الاوقاف الاسلامية والمسيحية في القدس.. وهذا احد الوجوه القبيحة للاحتلال.. ولكنه لن يثنينا عن ممارسة حقنا في التعبير والتنوير والتغيير إلى الأفضل.. فالثقافة كانت ولا تزال الجدار القوي والمنيع الذي تصدى في كل المراحل ولا يزال يقف سدا منيعا أمام محاولات الأسرلة والتهويد والتفكيك والتفريق والتفتيت التي يمارسها الاحتلال بكافة الوسائل والطرق".
وهاجم سياسة الفلتان التي يمارسها أفراد قوات الاحتلال بحق أي مظهر من مظاهر التعبير الإعلامي أو الثقافي أو المجتمعي والاعتداء عليها الأمر الذي يثير غرابة وتعجب من هذا السلوك الاحتلالي الارعن الذي يذكرنا بتصرفات ومسلكيات الزعران وقطاع الطرق.. وأهاب بالمقدسيين الالتفاف حول هويتهم وانتمائهم المقدسي ومقاومة هذه الهجمة الشرسة غير المسبوقة.