وبغض النظر عن مستواه او طبيعته أو مكان عمله، سواء كان في القطاع العام، اي في " الحكومة"، او في القطاع الخاص او حتى في المنظمات الاهلية والمدنية، يذهب وبشكل مباشر، الى البنوك، وبأنواعها من اجل سداد القروض ومنها القروض الاستهلاكيه، وهي كثيرة في بلادنا.
ومن الواضح كذلك ان جزء من الدخل يذهب او ذهب الى تغطية ارباح البنوك على هذه القروض، اوالفائدة التي تصاحب الحصول على القروض، والتي في العادة تقوم البنوك باقتطاعها مقدما، اي يتم دفعها قبل استخدام القرض وتحقيق اي فائدة منة، ومن الواضح ان نسبة المواطنين الذين يتم الاقتطاع من دخلهم كل شهر او بالادق مع دفعة كل راتب قد ازداد اوهو في ازدياد متواصل، وما الى ذلك من تبعات اقتصادية على القوة الشرائية للجزء المتبقي من الراتب، وتبعات اجتماعية ونفسيةعلى صعيد الاسرة والعلاقات والمجتمع.
ويبدو ان ثقافة الاقراض والقروض والاستدانة لم تكن حكرا على المواطن او الموظف فقط، بل انها تشمل الحكومة، سواء كانت تقترض من الداخل، من البنوك والقطاع الخاص وصندوق التقاعد، او من الخارج مثل البنك الدولي والدول وبنوكها والمؤسسات الدولية المقرضة، وحسب المعلومات الاخيرة التي رافقت النقاش حول الميزانية الحالية، فإن حجم ديوان الحكومة المتراكم قد بلغ حوالي اربعة مليار دولار امريكي، ومع عجز متوقع في الميزانية الحالية يقدر بحوالي مليار دولار، وهذا يعكس مدى ثقافة العمل واساليب تغطية او مواصلة العمل التي تعمل الحكومة من خلالها، وما لذلك من تداعيات على المدى القصير من خلال تراكم نسب الفائدة او على المدى البعيد، على صعيد اتخاذ القرارات ومدى التحكم في اتخاذها.
وبما ان القروض او الاستدانة هي نهج عمل او جزء من العلاقات الاقتصادية والمالية المتواجدة في كل بلد تقريبا، فإن المهم من الحصول عليها، الاهداف او الاعمال المتوخاة من ذلك، اي ما يتم العمل بها، ومن خلال نظرة سريعة، نجد ان جزء كبير من هذه القروض التي يحصل عليها المواطن يتم استخدامها لاشياء استهلاكية محضة، مثلا كشراء سيارة او غيرها، وان جزء من ديون الحكومة تم او يتم استعمالها لتسديد فاتورة الرواتب او الالتزامات او النفقات الجارية الاخرى.
اي بمعنى اخر لا يتم استثمار هذه القروض سواء من قبل الموظف او الحكومة في مشاريع او اعمال لها صفة الاستدامة، اي تعمل على توليد مصادر او دخل يوازي تكاليف القرض وما يترتب عليه، وبالتالي سوف تلجأ الحكومة الى المزيد من الاستدانه ومع زيادة التكاليف لتغطية الرواتب للموظفين، ومن ثم سوف تقوم البنوك بأقتطاع جزء منها على شكل قروض وفائدة القروض من الموظف، وهكذا تستمر الحلقة، مع المزيد من المضاعفات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، سواء كان لحكومة تتمتع بمصادر محدودة وبقيود متزايدة، او لجزء كبير من اكثر من 150 الف موظف، الذي اصبحت القروض والاستدانة وتبعاتها جزء من حياتهم وما لذلك من تبعات في مختلف المجالات.