اطلس- يكتب أمير تيفون ونوعا لنداو، في "هآرتس"، أنه بعد أربعة أشهر من خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول القدس، وقبل شهر ونصف من مراسم نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، يصر كبار المسؤولين في البيت الأبيض على أن خطة إدارة ترامب للسلام
ما زالت صالحة، رغم أن الفلسطينيين يقاطعونها. ويدعون في البيت الأبيض أن الأزمة التي اندلعت بين إدارة ترامب والفلسطينيين بعد خطاب الرئيس في كانون الأول، لم تفاجئهم. فقبل عدة أيام من ذلك الخطاب، عقد جارد كوشنير، صهر الرئيس ترامب، ومبعوثه الخاص للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية جيسون غرينبلات، سلسلة من المحادثات مع كبار الدبلوماسيين والصحفيين وخبراء السياسة الخارجية في واشنطن، وادعوا أن الغضب الفلسطيني على الخطاب سيهدأ مع مرور الوقت والمفاوضات ستستأنف بنجاح.
وقال مصدر تلقى مكالمة هاتفية من البيت الأبيض، قبل يوم واحد من خطاب ترامب، لصحيفة "هآرتس" والذي طلب عدم الكشف عن اسمه بسبب حساسية الموضوع: "لقد شرحوا بالضبط كيف سيسير الأمر. كان لديهم رسم بياني، وأوضحوا أنه على المدى القصير، سيخلق الخطاب صعوبات، ولكن على المدى الطويل سيسهل عليهم بالفعل تجديد المفاوضات".
وقال مصدر آخر تلقى محادثة إحاطة من البيت الأبيض في ذلك الوقت، لصحيفة "هآرتس": "إنهم لم يقولوا ذلك صراحة، لكن كان من الممكن أن نفهم بين السطور بأنهم يعتقدون أن الاعتراف بالقدس يزيد من فرص التنازلات المستقبلية من قبل إسرائيل. أعتقد أنهم يؤمنون حقاً بأن هذا الخطاب سيتضح كشيء إيجابي لعملية السلام".
على وشك الانتهاء
من الناحية العملية، كانت الأشهر الأربعة التي أعقبت خطاب ترامب فترة جمود سياسي. الفلسطينيون، الذين عبروا في الأشهر الأولى من إدارة ترامب عن تفاؤل حذر بشأن تجديد عملية السلام، استبدلوا هذا النهج بمقاطعة غاضبة للإدارة. ووصف مسؤولون إسرائيليون وفلسطينيون كبار تحدثوا مع هآرتس خطاب ترامب بأنه حدث هز الأوراق وتسبب في فقدان الرئيس الفلسطيني عباس للثقة بالإدارة.
لكن البيت الأبيض يصر على أن المقاطعة الفلسطينية والتشكيك المتزايد في الدوائر الدبلوماسية حول العالم حول فرص نجاح مبادرة السلام الأمريكية، لا تؤثر على عمل "فريق السلام" برئاسة كوشنر وغرينبلات. في الأسبوع الماضي، كرس كوشنير أمسيتين لإجراء محادثات مطولة مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وقبل أسبوع من ذلك، عقد كوشنر وغرينبلات مؤتمراً دولياً في البيت الأبيض حول قطاع غزة، حضره ممثلون عن إسرائيل و19 دولة أخرى، بما في ذلك العديد من الدول العربية. وتمت دعوة الفلسطينيين لكنهم اختاروا عدم المشاركة.
وقال مسؤول كبير في البيت الأبيض لصحيفة "هآرتس": "نحن واقعيون، لم نقل أبدا إنه سيكون من السهل تحقيق ذلك". ووفقا له، لا تزال الإدارة تعمل على خطة السلام. وتم في الأسابيع الأخيرة القول إنها على وشك الانتهاء. لكنه حتى الآن، ليس لدى الإدارة جدول زمني لنشر الخطة. ومن بين الاعتبارات التي ستؤثر على تاريخ نشرها: الوضع السياسي في إسرائيل، والوضع الأمني في غزة والضفة الغربية، وردود الفعل في العالم العربي على القرار الواضح لترامب بالانسحاب من الاتفاقية النووية مع إيران. ما زالت الإدارة تأمل إقناع الفلسطينيين بالعودة إلى العملية السلمية، لكنهم لا يستبعدون إمكانية نشرها حتى بدون تدخل فلسطيني مباشر.
ويدعي الفلسطينيون منذ أشهر أن الأمريكيين يتبنون وجهة نظر نتنياهو بشكل كامل حول النزاع، وهم على وشك نشر خطة تلبي كل مطالبه وغير مقبولة على أي زعيم فلسطيني يريد البقاء على قيد الحياة. وقال مسؤول في البيت الأبيض إنهذه الادعاءات غير دقيقة: "قلنا منذ البداية أننا لن نفرض اتفاقًا على أي من الجانبين، نحن نبحث عن مخطط واقعي يمكن تسويقه للجمهور في كلا الجانبين. إذا كان المخطط سيناسب جانب واحد فقط فما الفائدة من بذل الجهود"؟
وأضاف أنه يتعين على الطرفين تقديم تنازلات صعبة، وأن الإدارة تعتقد أنه "يجب أن يتم التوصل إلى اتفاق يمكن لكلا الجانبين القول عنه: أنا لا أحب ما يتضمنه، لكن هذا مخطط منطقي". وقال مسؤول آخر في الإدارة، ضالع في خطة السلام، لصحيفة "هآرتس": "لو لم نكن جديين بشأن تطوير خطة ينظر إليها على أنها واقعية في كلا الجانبين، لما كنا سنستثمر كل الوقت والجهد الذي استثمرناه حتى الآن، لا سبب يدعو إلى استثمار هذا الجهد الكبير، إذا كانت فرص نجاحه ضئيلة".
ووصف مسؤولون إسرائيليون كبار، يحافظون على اتصال دائم مع الفريق الأمريكي، نقطتين رئيسيتين تجعلان من الصعب على الفلسطينيين قبول الخطة التي وضعتها الإدارة. النقطة الأولى هي ما يبدو أنه عدم ثقة أساسية من الجانب الأمريكي في إمكانية إخلاء المستوطنات في المستقبل القريب، والميل إلى الاكتفاء بخطة تقوم على الامتناع عن توسيع المستوطنات. وقد عبّر السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان عن هذا النهج خلال محادثة أجراها مع زعماء يهود أميركيين في الشهر الماضي.
المسألة الثانية هي السيطرة الأمنية في الضفة الغربية. فإسرائيل تعتقد أن الأمريكيين قبلوا بشكل كامل افتراض نتنياهو بأنه لا توجد وسيلة للحفاظ على المصالح الأمنية الإسرائيلية على المدى الطويل بدون السيطرة العسكرية الإسرائيلية على المنطقة بأكملها غرب نهر الأردن. وبالنسبة للفلسطينيين، فإن مثل هذه السياسة تعني استمرار الاحتلال، حتى لو تم بذل جهد لتقليل "مظهره" اليومي.
من المهم ملاحظة أنه لا يوجد تأكيد رسمي من الجانب الأمريكي بأن هذه الأفكار سيتم تضمينها في الخطة. في الأشهر القليلة الماضية نفى البيت الأبيض سلسلة من المنشورات حول مكونات الخطة. ومع ذلك، إذا نشرت الإدارة خطة لا تشمل إخلاء المستوطنات، وفي الوقت نفسه تبقي على الوجود العسكري الإسرائيلي في جميع أنحاء الضفة الغربية، فسوف يعتبرها الفلسطينيون خطة لترسيخ الوضع القائم ومن شبه المؤكد أنهم سيرفضونها.
ويقول مسؤولون إسرائيليون كبار، اطلعوا على المباحثات مع الفريق الأمريكي، إن الخطة قد تشمل أيضا عناصر لن يرغب نتنياهو في قبولها، مثل إعلان أبو ديس عاصمة للفلسطينيين، أو مخطط محدد لتجميد البناء خارج الكتل الاستيطانية. في الماضي، أنكرت الإدارة التقارير التي نشرت عن إعلان أبو ديس عاصمة فلسطينية. لكن مسؤولين إسرائيليين كبار قالوا لصحيفة "هآرتس" إن الفكرة تجري مناقشتها بالفعل.
تصف الإدارة جميع الإشارات الأخيرة لمحتويات الخطة، بما في ذلك الشخصيات البارزة في إسرائيل والسلطة الفلسطينية، على أنها تكهنات وتخمينات لا تصفها حقاً. قلة من الناس من خارج البيت الأبيض، كما تقول الإدارة، اطلعوا على الخطة. وفيما يتعلق بمسألة المستوطنات، تتمسك الإدارة منذ أكثر من عام، بالخط القائل إن "البناء غير المقيد" في المستوطنات "لا يفيد السلام"، لكنها نفت أي ادعاء حول سياسة أكثر وضوحًا وأكثر تفصيلاً في هذا الموضوع.
وقدرت المصادر الإسرائيلية أنه إذا تضمنت الخطة عناصر غير مريحة لنتنياهو، فإنه سيفضل تأجيل الرد عليها، على أمل أن يرفضها الفلسطينيون ويجنبه ذلك مواجهة محتملة مع أعضاء حزبه وشركائه في الائتلاف.
في الجانب الفلسطيني، جدد خطاب ترامب وإعلانه بأنه "أزاح القدس عن الطاولة" الاهتمام بالفكرة التي سبق اقتراحها عدة مرات في الماضي: إنشاء هيئة دولية تستبدل الأمريكيين كوسيط في النزاع. لم يعد الفلسطينيون ينظرون إلى حكومة ترامب كوسيط عادل، لكنهم يشيرون إلى أنهم سيكونون مستعدين لقبول الولايات المتحدة في إطار هيئة دولية تضم دولاً أخرى. وفي هذه الأثناء، من يحبط مثل هذه الإمكانية هم الأمريكيون الذين يريدون عرض مخططهم قبل أن يفكروا بإقحام شركاء آخرين.
ذخر في العالم العربي
في الشهر الماضي، شعرت الإدارة بالارتياح في ضوء تصريح ملك الأردن عبد الله، إنه على الرغم من انتقاد ترامب في موضوع القدس، إلا أنه يعتقد أنه لا يوجد بديل للقيادة الأمريكية في عملية السلام. ويقول مسؤولون كبار في إسرائيل والسلطة الفلسطينية إن الاعتراف بالقدس أضر باستعداد الدول العربية، بما في ذلك السعودية، لتولي زمام المبادرة ودفع خطة السلام قدما. لكن البيت الأبيض يرفض المزاعم ويقول إن اتصالات ترامب بالقادة العرب تشكل رصيدا لفريق السلام في الإدارة الأمريكية.
وقال مسؤول رفيع من البيت الأبيض أن "الرئيس يحافظ على علاقات ممتازة مع لاعبين رئيسيين في العالم العربي. العرب لم يحبوا إدارة أوباما، أما بالنسبة للإدارة الحالية، فلربما لم يحبوا بعض خطواتها، مثل الاعتراف بالقدس، عاصمة لإسرائيل، لكنهم يرون أن الرئيس رجل يلتزم بكلمته. نحن نعرف أن دعمهم، ماديًا ومعنويًا، أمر حيوي لنجاح أي اتفاقي مستقبلي."
مع ذلك، فإن الإدارة لا تتوقع من الدول العربية أن تحني أيدي الفلسطينيين وتدرك حدود تأثير العالم العربي في القضية الفلسطينية. وقال حسين ابيش، المسؤول الكبير في معهد دراسات دول الخليج في واشنطن، لصحيفة "هآرتس"، الأسبوع الماضي، إن "لدى دول الخليج محفزات كبيرة للاقتراب من إسرائيل، خاصة بسبب إيران، لكن هذا لا يعني أنها تستطيع فرض خطة سلام على الفلسطينيين."
في هذا السياق، قال مسؤول كبير في الإدارة لصحيفة "هآرتس" إن ما قاله السفير فريدمان في مقابلة مع نشرة السبت "السابع"، من أنه إذا لم يتعاون عباس مع الأمريكيين، "فسيقوم شخص آخر بذلك"، تم إخراجه من سياقه. ووفقا له، فإن فريدمان لم يقصد القول إن الإدارة تفكر في استبدال عباس أو تجاوز الفلسطينيين بواسطة العالم العربي. وادعى المسؤول الرفيع في الإدارة، إن فريدمان "قصد انه إذا كان عباس لا يريد العمل على اتفاق سلام فسيكون لدى الفلسطينيين في النهاية قيادة سترغب بعمل ذلك".
المشكلة هي أنه لكي يوافق أي زعيم فلسطينيعلى العمل مع حكومة ترامب، فإن خطة الإدارة للسلام يجب أن تفاجئ حقاً، وأن تكون وثيقة يمكن تسويقها للجمهور الفلسطيني. وقال دبلوماسي غربي تم اطلاعه مؤخرًا من قبل الإدارة حول جهود السلام: "السؤال الحقيقي هو كيف يعرفون "اتفاقية قابلة للتسويق. هل يفهمون حقاً ما هو مطلوب في هذه المرحلة حتى يتمكن أي زعيم فلسطيني من العودة إلى المفاوضات مع ترامب بعد كل ما حدث في الأربعة أشهر القليلة الماضية؟"
من جانبه، قال نتنياهو مؤخراً، في محادثات مغلقة، إنه لم ير بعد المخطط الأمريكي أو الجدول الزمني لنشره. ومع ذلك، قدر أنه سيتم عرض خطة سلام ما في نهاية المطاف. وقال: "هؤلاء ليسوا الوسطاء المعتادون، هؤلاء رجال أعمال لديهم أفكار إبداعية".
في الجانب الفلسطيني، أيضا، يعتبرون الوسطاء غير عاديين، حسب قول مسؤول رفيع في السلطة. وربما هذا هو جوهر القضية.