اطلس- يكتب عاموس هرئيل في "هآرتس"، أنه في الشهرين الماضيين، أجرت أجهزة أمن الاحتلال معركة صد مكثفة في محاولة لتحقيق الأهداف التي حددتها القيادة السياسية دون جر (دولة الاحتلال) والمنطقة برمتها إلى حرب.
كانت هذه، وفقاً لمقر الأركان العامة لجيش الاحتلال، أكثر الأسابيع انفجارا خلال العقد الأخير. وشملت أنشطة عسكرية واستخباراتية، وتحركات سياسية، وحرب نفسية، وإجراءات إعلامية.
على الجبهة الشمالية، عمل جيش الاحتلال على إلحاق الضرر بالتعزيز العسكري الإيراني في سوريا وإحباط المحاولات الإيرانية لتنفيذ عملية انتقام.
وحتى الآن تدار هذه الخطوة في الشمال بشكل مثير للانطباع. في قطاع غزة، يستعد الجيش لمنع اقتحام حاشد للسياج في مظاهرات حماس، والتي بلغت ذروتها يوم الاثنين. لقد تم إحباط هذا الاختراق بالفعل، لكن السعر كان مرتفعاً، بحياة الفلسطينيين وفي الأضرار السياسية. في كلا الحلبتين لم تحل الإنجازات التكتيكية التي تحققت في الأيام القليلة الماضية علامات الاستفهام الاستراتيجية. لم تنشب حرب، لكن خطرها لم يتبدد بالكامل. خوف أيار يتواصل، وربما سيمتد إلى حزيران.
في النصف الأول من الشهر كانت هناك وتيرة مذهلة للأحداث العسكرية: وقد أجبرت حالة التأهب القصوى في الشمال وفي المناطق جيش الإسرائيلي على وقف تدريب الوحدات النظامية بشكل كامل هذا الأسبوع، واستمرار حالة التأهب العالية لفترة طويلة، إلى جانب الاهتمام الذي يتطلبه من القادة، سينعكس على السلوك الجاري للجيش .
هذا هو الجانب التكميلي الذي لا يتحدثون عنه كثيرا في الشهر السياسي الرائع الذي يشهده رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: الذكرى السبعون للدولة، الفوز في مسابقة الأورفيزيون، التفجيرات في سوريا، الاغتيال الغامض في ماليزيا، العملية الخارقة التي قام بها الموساد في طهران، انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية، فتح السفارة الأمريكية في القدس واستقبال ملكي مشرف في الساحة الحمراء في موسكو. كل هذا تم ترجمته على الفور إلى قفزة كبيرة من قبل نتنياهو في استطلاعات الرأي، مع التلوي المحرج لمنافسه الرئيسي، يئير لبيد، في الخلفية.
في الوقت الحالي، يحاول كبار ضباط الجيش عدم الانجراف في موجة الغطرسة التي تعكسها تصريحات السياسيين. وفي الأيام الأخيرة، قال جنرال (احتياط) سابق في جيش الاحتلال، إن ذكريات من الماضي، شوشت إعجابه بالاستعدادات الماهرة للجيش الإسرائيلي لإحباط الهجوم الإيراني من سوريا: "عندما سمعت أصوات الحماس في وسائل الإعلام، تسمر شعر رأسي، ولم أتمكن من تجنب التفكير في الانتقال من حرب الأيام الستة إلى يوم الغفران".
بطرق سلمية
يحيى سنوار، زعيم حركة حماس في قطاع غزة، أجرى يوم الاثنين مقابلة نادرة مع قناة الجزيرة. سنوار، الذي قضى أكثر من 20 عاما في سجون الاحتلال، جاء بنغمات جديدة. وقال إن حماس توصلت إلى تفاهمات مع مصر، تقضي باستمرار المظاهرات على طول السياج الحدودي بين قطاع غزة وإسرائيل، لكنها لن تتحول إلى مواجهة عسكرية. ثم امتدح "الكفاح الشعبي غير العنيف" - وهو موقف جديد من جانب شخص قاد على مدى سنوات الجناح العسكري للمنظمة، الذي أطلق الصواريخ وحفر الأنفاق العابرة لحدود غزة.
إن التعريف الفلسطيني "للمقاومة السلمية" مرن للغاية، وهو أبعد ما يمكن عن الفهم الإسرائيلي للمصطلح. خلال المظاهرات، قامت حماس باستخدام متطور ومتلاعب للجماهير اليائسة في غزة. لو كان سنوار قد أرسل الأطفال والنساء إلى الحدود وهم يحملون باقات الزهور، ليمكن الافتراض أنه ما كان أحدهم سيتعرض لنيران القناصة. لكنه، عمليا، تم قيادة العديد من المظاهرات العنيفة من قبل نشطاء في الجناح العسكري للمنظمة، وكانوا يرتدون ملابس مدنية، وكانوا يقودون الجهود لاختراق السياج. في عدة حالات، تم وضع عبوات ناسفة، وألقيت قنابل يدوية، ففتح الجيش النار.
وقد اعترف سنوار بنفسه في المقابلة بأن "مقاتلين من كل الفصائل الفلسطينية" شاركوا في المظاهرات. وبالمناسبة، تمت مقابلته على خلفية العلم الفلسطيني وليس علم حماس. يبدو أن هذا بيان رمزي، يشهد على تطلعات المنظمة لقيادة الشعب الفلسطيني بأسره. في المظاهرات على طول السياج، تم رفع الأعلام الفلسطينية، وليس أعلام حماس.
صلاح البردويل، أحد قادة حركة حماس، أخرج نهائيا المخرز من الجراب، خلال مقابلة تلفزيونية يوم الأربعاء. فقد كشف أن 50 من القتلى" الشهداء" الـ 62 في مظاهرات هذا الأسبوع كانوا أعضاء في المنظمة. وبالمناسبة، فإن البيانات التي قدمها البردويل أعلى من النتائج المؤقتة لفحص الجيش والشاباك، والتي حددت في تلك الساعات بأن 42 من أعضاء المنظمة كانوا من بين الشهداء.
هذه الأرقام لم تساعد إسرائيل خاصة في الرأي العام الدولي. في وسائل الإعلام الأجنبية، اعترف مسؤول كبير في الجيش الإسرائيلي هذا الأسبوع، في محادثة مع ممثلي اليهود الأمريكيين، بأن حماس أنزلت بإسرائيل ضربة قاضية. وبالمناسبة، لقد طرح البردويل ادعاء معكوسا، حين كتب في مقالة نشرتها وكالة أنباء غزية تابعة لحركته أن إسرائيل نصبت فخاً للفلسطينيين عندما وصفت "مسيرات العودة" بأنها مسيرات لحماس.
ومع ذلك، فإن الفشل الإسرائيلي الكبير ليس في مقدمة العلاقات العامة، وإنما في تلكؤ الحكومة غير المعقول، على الرغم من التحذيرات من جميع المستويات المهنية، في المصادقة على تقديم تسهيلات اقتصادية. فخ نتنياهو المزدوج، الذي يشترط التسهيلات بإعادة جثث الجنود والمدنيين من قطاع غزة، والخوف من أن ينظر إليه على أنه يسترضي حماس، يجعله يمتنع عن الموافقة على الخطوات الضرورية.
في مفارق الطرق المؤدية إلى بلدات غلاف غزة، شوهدت الملصقات الجديدة "وقفة هدار"، وهي المبادرة الجديدة التي أطلقتها عائلة الملازم هدار غولدين، هذا الأسبوع، لإقناع الدولة بزيادة الضغط على حماس وإبرام صفقة لإعادة الجثث. وطالما تطرح حماس مطالب لا يستطيع نتنياهو الموافقة عليها، فإن التسهيلات ستظل عالقة أيضًا، خاصة عندما يلاحظ نشطاء الحملة الذين يدعمون العائلة كل تغيير يحدث في معبر كرم أبو سالم ويسارعون إلى التحرك ضده بالوسائل القانونية.
من المتوقع أن يتفاقم الوضع في غزة في الصيف. إسرائيل تشيد بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كلما أثقل يده على الإيرانيين والفلسطينيين. في تموز ستوقف الولايات المتحدة المساعدات الاقتصادية للأونروا، وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى. هناك مصداقية في الادعاء بأن الأونروا تحولت إلى آلية لتخليد الضحية الفلسطينية، في حين تحول في الشرق الأوسط ملايين آخرين في العقد الماضي إلى لاجئين جدد. لكن تقليص ميزانيات الأونروا سيؤثر بشكل مباشر على أكثر من مليون من سكان غزة الذين يحتاجون إلى شحنات غذائية، ويمكن أن يعطل النظام التعليمي للوكالة الذي لا يمكن من دونه الحفاظ على أطفال غزة في المدارس.
أولئك الذين يحتفلون الآن في إسرائيل ببؤس وفشل غزة يتجاهلون حقيقة أن نهاية هذه الأزمة ستنفجر في وجهنا. "مثل حادث سيارة مميت في حركة بطيئة". هكذا وصف العميد (احتياط) آساف أوريون ذلك في مقال نشر في "هآرتس" قبل حوالي ثلاثة أشهر.
وكما ورد هنا في وقت سابق من هذا الشهر، نقلت حماس مؤخراً رسائل إلى إسرائيل حول استعدادها لـ "هدنة" - وقف إطلاق نار طويل الأمد مقابل تسهيلات كبيرة في قطاع غزة. خلال الأشهر القليلة الماضية، كانت هناك ثلاث مبادرات رئيسية على الأقل: مصرية، قطرية وتلك التي طرحها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، نيكولاي ملدانوف. كما يقوم محمد دحلان، وعدد من الوسطاء الآخرين بدفع مبادرات أخرى.
ووفقًا لمصادر دبلوماسية في إسرائيل، تسعى مصر إلى تعزيز المصالحة بين حماس وفتح، وتوسيع دور مسؤولي السلطة الفلسطينية في قطاع غزة، والمبادرة إلى تسهيلات اقتصادية وترتيب التفكيك التدريجي للجناح العسكري لحماس. وتقترح قطر تعيين لجنة من الخبراء غير المنتمين إلى التنظيمات، لإدارة قطاع غزة، ووقف تسليح حماس بأسلحة هجومية، ودمج المنظمات الدولية لمراقبة العملية. ويحاول ملدانوف تنظيم منتدى إقليمي جديد يشمل إسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية والأمم المتحدة، ويقود آلية تتعامل مع المساعدات الاقتصادية طويلة الأجل لقطاع غزة.
من وجهة النظر الإسرائيلية، فإن الفجوات مع حماس كبيرة للغاية ويصعب جسرها في الوقت الحالي. وتشعر إسرائيل بالقلق إزاء إنشاء "نموذج حزب الله" في قطاع غزة، حيث تحتفظ حماس بأسلحتها بينما تتولى السلطة الفلسطينية مسؤولية إدارة الجوانب المدنية. كما أنها تشك في قدرة آليات المراقبة الدولية على منع تهريب الأسلحة، والتي فشلت في اتفاق توسطت فيه إدارة بوش بعد فك الارتباط الإسرائيلي مع غزة عام 2005.
تعكس تصريحات سنوار للجزيرة رغبته في تجنب الحرب في ظل الظروف الحالية. وهذا الأسبوع، قدمت صحيفة "يسرائيل هيوم"، بدقة وتفاصيل الذبابة على الجدار، معلومات حول ما حدث خلف الكواليس بين المصريين وحماس. ووفقاً للصحيفة، فقد هدد ضباط المخابرات في القاهرة إسماعيل هنية، بأن إسرائيل ستغتال رؤساء المنظمة وأن مصر لن تتدخل لإنقاذهم. بعد أن انهارت غرف الطوارئ في مستشفيات غزة تحت الضغط، قررت قيادة المنظمة التراجع.
بعد حمام الدم يوم الاثنين، تلاشت المظاهرات، وفي الأيام التالية لم يأت الكثير من الفلسطينيين إلى السياج. ويستعد الجيش الإسرائيلي لمظاهرات اليوم التي يتوقع فيها قيام حماس بضبط النفس، لكن المنظمة لن توقف المظاهرات برمتها لأنها ترى فيها صيغة رابحة لممارسة الضغط على إسرائيل: لقد حققت حماس إنجازات معينة في الساحة الدولية، بما في ذلك الأزمة المتجددة بين إسرائيل وتركيا، الشجب الأوروبي وإعادة سفير جنوب أفريقيا إلى بلاده.
مقابل وقف الاحتكاك على الحدود، تريد حماس تحقيق المزيد من الإنجازات. إن استعداد مصر الواضح لتوسيع فتح معبر رفح إلى عشرة أيام في الشهر هو بداية طيبة بالنسبة للحركة، لكن المنظمة تسعى إلى المزيد - وتتوقع تحقيق ذلك عن طريق الضغط على إسرائيل.