اطلس- ما دمتُ لا أملك بصورة آمنة الحق غير القابل للنقاش في الاقتراع، فإنني لا أملك حياتي. لا يمكنني أن أحسم وفقا لرأيي
فهناك من حسمَ لأجلي. أنا لا أعيش كمواطن ديموقراطي ينظر الى القوانين التي ساعد في سنها – وكل ما يمكنني عمله هو الانصياع لقوانين الآخرين".
هذا ما قاله مارتن لوثر كينج في العام 1957.
في الجنوب العميق للولايات المتحدة – وعلى النقيض من الواقع الذي كان سائدا وفيه عمل كينج – كان السود، على الأقل، مواطنين. لقد تم مصادرة حقهم بالانتخاب من خلال مجموعة من الحِيل. بالنسبة للفلسطينيين الذين يعيشون تحت سيطرتنا منذ 1967، فإن حق الانتخاب ليس خيارا مُطلقا: السكان – وليس المواطنين – لا يملكون شيئا آمنا، ما عدا اليقين في كونهم لا يمتلكون حياتهم.
في نيسان القادم سوف يذهب الجمهور في إسرائيل الى صناديق الاقتراع، الى معركة انتخابية، سوف نصوت فيها، نحن المواطنون، ونحسم الأمور المتعلقة بمصيرنا – وكذلك مصير ملايين السكان، مسلوبي الحقوق السياسية، الذين لا يسأل أحد عن رأيهم. الأنظمة والأوامر التي نمليها ستستمر في الدفع قدما بمصالحنا – وإدارة حياتهم. كل ما تبقى لهم هو "الانصياع لقوانين الآخرين".
يتم عادة وصف الانتخابات في الدولة الديموقراطية بأنها "عرس ديموقراطي"، بينما في الواقع ليس ديموقراطية، بل مع الأسف، تصير الانتخابات احتفالا عنيفا:
في فترة المعركة الانتخابية يتم الاحتفال بالأسياد اصحاب حق الاقتراع، من خلال التغاضي شبه المطلق عن اقصاء ملايين السكان. ومع أن الفلسطينيين ليسوا بحاجة الى تذكير بهذا الحال – كونهم يعون جيدا هذا الواقع، إلا أن هذا الاستعراض المتكرر، كل بضع سنوات، يحتار فيها الاسرائيليون بينهم وبين انفسهم كيف بالضبط سيستمرون في السيطرة على حياة الآخرين، متجاوزين ذروة العنف في عالم الوعي، سواء كان النقاش العام خلال فترة المعركة الانتخابية يتضمن نقاشا نشطا حول هذه القضايا – أو كان السياسيون والجمهور يبذلون الجهد من أجل التهرب من الانشغال بالإحتلال – فإن الحسم السياسي الذي نقوم به هو الذي يتحدد بالنسبة للفلسطينيين، ومن بين ذلك، كيف نستمر، بالطبع، بصورة ديموقراطية! – في نظام الاحتلال: كيف ندير من الخارج السجن الكبير في قطاع غزة، ما هو عدد البيوت التي سنهدمها وكم عدد التجمعات السكانية التي سنقوم بطردها في الضفة، ومن هي العائلات الفلسطينية التي سنسلب بيوتها في شرقي القدس.
في الوقت الحالي، يوما بعد يوم، وأسبوعا بعد أسبوع، تقترب المعركة الانتخابية التي يُلوّح فيها الأسياد بلا توقف بالرسالة التالية: لا يتم اعتبار السكان. اما بالنسبة لنا، الذين نتمسك بالحياة، بآرائنا، مشاعرنا، لا توجد أية صعوبة في ان ندير فوق رؤوسهم جميع هذه النقاشات السياسية: علنا، من خلال التفاخر بـ"الحوار" الزاخم "والعرس" الديموقراطي – وأن نُلغي بأريحية تامة الإنسانية عن الملايين الذين تُحدد هذه النقاشات مصيرهم خلال السنوات القريبة.
بعد المعركة الانتخابية فورا وفي السنوات التالية، وحتى المعركة القادمة – سوف نستند الى "الانتخابات الديموقراطية" من اجل تبرير ما يتم عمله حاليا ومن أجل تسويق الأمر على أنه مستساغ. إن الانتخابات بمثابة عرض وركن أساسي في منح الشرعية لاستمرار سيطرتنا على حياة السكان، إذ أن كل قرار إسرائيلي، بقدر ما يكون متعسفا، يُعتبر نتيجة لها. إن هذا التعاطي عنيف في ذاته، إذ أنه لا يمكن أن يكون مصدر الهام لشرعنة العنف المستمر، دون أن تكون جزءا من العنف ذاته الذي تمارسه الأجهزة الاسرائيلية – التي تمثلنا حصرا – بصورة يومية ضد الفلسطينيين. ولا يتجلى هذا العنف فقط في إقدام جندي على اطلاق النار على فلسطيني أو ضربه، بل ايضا عندما يقوم محام في النيابة العامة بإغلاق ملف قتل أو عندما يصادق قاض في المحكمة العليا على هدم المزيد من البيوت أو عندما يمنع موظف إسرائيلي طالبا من السفر الى دولة اخرى طلبا للعلم. حياتهم في أيدينا، ونقوم باستعمال العنف بصورة تعسفية من خلال البيروقراطيا البطيئة، المتواصلة واللامبالاة.
علاوة على ذلك، هناك أهمية كبرى لإجراء "انتخابات ديموقراطية" ولا يقتصر الأمر على جانب الصورة النمطية والاعلام، بل كصمام حاسم لمنع أي إجراء دولي حاسم يتجلى في نهاية الأمر بتحفظ المجتمع الدولي من هذا الواقع.
على ضوء هذه الأسباب، حتى نصير الديموقراطية اللامع، مثل نائب رئيس الكنيست، عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش، يحرص على المشاركة في العرس وترديد نشيد الديموقراطية، بينما في المقابل يعرض برنامجه لتجميد هذا الواقع: "حتى في ظل غياب الحق بالتصويت لبرلمان ذي سيادة كاملة، لا يدور الحديث عن حكم ابرتهايد – بل بالحد الأقصى، عن مكون ناقص في سلة الحريات، أو إذا شئنا – عجز في ألق الديموقراطية".
هذا ما سيفعله ملايين الاسرائيليين قريباً. معركة انتخابية أخرى، فرصة اخرى لتحديد من "يمسك بأمان بالحق غير القابل للنقاش في الاقتراع " – ومن هو عُرضة للعنف من قبلنا.
*مدير عام منظمة «بتسيلم» - مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة