اطلس- بينما اصطف مسؤولو الحزبين الجمهوري والديمقراطي واحدا وراء الأخر، الأحد 24 آذار والاثنين 25 آذار
على منصة مؤتمر "إيباك" السنوي لاستعراض ولائهم المتفاني في دعم إسرائيل ودعم منظمة اللوبي الإسرائيلي القوية، وفي الوقت الذي كان يأمل فيه الديمقراطيون ما زالوا في حالة الجدل التي أقحمتهم في حالة استقطاب غير معهود في بداية الشهر الحالي بسبب تمرد القاعدة الديمقراطية من الحزب (الديمقراطي) التي رفضت الانصياع لمساواة انتقاد ممارسات الاحتلال الإسرائيلي مع معاداة السامية، أعلن زعيم حزب الشيوخ (وزعيم الأغلبية الجمهورية) أن المسألة لم تنتهي، وأنه مصر على اتهام القاعدة الديمقراطية في الحزب الديمقراطي بمعاداة السامية، خاصة النائبة المسلمة إلهان عمر، التي أثارت الجدل بالأساس عبر انتقاداتها المتتابعة لإسرائيل.
واشار السيناتور ماكونيل (ولاية كينتاكي)، والزعيم الجمهوري في مجلس الشيوخ، الى مشروعي قانونين جديدين تم تأجيلهما في الاجتماع السنوي لهذا الأسبوع في واشنطن أمام أكبر مجموعة مناصرة لإسرائيل ، وهي "لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية-إيباك" ، اللوبي الإسرائيلي القوي الذي ينعقد ما بين 24-26 آذار الجاري.
ويقضي مشروع مكانويل بمنح حكومات الولايات المختلفة حق معاقبة كل من يقاطع إسرائيل ويدعم حركة بي.ديزإس.
ويعتقد الخبراء أن هذه الإجراءات هي جزء من إستراتيجية سياسية أكبر، تهدف جزئياً إلى إظهار أن الجمهوريين أكثر استعداداً للتصدي مباشرة لخطاب الكراهية المعادي للسامية و"اللغة المعادية لإسرائيل" من الديمقراطيين المنقسمين في مجلس النواب .
وتمثل احد الإجراءات، في توبيخ مباشر للتعليقات التي أدلت بها النائبة المسلمة إلهان عمر، (ديمقراطية من ولاية مينيسوتا ) التي اتهمت بأنها قالت أن بعض اليهود الأميركيين لديهم ولاء مزدوج لكل من إسرائيل والولايات المتحدة، علما بأنها لم تقل أبدا شيئا من هذا القبيل.
كما يربط مشروع القرار الذي تم توزيعه في مجلس الشيوخ مسألة تهمة الولاء المزدوجة بـ "تداول بروتوكولات حكماء صهيون من قبل الشرطة السرية لروسيا" في بداية القرن العشرين.
وقال السيناتور اليميني من ولاية تكساس تيد كروز الذي يرعى مشروع القانون ، أن من المحتمل أن يسوط مجلس الشيوخ على مشروع القرار قبل نهاية الأسبوع الحالي في هدية أخرى يعطيها الجمهوريون لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الذي منحه الرئيس الأميركي دونالد ترامب حق السيادة في الجولان السوري المحتل دعما لحملته الانتخابية.
ويتسم مؤتمر "إيباك" بحالة مبتذلة من إظهار المحبة والتأييد لإسرائيل، خاصة من قبل السياسيين المنتخبين.
وكتب توماس فريدمان، كاتب العامود الشهير في صحيفة نيويورك تايمز مقالاً نشرته له الصحيفة الاثنين، 25 آذار 2019، تحت عنوان "حب إسرائيل حتى الموت ما بين ترامب والكونغرس" تناول فيه هذا الموضوع، واستهله قائلاً "إن عاموس يادلين، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية في إسرائيل، يرى أن إسرائيل كدولة ديمقراطية ذات أغلبية يهودية تواجه تهديدين وجوديين –هما تسلح إيران بأسلحة نووية والتحول إلى دولة ثنائية القومية عن طريق احتلال الضفة الغربية وسكانها الفلسطينيين بشكل دائم. ورغم أن إسرائيل لديها إستراتيجية للتصدي للتهديد الأول، فلا تملك إستراتيجية للتصدي للتهديد الآخر".
ويضيف فريدمان "يرجع أحد أسباب افتقارها لتلك الإستراتيجية إلى وجود تهديد وجودي ثالث أمام إسرائيل، وهو يأتي من الولايات المتحدة -وخاصة من الرئيس دونالد ترامب، ولكن أيضاً من المشرعين المؤيدين لإسرائيل في الكونغرس ومن أيباك، منظمة الضغط الإسرائيلية الرئيسية هناك، ويتمثل هذا التهديد في أن الولايات المتحدة ستظل تحب إسرائيل حتى الموت".
ويشرح الكاتب "من خلال مساندة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في سعيه وراء السيطرة الإسرائيلية الدائمة على الضفة الغربية، سيخلق ترامب والكونغرس واللوبي الإسرائيلي وضعاً يؤدي في نهاية المطاف إلى انهيار السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. وسيقول الفلسطينيون هناك حينها لإسرائيل، كما فعل البعض بالفعل، إنهم يريدون الحصول على الجنسية الإسرائيلية. وعندها ستجد إسرائيل نفسها تحكم أكثر من 2.5 مليون فلسطيني مع خيار إما تقاسم السلطة معهم على أساس المساواة أو حرمانهم منها بصورة منهجية" موضحا انه "عندما يحدث ذلك، سيمزق النقاش حول ما يجب أن تفعله إسرائيل كل معبد واتحاد يهودي ومؤسسة يهودية في الولايات المتحدة -بما في ذلك أيباك".
ويشير فريدمان الى أن الحديث عن حل الدولتين وبأنه موجود على طاولة البحث ساهم في تخفيف حدة هذا النقاش" ولكن بمجرد اختفاء هذا الخيار، سيشتعل هذا النقاش في العالم اليهودي وبين التقدميين ومؤيدي إسرائيل في كل حرم جامعي في الولايات المتحدة".
ويشير الكاتب إلى أنه قبل ترامب، مارس الرؤساء الديمقراطيون والجمهوريون على حد سواء دور "مُنفِّذ الواقع" مع القادة الإسرائيليين والعرب. إذ كانت مهمة الرئيس الأميركي دائماً هي رسم خطوط حمراء حتى يمكن لرؤساء الوزراء الإسرائيليين أو القادة العرب أن يقولوا للمتطرفين بين صفوفهم: "مهلاً، أود أن أفعل هذا الشيء المجنون الذي تريدونه مني، وأساندكم بقلبي... لكن الرئيس الأمريكي سيكسر ذراعي إذا فعلت ذلك، لذا لن نفعل هذا الشيء المجنون الذي تقترحونه، على الرغم من أنني أساندكم بقلبي!".
ويقول فريدمان "لقد تخلى ترامب عن هذا الدور الأميركي، وتبنى بدلاً من ذلك سياسة إضعاف السلطة الفلسطينية التي تحكم الضفة الغربية بشكل مطرد بينما يرفع بثبات أي قيود مفروضة على الضم الإسرائيلي الزاحف للضفة الغربية. وقد بدأ التغيير مع التقارير السنوية لوزارة الخارجية الأميركية حول ممارسات حقوق الإنسان قبل عامين، عندما استبدلت وزارة الخارجية تصنيف "إسرائيل والأراضي المحتلة" بـ"إسرائيل، ومرتفعات الجولان، والضفة الغربية، وقطاع غزة". وقد واصلت وزارة الخارجية استخدام كلمة "الاحتلال" في تقرير عام 2017 ولكن بشكل أقل، ولكن تقرير عام 2018 لم يشر إلى كلمة "الاحتلال" على الإطلاق".
ويصف فريدمان نهج ترامب المتهافت تجاه إسرائيل والحلفاء العرب بأنه تحول إستراتيجي، ولكنه لم ينطوِ في الواقع على أي تفكير إستراتيجي "فهو مدفوع في الواقع بسعي ترامب لتلقي المزيد من التبرعات للحملات الانتخابية من شيلدون أديلسون، المتبرع اليهودي اليميني الكبير، ولحمل اليهود على هجر الحزب الديمقراطي والتصويت للجمهوريين -من خلال كسب تأييد نتانياهو لترامب، وإعطاء الزعيم الإسرائيلي في المقابل أي شيء يريده، بما في ذلك تأييد رئاسي ضمني لإعادة انتخابه".
ويحذر فريدمان "يعرف الكثير من مسؤولي أيباك أن كل هذا يمكن أن ينتهي بكارثة بالنسبة لإسرائيل، لكنهم خائفون للغاية من التحدث علانية. ومن ثم، تواصل الولايات المتحدة إضعاف وتهديد السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس بسبب /تحريضهما/ ضد الإسرائيليين، بينما تغض الطرف عن تعاون عباس الأمني الفعلي والحيوي والهادئ للغاية مع إسرائيل -وبينما تلتزم الصمت عندما يستفز نتانياهو عرب إسرائيل ويخبرهم بأنهم ليسوا مواطنين حقيقيين في إسرائيل. ويهدف تحريض نتنياهو ضد العرب الإسرائيليين إلى ان يجعل من المستحيل على خصومه تشكيل ائتلاف حاكم يمكن أن يطرده من السلطة. وفي الوقت نفسه، أقام نتنياهو شراكة مع حزب القوة اليهودية اليميني المتطرف، وهو حزب عنصري ومعاد للعرب إلى درجة أن المحكمة العليا في إسرائيل منعت زعيمه الأسبوع الماضي من الترشح للبرلمان. ولكن إدارة ترامب لم تنطق بكلمة لإدانة هذا التحالف مع العنصريين المعادين للعرب، ولم يفعل كذلك الديمقراطيون في الكونغرس الذين سارعوا للتنديد بتعليقات عضوة الكونغرس إلهان عمر" التي فسرت بأنها معادية للسامية حول أثر اللوبي الإسرائيلي".
ويستمر فريدمان في تحذيره "سيكون لهذا المعيار المزدوج عواقب إستراتيجية، لأن عباس هو الأمل الأخير لإبرام اتفاق قائم على حل الدولتين بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وتوفر السلطة الفلسطينية أيضاً بنية أساسية حيوية للحياة الفلسطينية، وتقدم تعاوناً حيوياً يومياً مع أجهزة الأمن الإسرائيلية التي أبقت الضفة الغربية هادئة إلى حد كبير لسنوات، وأعفت إسرائيل من تكاليف ومتاعب إدارتها مباشرة. غير أن السباق الجاري بين ترامب والديمقراطيين حول من يمكنه أن يكون أكثر تأييداً لإسرائيل قد أدى إلى سلسلة من الإجراءات العقابية الأميركية -قانون تايلور فورس في آذار 2018، وقانون التوضيح المعادي للإرهاب الصادر في تشرين الأول 2018، وإنهاء جميع المساهمات الأميركية المقدمة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، التي تمول المدارس والخدمات الاجتماعية الفلسطينية- التي وضعت السلطة الفلسطينية على حافة الانهيار. وسيعجِّل ذلك من مجيء اليوم الذي سيقول فيه الفلسطينيون لنتنياهو وترامب: "حسناً، لقد انتصرتم يا رفاق وخسرنا نحن، وقد انتهى حل الدولتين، لذلك دعونا نصبح مواطنين إسرائيليين وامنحونا حق التصويت".