اطلس:حذفت وزارة الخارجية الأميركية من موقعها الذي يحدد لائحة "بلدان ومناطق الشرق الأدنى" خلال الاسابيع القليلة الماضية عبارة "الأراضي الفلسطينية" دون انتباه أو تعليق من أحد.
وحين تم كشف الموضوع يوم 23 آب 2019، وثارت التساؤلات حول ذلك، ردت الخارجية الأميركية على استفسار مراسل "القدس" في واشنطن بشأن ذلك بالقول أن "الموقع يخضع للتحديث، ولم يتغير اي شيء بالنسبة لموقف الولايات المتحدة من الفلسطينيين". ولكن يتضح أن هذه العملية في حقيقتها تتطور منذ مجيء إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، واستلام ديفيد فريدمان موقع سفير الولايات المتحدة في إسرائيل.
واكتشفت "القدس" بهذا الشأن أن السعي "لتحديث موقع وزارة الخارجية الأميركية" بدأ في ربيع عام 2017، بالتزامن مع استلام فريدمان موقعه، كجزء من مخطط يبدأ بالاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل (6/12/17)، ونقل السفارة الأميركية إليها (14/5/18) ، وإغلاق مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية (10 /10/ )2018، وإغلاق القنصلية الأميركية في القدس الشرقية المحتلة التي عملت دبلوماسيا بشكل مستقل مع الفلسطينيين لمدة 175 عاما ودمجها تحت سيطرة فريدمان وهو ما حدث يوم 4 آذار 2019، ومن ثم حذف صفة "محتلة" عن القدس الشرقية، والضفة الغربية والجولان السوري، وهو ما حدث بتاريخ 14 آذار 2019، والاعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية وهو ما حدث يوم 25 آذار 2019.
ويتضح من ذلك ان هناك مساراً "منطقيا" للإجراءات الأميركية لتهميش "فلسطينية" القضية الفلسطينية على طريق تصفيتها.
فمنذ اعتراف ترامب بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، يوم 6 كانون الأول 2017 الماضي، وإعلان الفلسطينيين أنهم لن يخوضوا أي مفاوضات مع المسؤوليين الأميركيين إلا بعد تراجع الإدارة الاميركية عن قرارها هذا، اتخذت ادارة ترامب إجراءات عقابية متتابعة ضد السلطة الفلسطينية بالتحديد ، والفلسطينيين بشكل عام، حيث قامت أولا بتخفيض المساعدات المالية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين – الأونروا UNRWA ، ومن ثم أوقفتها بشكل كامل، وتبع ذلك قطعها كل المساعدات عن السلطة الفلسطينية، وأغلقت مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وأغلقت القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، كما اتخذت خطوات كثيرة ضد الفلسطينيين العاديين، تمثلت بفرض القيود على دخولهم للولايات المتحدة، مرورا بقطع المساعدات عن مستشفيات القدس الشرقية المحتلة، ووقف عمليات "وكالة الولايات المتحدة للتنمية الدولية USAID " في الضفة الغربية وقطاع غزة.
كما أن إدارة الرئيس ترامب اعترفت بسيادة إسرائيل على الجولان العربي السوري المحتل يوم 25 آذار الماضي، ضاربة بعرض الحائط القوانين والأعراف الدولية، ولم تعلق على أو تدحض تصريحات السفير الأميركي في إسرائيل فريدمان بأن "لإسرائيل حق ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة" وذلك في مقابلة له نشرت يوم 8 يونيو 2019.
للوهلة الأولى يبدو أن إدارة الرئيس ترامب، التي أصدرت عشرات التصريحات بشأن مساعيها لبلورة خطة سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، عرفت باسم "صفقة القرن"، وأن اكتمال هذه الخطة والإعلان عنها بات وشيكا، تعمل بشكل ممنهج، يقود في نهاية المطاف إلى حل لا يقوم على أساس حل الدولتين، ولا على أساس الشرعية الدولية (قرارات مجلس الأمن 242 و 338)، أو يأخذ بعين الاعتبار "خطة السلام العربية" التي ألقيت في سهلة المهملات حتى من الإدارات السابقة التي تشدقت بحل الدولتين.
ولا تخفي الإدارة الأميركية ازدرائها للقوانين الدولية، حيث أن فريق الرئيس ترامب لعملية السلام المكون من صهره ومستشاره الأول لخطة السلام، جاريد كوشنر، ومبعوثه للمفاوضات الدولية، جيسون غرينبلات، وسفيره في إسرائيل ديفيد فريدمان، تحدثوا علنا عن أن خطتهم ترتكز على مبدأ "حكم ذاتي عندما يصبح الفلسطينيون أهلا لحكم انفسهم" وفق تصريحات فريدمان على شبكة سي CNN يوم 30 تموز الماضي. أو استهتارهم بالقوانين الدولية بحسب تصريحات المبعوث جيسون غرينبلات أمام مجلس الأمن يوم 23 تموز الماضي عندما اصر أن المحافل الدولية "ليست المكان لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولا القرارات الدولية هي الوسيلة" .
يبدو واضحا أن هذه الادارة الاميركية الحالية بقيادة ترامب، تعمل بشكل حثيث من أجل أن تعزز حظوظ رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في الفوز بالانتخابات المقبلة يوم 17 أيلول 2019، كما فعلت في انتخابات 9 نيسان الماضي، التي لم تُمكن نتنياهو من تشكيل حكومة جديدة رغم فوزه فيها مما دعا لاجراء انتخابات مبكرة. وليس مستبعدا أن يوافق الرئيس الأميركي على "الاعتراف بحق إسرائيل" في ضم أجزاء من الضفة الغربية بالتزامن مع انتخابات 17 ايلول الإسرائيلية، لضمان تأييد المستوطنين الإسرائيليين لنتنياهو بما يضمن له الفوز.
لعل الإدارة الأميركية تعتقد أنه من خلال إسقاطها عبارة "الأراضي الفلسطينية " او "أراضي السلطة الفلسطينية" أو الاكتفاء بذكر كلمة فلسطينيين فقط كجزء من إسرائيل، تستطيع خلق الوقائع الجديدة على الأرض التي تضمن استحالة قيام "حل الدولتين"، وتضع الفلسطينيين أمام خيار حكم ذاتي منقوص.
لا غرابة إذا في أن تقوم بإسقاط الإشارة إلى "الأراضي الفلسطينية" كون ذكر ذلك سيشير ضمنا إلى اعترافها بالاحتلال الإسرائيلي، ويضعها أمام حرج سماحها لاستشراء الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين، والتطهير العرقي للفلسطينيين وعدم مساءلة أو محاسبة إسرائيل على انتهاكاتها التي لا تحصى لأبسط حقوق الإنسان الفلسطيني، بل ضلوع سفيرها في إسرائيل فريدمان، ومبعوث الرئيس الأمريكي غرينبلات شخصيا يوم 30 حزيران الماضي بعملية تخدم تهويد بلدة سلوان في القدس الشرقية المحتلة حين شاركا في عملية افتتاح نفق هناك.