تفاجأت منذ دخولي من باب المدرسة للجو العام ، حيث أن الأمر يختلف عن كل الزيارات السابقة ، قابلتني بعض الطالبات بالترحيب ، وأشرن إلى قاعة موضحات ( أن التصويت هناك ) ، وكانت بعض الطالبات يضعن بطاقات على ( المريول المدرسي) تحمل كلمة " مرشحة " ، أحسست بجدية الأمر ، وعند توجهي إلى الإدارة ، زادت المفاجأة بوجود عناصر من الشرطة وأحد أعضاء مجلس أولياء الأمور على مستوى التربية . واختتمت سلسلة المفاجآت بأن وجدت ابنتي تضع بطاقة مرشحة أيضاً ، لم تخبرني لكي لا أتدخل على حد تعبيرها ...
انتقلنا إلى غرفة الاقتراع ، فعدت بالذاكرة إلى الانتخابات العامة التي شاركت فيها شخصياً ، نفس الآلية والأجواء الانتخابية التي كدنا ننساها ، لجنة نظام ، مراقبات من الطالبات يمثلن المرشحات ، طاولة عليها ثلاث معلمات لديهن قوائم بأسماء الطالبات ، مكان على مستوى عال من الخصوصية لتكتب الطالبة اسم مرشحتها دون تدخل من أي أحد ، صندوق شفاف لوضع الأوراق ، وختم تقوم الطالبة بعد الورقة بالبصمة عليه ، لكي لا تتمكن من الانتخاب مرة أخرى . أجواء انتخابات حقيقية وتطبيق لكافة الإجراءات المتبعة في الانتخابات عموماً .
الفكرة عندها أثارت اهتماماً كبيراً لدي ، استفسرت من المديرة ومن المرشدة التربوية التي نظمت هذه الانتخابات ، فتم إطلاعي على اليافطات التي استخدمتها الطالبات في الدعاية الانتخابية ، والتي تم إزالتها حسب القانون قبل يوم الاقتراع ، أما عن آلية الترشح فقد علمت من الطالبات أن الترشح تم بشكل شخصي ورغبة ذاتية من الطالبة دون أن يتم تسمية أي من المرشحات من قبل الإدارة أو الهيئة التدريسية .
وقد رسخ في ذاكرتي بعض الشعارات التي استخدمتها الطالبات في الدعاية الانتخابية : أفعال لا أقوال ، انتماء وتعاون ، صوتك أمانة ، زيادة الرحل المدرسية ، منك صوت ومني فكرة مع بعض بنبني بكرا ، انتخبوني كيف وليش ما بعرف .... جمل وعبارات خطت بأيدي طالبات تتراوح أعمارهن مابين الثالثة عشرة والخامسة عشرة ... كم هو رائع أن يكون تفكير هذا الجيل بهذه الطريقة ، وأن يحمل هذه الأفكار التي فعلاً لا يتخذها الكبار نهجاً ولا أسلوباً في الحياة .. شعارات بسيطة ومرحة وقريبة من العقل والقلب ... ولكن في بعضها عمق وجدية ورسائل مهمة .
بعد انتهاء التصويت ، كانت عملية الفرز التي تمت بشكل علني وبحضور الجميع ، وتم الإعلان عن الطالبات الفائزات ، والاحتفال والهتافات في ساحة المدرسة ، من الملفت للنظر أن الطالبات اللواتي لم يحالفهن الحظ في الفوز تقدمن صفوف المباركات للأخريات ، روح رياضية عالية وتقبل مذهل لمبدأ الفوز والخسارة .... لا أعتقد أن أياً من الطالبات ستنسى هذا اليوم ، أو هذه الأيام من لحظة بدء الترشيح إلى لحظة الترقب خلال إعلان النتائج .
فكرة الانتخابات البرلمانية للطلاب هي فكرة موجودة ضمن سياسات مديريات التربية والتعليم ، ولكن يترك المجال لكل مدرسة في تحديد آلية تطبيقها ، وأعتقد أن ما قامت به مدرسة بنات بديا الأساسية العليا هو الحد الأعلى من نهج التطبيق ، أن تجري انتخابات بكل معنى الكلمة ، بكافة مراحلها من الألف إلى الياء ...
ربما مما الأمور التي زادت من حماستي لهذا الحدث الرائع ، هو الحديث في هذه الآونة عن احتمالية إجراء انتخابات عامة لدينا ، وتوجه الأنظار لسيادة الرئيس بإصدار المرسوم الخاص بذلك ، ربما أكون قد غبطت هؤلاء الطالبات على ممارسة هذا العرس الديمقراطي على صغره ، وتمنيت أن أمارسه أنا واقعاً قريباً . وأن أرى أجواء الترشح والانتخاب والفرز والاحتفالات .
هذه المبادرة أو الرؤية الخاصة بالمدرسة ، لابد أن تكون تجربة تعمم على باقي المدارس ، ليتربى أبناؤنا على حقهم في الترشح والاختيار ، وأن يتعلموا كيف يملكون وسائل الإقناع ، والتعاون مع الآخرين ، وتقبل الخسارة برحابة صدر ، بل ومساعدة المنافس لتحقيق المصلحة العامة ، فالهدف من الانتخابات ليس الفوز والحصول على المنصب والاحتفال وتسجيل النقاط ضد المنافسين ، بل اختيار الأفضل لتحقيق المصلحة المشتركة .. إن فزت عليك أن تخدم ، وإن لم خسرت عليك أن تقدم تتعاون مع الآخر . إنها فعلاً تجربة للانتخابات تستحق الاحترام والتقدير والتعميم
فهل بات أمر إجراء الانتخابات محسوماً ؟ وسنتمكن من اختيار من نراه الأفضل فعلاً حسب قدراته وبرنامجه الواضح نحو تصويب الأوضاع التي نشكو منها الآن ، ونتشارك معاً بكل نية صافية لبناء مجتمع يحترم رأي الآخر ، ومستعد للتعاون معه من أجل الكل ..
وأن تكون شعاراتنا ودعاياتنا الانتخابية تسلط الضوء على المستقبل دون اتخاذ طريقة نشر غسيل الآخرين كوسيلة لكسب الأصوات .. ليت باستطاعتنا أن نعكس تجربة لمن يمكن اعتبارهم أطفالاً بكل ما كان فيها من عفوية ومصداقية ومباشرة ووضوح على ما نحن مقدمون عليه .. إن حصل