اطلس-بوابات حديدية كتلك المنتشرة على مداخل القرى والبلدات والمدن الفلسطينية، والتي يعمد الاحتلال إلى إغلاقها ضمن سياسة العقاب الجماعي التي يمارسها ضد أبناء شعبنا، ولكنها هذه المرة لم تكن لمعاقبة شعبنا...
جنود من الجيش الأردني (نشامى) قاموا بإغلاق البوابات التي تؤدي إلى منطقتي الباقورة والغمر الأردنيتين، هذه الأراضي الأردنية التي كان الإسرائيليون ينتفعون بها وفقاً لملحق الباقورة والغمر ضمن ما يسمى باتفاقية السلام التي تم توقيعها بين الطرفين (الأردني والإسرائيلي) عام 1994، والتي تعطي حق الانتفاع بهذه المناطق للاحتلال لمدة خمسة وعشرين عاماً.
بعد انتهاء هذه المدة، مارس الأردن حقه القانوني في عدم التجديد لمدة إضافية، وقام باستعادة أراضيه من الاحتلال، رافضاً لكافة جهود الوساطة الأمريكية والأوروبية بالتمديد، وبكل بساطة، أبلغ الجانب الآخر بعدم الرغبة بذلك قبل عام من موعد انتهاء مدة ملحق الاتفاقية، وفي الوقت المحدد استرد أراضيه.
لأول مرة نرى مواطنين يهود تمنعهم بوابات حديدية من الوصول إلى ما كانوا يعتبرونها أرضهم ، ويفرض عليهم الأردن إبراز جواز السفر من أجل السماح لهم بذلك ، لأنهم سيدخلون أراضي دولة مجاورة ذات سيادة ، علهم الاستجابة لقوانينها وسياساتها.
المزارعون المنتفعون من هذه الأراضي اعتبروا أن هذا اليوم هو يوم أسود في تاريخهم، ويطالبون الأردن بالتعويض عن (أراضيهم)، فيما يعتبر النشامى أن هذا اليوم هو أبيض في تاريخ الأردن، الذي استعاد آخر شبر من أراضيه، ورفع العلم الأردني فوقه، وفرض سيادته بالكامل عليه.
لمن لا يعرف فإن أراضي الباقورة الواقعة في شمال الأردن ضمن محافظة إربد ، هي أراض مسجلة في طابو إربد باسم اليهود فعلاً ، حسب ما أشار إليه رئيس الوزراء الأسبق (عبد السلام المجالي)، ولكنهم استولوا عليها بعد حرب النكبة وتحديداً عام 1950، فالأصل في ملكيتها يعود للأردن وليس لليهود. في حين تقع منطقة الغمر في ضمن حدود محافظة العقبة، تم احتلالها عام 1967.
وقد جاءت الخطوة الأردنية بخلاف كثير من التوقعات التي أشارت إلى إمكانية استجابة الطرف الأردني للمطالب الإسرائيلية بتجديد فترة انتفاع الأخيرة بهذه الأراضي ، وأن الأردن لن يستطيع الوقوف في وجه التلميحات الإسرائيلية بمعاقبة الأردن بتقليص كمية المياه التي يزود بها الاحتلال عمان ، ولكن في الحقيقة أن طبيعة العلاقات الأردنية الإسرائيلية برغم اتفاقية السلام مرت خلال العام الماضي بالكثير من الأزمات، فلا ننسى حادث إطلاق النار قرب السفارة الإسرائيلية في عمان والذي أدى على وقوع شهيد أردني ، كذلك مسألة الانتهاكات الإسرائيلية في مدينة القدس وتحديداً مساسها بالأماكن المقدسة ، والتي مازالت تحت الوصاية الهاشمية ، وأخيراً جاءت قضية الأسرى الأردنيين (اللبدي ومرعي) التي تم الإفراج عنهما مؤخراً، والتي اعتقد البعض أن الإفراج عنهما جاء ضمن شروط من الجانب الإسرائيلي (ربما كانت الباقورة والغمر أحدها).
جاء الموقف الأردني ليضع حداً لكافة التحليلات والتكهنات، جاء صفعة في وجه سياسة نتنياهو الخارجية (تحديداً مع العرب) التي ما انفك يتغنى بإنجازاته فيها.
كما أنه جاء صفعة في وجه كل من يتطاول على الأردن ويشكك في مقدرته على الوقوف في وجه الاحتلال وفرض موقفه عليه.
منذ عام قال الملك عبد الله أن الباقورة والغمر أراض أردنية لا يمكن التنازل عنها، وها هو يثبت ذلك ويغلق البوابات في وجه من لا يملكونها، لتعود لأصحاب الحق.
وإن كان جانب قد قال أن هذا يوم أبيض، وآخرون قال أنه أسود ، فإنه في نظري أسود وأبيض وأخضر ومثلث أحمر تتوسطه نجمة سباعية بيضاء.