قد إعترفت بحق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير مصيره، وتراجعت عن الاعتراف بالقدس كعاصمة لدولة الاحتلال، ودعت الكيان الاسرائيلي الى الالتزام بقرارات الشرعية الدولية وقدمت إعتذارا للشعب الفلسطيني جراء سياساتها المتعاقبة تاريخيا التي أضرت بالشعب الفلسطيني ودعت الى تطبيق قرارات الشرعية الدولية بعودة اللاجئين وغيرها من الخطوات والإجراءات ليس فقط لصالح القضية الفلسطينية بل لكافة الشعوب التي تعاني من ويلات السياسات الأمريكية.
لو إفترضنا أيضا أن باقي الدول ومنها بريطانيا حذت حذو الولايات المتحدة، بحيث قدمت بريطانيا إعتذارا للشعب الفلسطيني لتقديمها وعد بلفور، وأكدت أن الصهيونية ما هي إلا شكل من أشكال العنصرية، ودعت كيان الاحتلال الى التطبيق الفوري لكافة حقوق الشعب الفلسطيني بل وتعويضهم عما لحقهم من معاناة جراء الوعد المشؤوم وهددت بإعمال الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة فيما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان.
لو إفترضنا أن هذه التحول الدراماتيكي قد حصل، فهل كنا نصدق؟
بالطبع لا ... سنقول من دون أدنى شك " الموضوع فيه ... إن" ، ببساطة لأن تاريخ البشرية الحديث قد سلّحنا نحن، ليس فقط بعدم توقع ما هو لصالح الشعوب من أمريكا وزبانيتها، بل أيضا الشك في أي خطوة قد يقدمون عليها. لذلك رددت الشعوب أهزوجة " علمنا جيفارا وقال .. أمريكا راس الحية .. ما بدها راحة البال ... ولا مخدّة طرّية .. بدها مدفع ورشاش .. وقنبلة يدوية".
على إمتداد أكذوبة المساعدات الأمريكية عبر وكالات متعددة، لم يكن الهدف منها تقديم المساعدات والإغاثة بقدر ما كانت تهدف أولا الى تحقيق بعض الأهداف الاستخبارية، وثانيا التواجد على الأرض، وثالثا التأثير الفكري والأيدلوجي، ورابعا مقاومة أي فعل مناوىء للسياسات الأمريكية.
لهذا كله ولأسباب أخرى لا نستطيع أن ننظر الى ما يسمى " بالمستشفى الميداني الأمريكي " على حدود قطاع غزّة إلا بالريبة والحذر والشك. ومهما تنوعت التحليلات والآراء حول أهداف هذا التواجد الأمريكي إلا أن الجميع متفق على أسس واحدة مفادها أن أمريكا ما هي " إلا دبور ما في منو عسل".
وبالتناوب، كما يقول رجال ونساء القانون، طالما أن هذا التواجد يحظى بموافقة ودعم الاحتلال فإن دائرة الشكوك تتسع بأن المخفى أعظم.
فما بالكم، إذا هبط هذا المشروع " بالبراشوت" دون مقدمات وفي زمن قياسي سريع للغاية، ما يعزز القناعة أولا بعدم براءة فكرة المستشفى الميداني وثانيا بأن مباحثات وتفاهمات قد تمت بين الأطراف ذات العلاقة توّجت بحقيقة أن " المستشفى الميداني" قد أصبح حقيقة واقعة على الأرض، ستكشف لنا الأيام بعض الأهداف غير المعلنة المرحلية والدائمة.
لذلك أيها الأحبة، لا ترهقوا أنفسكم كثيرا بالتفكير أو التكهنات، فالحقائق قد أصبحت على أرض الواقع، ولن يقام مستشفى ميداني "روسي" الى جانب " الأمريكي" أو أن يقام في الضفة الغربية، وفي المرحلة الحالية فإن الجميع سيقف موقف المتفرج ولن يكون بمقدور أي منهم فعل أي شىء مناويء، والمؤكد أن أهلنا في قطاع غزّة سيكونوا ضحية مؤامرة جديدة مغلّفة بمسمى " مساعدات إنسانية".
مجرد بقعة ... ضوء