اطلس- كان أول من قابلته عند دخولي جامعة بيرزيت وأنا أبحث عن دائرة القبول والتسجيل ليقول لي النصيحة الأولى بعد أن أرشدني على الطريق" التعليم
في كل مكان واحد ..الرياضيات هو الرياضيات وكتاب الهندسة واحد في كل الجامعات وتدريس اللغات يشبه بعضه ... إحنا هون في بيرزيت بنخرجك بأكثر من شهادة إذا بتحب.. بيرزيت بتعطي مفتاح للعقل والشاطر من يستخدمه.. بيرزيت ما بتخرج طلاب بيرزيت بتخرج روّاد في مختلف المجالات".
هو ذلك الإنسان الذي لا تنساه إن إجتمعت معه ولو مصادفة، سيترك شيئ ما في عقلك وقلبك وتمضي معجب به وبمهاراته ولغته وطاقاته المتعددة والأهم بوطنيته المنبثقة من حجارة القدس وبالتحديد من الحي الأرمني.
برائحة دخان غليونه تستطيع تتبع أثره أينما ذهب في الجامعة، وعندما تجد مجموعة من الأجانب يلتفون حول شخص يكون هو ذلك الشخص، في الأزمات يكون هو العلاج، في الفرح تُميز ضحكته، وفي الفكر تُميز تمرده، وفي مواجهة الظلامية يكون عقله النور.
سأعترف بأنه كان المعلم والمساند الدائم لي في الجامعة، هو من أعاد صقلي وغير أشياء كثيرة بفهمي للحياة، اعتنى بي كإبن له، أسأل فيُجيب، يتحدث فأستمع، أرافقه بفخر عندما تأتي الوفود للجامعة، كل جولة كانت تختلف بالمضمون مع أن الجامعة هي الجامعة!! يمزج بين السياسة والإقتصاد والفن ونبض الجامعة، يتحدث عن الأديان والتنمية والتاريخ وفضاء بيرزيت.
عام 1998 طلبت منه أن يغادر مكتبه مع زملائه في دائرة الإعلام والعلاقات العامة لأننا سنغلق مبنى إدارة الجامعة بالجنازير بسبب رفع أسعار الأقساط، إحمرّ وجهه لدرجة الغليان ليرفع صوته عالياً" يا مهداوي يا مهداوي غلط اللي بتعملوه" أجبته بصوت مرتفع:" إحنا بنحمي بيرزيت من الرأسمالية بيرزيت مش للطابق الفوق_ أقصد الإدارة_... بيرزيت النا وهي علمتنا كيف نحميها" إبتسم مُعلمي إبتسامته الشهيرة ليخرج معي وعند درجات مبنى الإدارة صاح قائلاً "إحموها ما تخربوها".
في إحدى الفصول الصيفية قام بتدريس مادة الدراسات الثقافية العربية التي تعرف بإسم “CS”، وأخيراً التقينا كمعلم وطالب في محاضرة داخل الصف، كان فكره يفوق الكتاب الذي يدرسه لدرجة بأننا كنّا نستمتع ونحن نستمع له أكثر من قراءة النص، يحاورنا دائماً بالقول أريد التفكير خارج إطار ما هو مكتوب، تعلمو ما هو غير موجود في الكتاب، علينا تشريح العقل العربي من أجل محاولة فهم لماذا تم كتابة هذا النص!! كان يعلمنا النقد وتفكيك النصوص وليس حفظها!! ليس المهم ما قاله طه حسين أو أمين معلوف المهم هو لماذا كتب هذا النص وما هو نقدك ووجهة نظرك؟
مشروع تخرجي كان حول " دور دائرة العلاقات العامة والإعلام في جامعة بيرزيت في نقل رسالتها" ليكون هو رئيس لجنة المناقشة، ويحتد الحوار في جلسة النقاش بخصوص النتائج التي وصلت لها في بحثي بأن هناك نجاح في صورة بيرزيت خارجياً لكن داخلياً الدائرة بحاجة الى مزيد من الجهد وخصوصاً بين العاملين والأساتذة والإدارة، مساء ذلك اليوم إحتفل بي أكثر مما أنا إحتفلت بذاتي ليأخذني الى حانة زرياب في رام الله.
بعد تخرجي كنّا نلتقي مصادفة في المؤتمرات التي يتواجد بها كونه المترجم، يتفاخر بأنه ترجم كلمة ما بطريقة أدت الهدف المراد منه وليس بالنص الحرفي، نتحدث عن واقع البلد يتحدث هو بحزن عن القدس، نذهب الى المقهى معاً يدخن أرجيلة "التمباك" نشرب قهوتنا ثم نجدد فنجان آخر نودع بعضنا البعض: "سلام يا مهداوي" "سلام يا ألبرت سلام".