اطلس: دأب العديد من الفلاسفة والعلماء وخاصة اليونانيون على دراسة ومناقشة المنطق والقوانين والعديد من المفاهيم الاجتماعية، بهدف تنظيم الحياة البشرية على هذه البسيطة. وتجلى فكر افلاطون بالمدينة الفاضلة دون إلغاء الملكية، وعلى الرغم من موقفه الإنساني إزاء هذه التشكيلات البشرية
إلا انه لم يخرج عن عالم المثالية رغم مناقشته للعديد من مفاهيم الخير والشر والفضيلة، ورأى ارسطو بأن هذا الكائن الحي يتميز عن باقي الكائنات بقدرته على التجريد والتحكم بالغرائز والرغبات والابتعاد عن الرذيلة. وإعتبر " الفضيلة بأنها علم، والرذيلة جهل"، علماً بأن سبنر قد ذكر " باننا كثيراً ما رأينا علماء عارفون ولكن فاسدون أخلاقياً" وقد أصاب سبنر كبد الحقيقة من خلال الرؤية الثاقبة للماهية البشرية، والمصالح الذاتية، علماً بأن فضل الفلاسفة والعلماء على البشرية لا يقاس في عملية التطور الإنساني والحضاري من خلال الاكتشافات العلمية والمعرفية، وحل ألغاز قوانين الحياة والطبيعة وتقديم العديد من الاختراعات، وتصنيع الادوية لمعالجة الامراض والاوبئة.
لقد صدق سبنر عندما قال " عارفون لكن فاسدون".
ولعل التاريخ خير شاهد على ذلك ، فإن علماء وفلاسفة البلاط والسلاطين والحكام والأنظمة، الذين جيّروا العلم والفلسفة والدين لصالح الأنظمة والطبقة الحاكمة، وسنوا قوانين العبودية وشرّعوا الشرائع والاحكام لخدمة تلك الطبقة، بل وقسموا العالم حسب اللون والعرق والدين، وانشأوا المدارس والقوانين. ومن رحم ذلك كله برزت وترعرت النازية الفاشية والصهيونية والعديد من المذاهب لخدمة الطبقة الحاكمة، على اثرها نشأت الحروب والفكر العدواني من خلال تشريعاتهم في التميز الطبقي والحضاري، واستغل الحكام ذلك في الغزوات والسلب والنهب بل والاتجار بالإنسان تحت مسمى الرق.
وبعد مرور مئات السنين والتطور العلمي والتكنولوجي والمعرفي والحضاري، استمر الصراع القائم بين المدرسة المثالية ومدرسة أخرى علمية ارست قاعدة التصالح مع الذات في اعتبار الكائن البشري أغلى ما نملك في هذه الحياة وإعتبار أن المقدرات والخيرات حق من حقوق الانسان المقدسة للتمتع بها. لان القيم الاجتماعية القائمة على الفضيلة والعدل والقناعة والعطاء والتعاون والاقدام ما هي إلا مفاهيم مختصة بذلك الكائن.
والسؤال المطروح ماذا تعني الفوضى الخلاقة عند كوندليزا رايز؟ ماذا تعنى الديمقراطية الزائفة؟ وماذا يعني الربيع العربي، في ظل شريعة الغاب والقوة؟
وخلال نظرة لما شهده العالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية، "حول وباء الكورونا" من حق كل انسان السؤال اين العلم والتقدم والانتقال بالإمكانيات وعلم الحاسوب امام هذه الجائحة؟
إن من يقف على رأس الهرم الدولي علمياً وتكنولوجياً وعسكرياً وقف في الأيام الأولى متفرجاً يتحدث عن الازمات المالية والصراعات الاقتصادية دون أن يعلم بأن الفايروس لا يميز طبقياً او عرقياً او دينياً، ويفتك بالبشرية جمعاء، بل نشأ التباين الأخلاقي بالتعاطي مع هذا الجائحة حيث شهدت الأسواق الامريكية حربا دروسا على ورق التواليت، وتهافت الاعراب على شراء ورق التواليت ومواد التنظيف والمعقمات.
أما الصين البلد الأول الذي حلّ به هذا الوباء فقد تضافرت الإمكانيات والجهود المعرفية والعلمية الى جانب حكومة رشيده، مسلحة بقيم سامية ونبيلة ووقفت تدافع عن الانسان والقيم الإنسانية النبيلة من تضحية وتعاون وتعاضد داخلي ووطني والتحم الجيش والشعب داخليا لإنقاذ الانسان والمواطن كواجب وحق وانطلاقا من المبادئ والأخلاق الأممية هبت الصين لمساعدة العالم.
أما الاستعمار الحديث المتجسد بأمريكا وأوروبا بشكل مباشر وأيضا من خلال البنك الدولي والقروض والحصار، وفرض الاستعباد والهيمنة والظلم والاضطهاد لشعوبهم بالأساس وعلى العالم اجمع، فلم يلتفت للسلم والأمان لشعوب العالم والبشرية كيف لا وهم أصحاب فكر الملكية التي تجيز وتسخر العلم في الظلم والاستبداد والدمار تحت شعارات زائفة من الديمقراطية والحرية وتدمير العلاقات الاجتماعية والانسانية.
انها الملكية وفائض القيمة، فالتضخم بالملكية يدفع الانسان للبحث عن الترف خارج المألوف وخارج قوانين الطبيعة وهل من قبيل الصدفة؟ أن تكثر عمليات السلب والنهب والتدمير للمحال والمؤسسات التجارية وشراء الأسلحة لحماية الذات؟ وهل كان مستغربا عمليات القرصنة والسلب لقوافل المساعدات المرسلة من الأنظمة والدول الى تلك البلاد حيث إنتشر الوباء؟
في الوقت الذي كان فيه العالم ينزف والوباء يفتك بالشعوب كانت الامبريالية وعلى راسها ترامب تهدد وتحاصر الأنظمة والدول، ، فهل من قبيل الصدفة أن يصل دخل شركة "بلاك ووتر" وهي احدى شركات القتل ما يقارب ٩ مليارات دولار، إنها احدى الشركات التي شكلها ضباط المارينز كمشروع استثماري يهدف الى القتل والهدم تحت مسمى الامن، وإدارة الازمات واخطر ما بالقضية ضرب القيمة الوطنية والواجب العسكري للجيوش الوطنية بالدفاع عن الوطن والمواطن لتتحول بعض فيالق هذه الجيوش الى مجموعة من المجرمين والمرتزقة والقتلة المأجورين ضد الإنسانية حيث تشكلت من العسكرين المتقاعدين للعديد من الدول والشعوب، فتم اغتصاب القيم الإنسانية والانتماء الوطني وتحولت الى عناصر تقاتل أبناء جلدتها ، أمثال الذين يحاربون بالعراق وفلسطين واليمن وأفغانستان والعديد من المناطق، حيث جرى قتل الرحمة والإنسانية، وتجريد هذا الكائن من صفاته النبيلة امام حفنة من الدولارات. وجرى تفريخ شركات محلية وعالمية في كل من بريطانيا ومصر بوصفها شريكا امنيا تنتشر في تسع دول، ولقد وقع مؤسس الشركة اتفاقيات وعقود بمئات الملاين مع الحكومة الامريكية بالإضافة الى الميزانية السرية للعمليات السوداء ضد الشركات والافراد مما دفع احد اعضاء الكونغرس الى القول "من منطلق عسكري باستطاعة بلاك ووتر الإطاحة بكثير من حكومات العالم، حيث يديرها شخص واحد الملياردير أريك برينس، الذي ينتمي للتيار المسيحي اليميني الراديكالي ويعد من ممولي حملة انتخابات جورج بوش الابن ولأجندة اليمين المسيحي الصهيوني العريضة ودورها في حرب اسماها الرئيس بوش نفسه حرباً صليبية، علماً بأن عائلته تملك سبعة الاف فدان على شاطئ بحيرة ماكاناوا في ولاية كارولينا الشمالية".
في ظل الحرب الأيديولوجية فإن الفرق بين القيم الإنسانية والاجتماعية يبدو جليا حتى على صعيد الجيوش القومية بإنتمائها وتلاحمها مع شعبها والسهر على حمايته والتلاحم والتعاضد الداخلي، والتحلي بالاخلاق والقيم في الحروب والنزاعات الخارجية وتحريم قتل الأطفال والشيوخ والنساء، واحترام العقيدة ودور العبادة والممتلكات بعيداً عن نزعة الاجرام والقتل والتنكيل والانتقام.
ان العلاقة الصحية والسليمة بين المواطن والسلطات الحاكمة وأجهزتها {دولة المؤسسات} تتمثل في المعادلة الموزونة بين الحقوق والواجبات وتوفير الامن الاجتماعي والرعاية الصحية والأمن الثقافي والتعليمي والغذائي وسن القوانين التي تحمي المجتمع والعلاقات الاجتماعية ومحاربة الفساد والمفسدين والكسب الغير مشروع والمنافسات غير الشريفة وبضمنها سطوة البنوك التمويلية وتركيز البعض على الكماليات والرفاهية.
هل تعلم أيها القارئ ان المدن الامريكية تحتوي على الكازينوهات وبيوت الدعارة بأشكالها وتخصصاتها واوراق اليانصيب ومراكز التعري كما تباع الأسلحة الرشاشة والمتوسطة بالمحال ناهيك عن أدوات الفسق والشعوذة ،كما ان لكل ولاية تشريعاتها وقوانينها الخاصة كذلك المخدرات بأشكالها وانواعها، تحت مسمى الحرية الشخصية وتشرع زواج الجنس الواحد لكلا الجنسين في مخالفة للقوانين الطبيعية وإيجاد النوادي والملاهي مثل نادي عبدة الشياطين، والمخنثين ولا ابالغ اذا قلت ان ما ينوف عن ٦٠٪ من ألأمريكان تعاطون المخدرات ولا مجال للمقارنة بين القيم والأخلاق وغيابها وبين الفضيلة والرذيلة وبين الخير والشر وبين الإخلاص والخيانة وبين الانانية والتكافل والتعاضد مجتمع كما قال الشاعر أبو فراس الحمداني (إذا مِـتّ ظَـمْآناً فَلا نَـزَل الـقَـطْرُ ).
أما الأيديولوجية العلمية وثقافتها فإنها تقول " ان شعباً يستعبد شعباً اخر لا يمكن ان يكون حراً" وأن "الحرية ... فهم ووعي الضرورة" وهنا لا بد من القول أن ورقة التوت قد سقطت عن الأمبريالية دون رجعة واثبتت الممارسات الأخلاقية والإنسانية لكوبا ... ذلك البلد المحاصر .. سمو النظرة الانسانية حيث أطلقت أساطيلها العلمية والطبية عبر القارات للدفاع عن الانسان امام الكورونا، وسخر الصين ذلك البلد الصناعي كافة امكانياته العلمية والمعرفية والصحية شعبا وجيشا لمحاربة الكورونا وأنطلقت جحافلها نحو العالم للمساعدة محملة بالأدوات والوسائل كواجب اممي وانساني ووصلت مساعداتها الأممية حتى الى أمريكا التي تخوض صراعا إقتصاديا معها. أما ايران ... ذلك البلد المحاصر والمجمدة ارصدته والمقاطع فقد جند كل أمكانياته والتحم الشعب والجيش في موجاهة الجائحة ولم يغفل عن مساعدة بعض الدول. وتكرر ذات المشهد من اللحمة في فلسطين ولبنان والأردن وسوريا واليمن.
وفي مواجهة هذه الصورة الانسانية البراقة بدا الفرق واضحا وجليا ففي " أعظم واقوى" دولة قضى الناس بالمئات وتصارعوا فيما بينهم على مواد التنظيف وورق التواليت وسطت المانيا وامريكيا علي قوافل المساعدات، ولا زال الفكر الاستعماري والاستبدادي العنصري، يمارس العدوان والبلطجة وهناك من لا يزال يدافع ويناصر الدمار الثقافي والقيمي الذي مورس على العالم، فهل هذا .... مصلحة مشتركة ام مكابرة؟