اطلس: قد تجد مفكرا بعيدا عن ميادين الجهاد وقد تجد مجاهدا لم يؤت من الفكر الا قليلا، في شخصية الدكتور رمضان عبد الله شلّح يجتمع الاثنان معا على درجة عالية
فهو صاحب رؤية فكرية واسعة وفي نفس الوقت يحمل روحا جهادية قوية ومثابرة وقد أضاف الى هذه وتلك فهما سياسيا ثاقبا أهّله لأن يمارس بالفعل توازنات سياسية راسخة وثابتة وقادرة على أن يقود حركة جهادية بحكمة عالية لا تلين لها قناة ولا تغويها سياسات باطلة..
فهو على مدار ما يقارب عشرين عاما قاد فيها حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، بالفعل لم توقعه الموازنات السياسية في شباكها رغم وعورة الطريق ودقّة المسير، لم يكن المسار سهلا فقد عصفت في الساحة الفلسطينية عواصف عاتية عدّة كان أشدها عاصفتان: اتفاقية أوسلو وما نتج عنها من قيام سلطة بانتخابات تشريعية وتشكيل حكومات متعاقبة كان الموقف الثابت منها عدم المشاركة على قاعدة: أن دولة أو كيان سياسي تحت سقف الاحتلال لن يكتب لها النجاح، أما العاصفة الثانية وهي الانقسام وتداعياته القاسية على الوضع الفلسطيني بشكل عام، قيادة الدكتور رمضان لم تنخرط في الانقسام وبقيت داعية للوحدة ونابذة له بكلّ ما أوتيت من قوّة.
والدكتور رمضان لا يعرف الانحناء أمام العاصفة ولم تثن من عزائمه كثرة الاعداء وهول الظروف العاتية، لم يفتّ من عضده المكر السياسي ولا الحروب العسكرية العاتية، بقيت شرائع عزائمه مرفوعة تواجه وتصرّ على التضحية ودفع ثمن هذه المواجهة مهما كان الثمن باهظا لان القدس في قلبه مزروعة وتعني له ما تعني من مكانة وقداسة فهي تستحق منه كلّ غال ونفيس.
وعلى صعيد الجبهة الداخلية لم يستفزّه الخصوم والمخالفين لأية صراعات جانبية تحرفه عن القدس وبوصلة المقاومة ورغم تعرض المئات من كوادر وعناصر حركته للاعتقالات السياسية الدائمة وحفظ مكان دائم لهم في زنازين السلطة. وأحيانا وفي بعض الظروف الاستثنائية الحساسة كان الاختلاف يحتدم مع حركة حماس ويصل الى درجة ساخنة فيأتي العقلاء من الطرفين لرأب الصدع وإبقاء الخلاف في أدبياته الحميدة بعيدا عن أضراره السلبية المدمّرة. ولو تصوّرنا العكس وهو الاستجابة للصراع الداخلي والانخراط في أتون العصبيات الحزبية القاتلة لكان الدمار الشامل والهلاك لكل الفرقاء والغرق في بحر دم ليس له آخر لا سمح الله، ولكنها القيادة الحكيمة التي تبلسم الجراح وتؤكد الصراع على جبهة الأعداء الحقيقيين للقدس وفلسطين.
فلا ريب في هذا لأن القدس أولا تسكن أعماقه ولا ينبغي أن يحيد عنها مهما جلّ الخطب أو عظم الاستفزاز، وكذلك يعرف تماما مخططات عدوّه فلا يمكن أن يقع في شباكهم وتنحرف البوصلة فيقع في صراع جانبي غير محمود العواقب ولا يصب الا في صالح أعداء قضيته، وكان يدرك تماما كيف نتحوّل الى خدمة مخططات اعدائنا إذا ضللنا الطريق وفقدنا البوصلة التي تنحرف عن القدس ، فالقدس عنده هي باروميتر الصادقين وكاشفة زيف الزائفين.
ولم تطغ نشوة زعامة أو اعتداد عال بالنفس لصاحب هذا القلب الكبير على تداعيات المرض كما فعل كثيرون من زعامات العرب( وكأن النساء عجزن أن يلدن مثلهم) فوصل الى حافّة الموت وهو متمسك بكرسي الزعامة، الدكتور اعتزل القيادة في اللحظة المناسبة فآثر الخاتمة الشاهدة على روحه العالية.
وكان رحمه الله إذا تحدث في السياسة لا يشعرك بقسوتها وإنما يغمرك برقّة قلبه وحنانه الدافق، يجمع بين الخطاب الديني والسياسي بمعادلة جميلة متينة وفي ذات الوقت عميقة وراسخة هادئة. يصيب كليهما دون أن يطغى أحدهما على الاخر.
الدكتور رمضان مدرسة للدين والسياسة والقيادة القوية والروح الثائرة، صاحب قلب كبير يفيض وعيا وثورة وحكمة عالية.
نحسبه من الذين قال الله فيهم : "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا "
نسال الله له منازل الصديقين المجاهدين ورفعة الشهداء في عليين حيث الرفيق الاعلى في مقعد صدق عند مليك مقتدر .