اطلس : سؤال كبير وعريض، هل الأحداث التي تسارعت في أعقاب تسجيل عملية الإعدام الفوري للأمريكي من البشرة السوداء جورج فلويد من قبل أشخاص مكلفين بإنفاذ القانون من البشرة البيضاء سوف تؤدي الى إنهيار الولايات المتحدة الأمريكية، وهل سنشهد هذا الإنهيار تماما كما شهدنا إنهيار الإتحاد السوفياتي وتفكك جمهورياته؟
ما الذي حدث؟
في التاريخ، دائما يوجد " القشة التي قسمت ظهر البعير"، حيث تندلع إثرها مظاهرات ومسيرات غضب جماهيري، قد تتسع وتشتعل أمام إما رد فعل السلطة القامع لها والمسبب مزيدا من الضحايا، أو أمام وقوف الشرطة والجيش موقف المتفرج فتتأجج، أو قد يتم قمعها بسرعة وبقسوة تجعل الجماهير تتراجع أمام بطش الآلة الشرطية والعسكرية القمعية.
في حالتنا كانت مشاهد لحظات قتل هذا المواطن الأمريكي ... القشة التي قسمت ظهر البعير، خرجت مظاهرات، غضّت الأجهزة الشرطية بصرها عنها في محاولة لإمتصاصها وإستيعابها، أسأت الأجهزة الإستخبارية تقدير الموقف، إزداد الحراك الشعبي، إنضم إليه أشخاص من غير البشرة السوداء، خرجت الأمور عن السيطرة، سارت مسيرات شعبية في كافة الولايات تخلل بعضها عمليات السرقة والنهب التي لم يرتكبها فقط ذوي البشرة السوداء بل مواطنين من كافة أطياف اللون البشري ومنهم " البيض"، لم يستطع أصحاب المحال ولا الشرطة وقفها، خرجت الأمور أكثر فأكثر عن السيطرة، بل ووقفت الشرطة متفرجة على عمليات النهب ( التي أؤكد أنها لم تنفذ فقط من أصحاب البشرة السوداء)، إزدادات هذه العمليات وإعتبرها كثيرون " جمعة مشمشية" ووصلت الأمور الى ما وصلت إليه، وسوف تستمر عمليات النهب والسرقة إلى أن تنفذ المحلات من مخزونها، ثم تتجة السرقة نحو سلع أخرى تعتبر من الكماليات وليس الضروريات، مع تزايد أعمال التخريب بالممتلكات العامة والخاصة.
وفي الشأن العربي والفلسطيني كتبت على صفحتها الفيس بوكية الإبنة دانا معدي المتواجدة في الولايات المتحدة عبارات بسيطة عميقة تقول " عم ينتشر فيديوهات وصور لفلسطينين مسلحين بامريكا وبتم تداولها على صفحات فلسطينية على انها "حماية" و"إنقاذ" ضد أعمال "سرقة ونهب" خلال احتجاجات السود في امريكا. وفي ناس بتحكي انو "هاد مزح مش عنجد" وبالحالتين الاشي مستفز كتير. نشر هيك صور وتداولها بهيك طريقة بقلل من مقاومة السود باقتصار وصفها بأعمال "نهب وسرقة" وهو نوع من التحقير وبتعكس حقيقة العنصرية الموجودة بين العرب ضد السود وعدم الوعي بقضيتهم وكمان بتورجي حقيقة انه بعض الفلسطينية مع كل الي صاير ومع كل دفاعنا عن حقنا بالمقاومة المسلحة مش قادرين نشوف انو طريقة السود بالمقاومة شرعية وعم نوقع بنفس نمط تفكير المستعمر الأبيض المستبد الي بقلك اشياء زي "هاد ما بفيد باشي وبخرب الهدف الحقيقي من المقاومة".
1- السود لما كانوا مستعبدين كانوا نفسهم يعتبروا ملكيات خاصة عند البيض ومن خلال استعبادهم استفاد الأبيض وبنى ملكياته الخاصة الي عم يتم مهاجمتها هلا. هاي نقطة الأبيض عم يغيبها لانو مستفيد من هاد التاريخ وما بدو يعترف انو الميزات الي عم يتمتع فيها هلا نتاج اضطهاد السود وعم بكمل اضطهادهم خوفا من انو يخسر ميزاته اذا اخدوا حقهم او اقل حقوقهم حتى.
2- معظم الملكيات الخاصة في امريكا بملكها البيض وهي مبنية على ظلم الأقليات لعقود طويله واستغلال العمال وهي هاي الملكيات المستهدفة. اذا انت من اقليات تانية وعم تضرر فهاد مش الهدف (ومش لازم تنسى انو مقاومة السود والأقليات التانية كان الها فضل بوين انتا هلا حتى لو أسست شغلك من عرق جبينك). ولازم تورجي تضامن مش تعزيز فكرة انو هاد شغب وأعمال عنف من ناس غير عقلانين بلا هدف وهمجين. اشي هاي الصور والفيديوهات كمان حتى كمزحة بتعززه. وطريقة نشر الأخبار بفلسطين كمان بتعززه ومقرفة. مع العلم انو كتير من الجالية الفلسطينية بامريكا عم تحاربه وتوعي عن هاي النقطة.
3- الجريمة الحقيقة هي التميز العنصري الي بتعرضله السود بامريكا واللي بتخلي قتلهم بدم بارد اشي ممنهج وفش قانون يردع الي بقتلهم. وقتلهم واستغلالهم هو الجريمة الحقيقة مش السرقة والتكسير. وهاي الطريقة الوحيدة للأسف انو هاي الأقليات المقموعه تنسمع. ونقطة عل هامش. معظم المحلات مأمنة وشركات التامين بتغطي الضرر.
4- هاي ممتلكات خاصة تدميرها ولا اشي قبال حياة ناس عم تموت. وحتى لو في ناس بتستغل الفوضى لتعمل أعمال شغب هاي الناس مش داخله عليك تقتلك وأنك تحمل سلاح وتستعد انك تشارك بقتلهم او تتمثل باللي بقتلهم (وهمة اكبر فئة بتروح ضحية السلاح) اقل اشي لوصفه هو حقاره.
والي بقهر اكتر انو الصفحات الي بتعيد نشر الخبر بتنشره بنوع من الفخر كأنه مثلا امتداد للمقاومة الفلسطينية وصمود الفلسطيني وين ما كان ضد حد جاي ياخد حقة. الحقيقة هاي الأفعال لا تمت ولا تمثل صمود الفلسطيني والمقاومة اللي تاريخيا بتدعم حق جميع الشعوب المستعمره والمضطهدة بالدفاع عن حالها. احنا بهاد الموقف مش ضحايا لازم "نحمي وننقذ" حالنا وندافع عن حالنا بالسلاح وادا لعبنا هاد الدور منكون تحولنا للجلاد.
وواضح قديش احنا تفكيرنا عم بصير زي تفكير الجلاد بلا وعي. "خليلي حرق امريكا بعشرين دولار" حتى هاي النكته مستفزة. في انسان خسر حياته هاي مش مزحة. اللي بقهر انو قتل بنفس الفتره اللي استشهد فيها اياد الحلاق تحت نفس منظومة القمع يعني عم نعيش نفس المأساة. كيف منكت على قتل جورج فلويد؟ كيف زابطة الا اذا قتله لا يساوي اي قيمة عنا. ومش مبرر انو "هينا منموت كل يوم ما حد سال فينا" (بعرف انو هاد الحكي ما ينطبق عل الكل وفي كتير حملات بتشبه الحالتين وبتضامن نفس التضامن معهم) الفكرة انو حتى النكته لو مش مقصوده مشكله كبيره. ولازم نكون واعينلها عشان ما نمارس على بعض الاضطهاد الي يمارسه المستعمر علينا.
وبكفي عاد استعمال كلمة "عبيد" لازم حقيقة انو المستعمر هو الي خلق فكرة تفوق العرق الأبيض اتضل قدام عيونا ونواجه العنصرية الي بينا. ولازم يضل قدام عيونا الحقيقة انو قضية السود والشعوب الإصلانية جزء من قضيتنا".
الى هنا تنتهي كلمات الصبية دانه معدي العميقية، وأمام هذا الموقف المتصاعد الحساس، لا يوجد أحزاب أو قوى قادرة على قيادة الدفة أو لديها بالأساس الإستعداد للقيادة أو حتى لديها الحد الأدنى من البرنامج الإجتماعي المقنع لتطرحه للجماهير، إذ أن منظومة القوانين رغم عنصريتها وخدمتها لصالح رأس المال، إلا أنها تعتمد تداول السلطة سلميا عبر صناديق الإنتخابات، ولم يسبق أن طرح أي من الأحزاب وبما فيها الحزب الشيوعي الأمريكي أي بديل يتعلق بقلب نظام الحكم من نظام رأسمالي الى نظام آخر.
لذلك، ستخبو هذه الأحداث بالتدريج، ولن ينجم عنها إنهيار في منظومة الولايات المتحدة الأمريكية كولايات إتحدت مع بعضها البعض فلا يوجد بعد مقومات إنهيارها كما إنهارات دول الآتحاد السوفياتي وتفككت.
لكن الثابت، أن الولايات المتحدة الأمريكية الان، ليست كما قبل مقتل جورج فلويد. سيفكر الأشخاص المكلفون بإنفاذ القانون مئات المرات قبل أن يقدموا على تعذيب أو قتل أي من المواطنين وبشكل خاص ذوي البشرة السوداء أو من أصول غير أمريكية، وهذا بحد ذاته إنجاز، أمام نظام عنصري تاريخي كان يكتب على واجهات المحلات " ممنوع دخول الزنوج والكلاب" وكان يمنع تنقل ذوي البشرة السوداء في المواصلات العامة، وكان عندما رضخ وسمح بالتعليم الجامعي لهم يخصص لهم مقاعد منزوية في قاعات التدريس.
معادلات جديدة ستنشأ داخل الولايات المتحدة الأمريكية، ستحاول القوى المسيطرة إستخلاص العبر والنتائج للحيلولة دون خلق مقومات إنهياراها مستقبلا، لن تتبلور حركات ثورية تقود دفة التغيير في هذه المرحلة، لكن الأزمة العامة للرأسمالية سوف تتفاقم، وهديا بمقولة " كل شىء يحمل في داخله ضده" فإن الولايات المتحدة الأمريكية تحمل في داخلها ضدها، وصدق ذلك الشاعر الذي قال ذات يوم
سيعلم التاريخ إذا لم يعلم البشر بأن الشعوب إذا ما هبّت ستنتصر