اطلس: علميا يقال أن الدمامل ( ومفردها دُمّل) هي عدوى يتجمع فيها قيح (صديد) تحت الجلد مكونًا كتلة حمراء مؤلمة تظهر على سطح الجلد. وقد تظهر الدمامل في أي منطقة من الجسم، لكن من الشائع ظهورها في المناطق التي تحتوي على الشعر
ويكثر فيها العرق، أو تكون معرضة للاحتكاك، مثل: الرقبة، الوجه، الفخذ. ويبدأ الدُمّل أول ما يبدأ بظهور بثرة (كتلة) حمراء مؤلمة، تبدأ بحجم حبة البازيلاء تؤدي الى إحمرار الجلد وانتفاخه حول البثرة فيزداد حجم البثرة خلال عدة أيام، حيث تمتلئ بالقيح (الصديد)، فتحول لون رأس البثرة إلى الأبيض المصفر، ثم تتمزق ( تنفجر)، ويتيح تمزقها تصرف الصديد ( تخيلتم ذلك كله طبعا).
وأنا أيها الأحبة ومن قصيرها بدي "أبط" هالدُمّل كما يقولون باللهجة العامية، فلماذا عليّ أن أنتظر حتى ينفجر لوحده؟
بدأت الحكاية عندما قالت لي صديقتي وشقيقتي (من عظام الرقبة) فاتن يوسف فرحات "أم سلمى" ونحن نمارس رياضة المشي .. لا تطلب وعيا في منتصف أزمة أو بأثر رجعي.
وتقول الرواية أو الحكاية أن عالمنا العربي برمته تحدث به حقائق لا يمكن بأي حال من الأحوال إنكار وجودها أو حدوثها أو القفز عنها. فإن قام أي مواطن عربي – لا سمح الله – بدهس شخص أخر وتوفي، يسرع رجال الإصلاح لإيجاد تسوية مع أهل الضحية بغية إسقاط "الحق الشخصي" ليتبقى "الحق العام" الذي غالبا ما يفرج عن "الداهس". فهل ننكر ذلك؟
وإن أراد أحدهم أن يزوج إبنته أو أن يتقدم لطلب يد كريمة أحدهم لولده، يسرع الى "العضوات" ( كما في مسلسل باب الحارة) أي كبار العشيرة لتسيير جاهة (قافلة) لطلب يد " المحروسة" ... فهل ننكر ذلك؟
وفي حالات القتل الجرمي تحصل العطوات وتسرع عائلة القاتل الى "أتخن شنب" في البلد بغية وقف القتل والقتل المتبادل وتنصاع كل عائلة القاتل الممتدة برمتها لتدفع "فراش العطوة" ودية المقتول "بحب وحلاة". فهل ننكر ذلك؟
حتى لو "تقاتل" زوج مع زوجته، وعادت "المحروسة حردانه" الى بيت أهلها، تتدخل الجاهات والواسطات والعشائر كي تعود "معاليها" على "هودج" الى "عش الزوجية" وتلهج ألسنة الجميع بالشكر لرجال العشائر والمشايخ. فهل ننكر ذلك؟
شئنا أم أبينا .... النظام العشائري أيها الأحبة منتشر في عالمنا العربي ويشكل جزء من منظومة تضمن السلم الأهلي والمجتمعي، فهل ننكر وجوده؟ وهل نتعامل وكأنه ليس حقيقة واقعة يوميا في بلادنا العربية، وهل يجرؤ أي شخص على تخطيه؟ وهل يستطيع أي منا أن يتمسك بحقه عبر القنوات القانونية فقط ودون تدخل العشائر وخاصة في الجرائم الكبرى؟
" لا تطلب وعيا في منتصف أزمة أو بأثر رجعي " عبارة عميقة قالتها لي فاتن فرحات.
إن تعززت سلطة العشائر فقد تعززت أولا بسبب قدرتها السريعة على رأب الصدع كمقدمة للتقاضي قانونا المتمثل في الحق العام بعد إسقاط الحق الشخصي وذلك جزء من المنظومة القانونية النافذة في البلاد العربية، وثانيا لعجز كل المنادين بإنهاء سلطة العشائر على الحد من نشاطها وتواجدها الفعلي على الأرض، ويجب الإقرار صراحة بذلك. نعم وأكرر العجز التام في عالمنا العربي لكل برامج توطيد سيادة القانون وإعلاء شأن القضاء وتعميق مفاهيم المواطنة وحقوق الإنسان وغيرها.
أولئك الذين يتمسكون بالمقولات الرنانة الجميلة المهمة الداعية لبسط سيادة القانون وتهميش دور سلطة العشائر في عالمنا العربي هم أسرع من يلجأون إليها عندما يقعون في "مصيبة" والشواهد والأمثلة كثيرة، فـ " البيت ضيق والحمار رفاص" كما يقول المثل العربي ونعرف بعضنا البعض جيدا. فهل ننكر ذلك؟
فلماذا تستهجنون أو تستغربون أو تندهشون أو سموها ما شئتم إن تتوجه الجهات الرسمية بمناشدة للعشائر ورجال الدين عندما تشتد أزمة جائحة كورونا في هذا البلد أو ذاك أو تلك المدينة؟ بل وأقول لكم أبعد من ذلك، أنا شخصيا أشجّع أن يتم التواصل مع قيادة "حزب التحرير" ( أو أي حزب آخر على الأرض حتى لو كان عدد منتسبيه يا دوب بعبي باص) للإتفاق معها على تحرك من قبل عناصرها لتطبيق أسس تباعد معاينة، فحزب التحرير متواجد على الأرض شأنه شأن باقي الأحزاب. فهل ننكر ذلك؟ وينطبق ذات الأمر مع لجان الأحياء ( إن وجدت) واللجان الشعبية في المخيمات والتجمعات السكنية والنوادي والجمعيات وغيرها.
إن أي جهد يبذل في سبيل الحد من إنتشار جائحة كورونا هو جهد ضروري ويجب أن نثمنه عاليا ونشدد عليه بدلا من إنتقاده فلا تطلبوا "وعيا" في ظل أزمة ولا تطلبوا هذا الوعي "بأثر رجعي" وأنظروا الى كل إخفاقتكم على إمتداد سنوات وسنوات وفشلكم الذريع في تعزيز الإحتكام الى سيادة القانون وتطوير الأنظمة والقوانين.
كان الكاتب محمد عودة قد كتب كتاب " الوعي المفقود" بينما كتب المفكر توفيق الحكيم كتاب " عودة الوعي"، والى أن ننتقل من الوعي المفقود الى عودة الوعي، علينا أيها الأحبة أن نبذل كل جهد مستطاع " ولو بشق تمرة" في مواجهة جائحة كورونا وغيرها من المشاكل والأزمات التي تعصف بهذا البلد أو ذاك.
على بلاطة .... بطيت الدُمّل .... شكرا فاتن فرحات صاحبة مقولة " لا تطلب وعيا في منتصف أزمة ولا بأثر رجعي" .... وعظم الله أجركم.