اطلس:كتب: حسن مليحات (الكعابنة)* رغم أن التطبيع مع إسرائيل جملة قذرة ضمن مفردات اللغة العربية الجميلة،فأن ذلك لم يمنع دولة الأمارات العربية المتحدة والتي يحكمها مجموعة من الغوغاء في السياسية
والذين ما فتئوا يدمرون الوطن العربي من محيطه الى خليجه، سعيا لإرضاء دول الاستعمار ولتحقيق مكاسب شخصيهم لبقائهم خالدين في كراسي الحكم الواهنة،وقد تم اعلان بيان التطبيع،ولم يكن التطبيع الأماراتي مفاجئا لأنه جاء نتيجة منطقية لمسار تطبيعي منه ما هو خفي ومنه ما هو معلن منذ سنوات قد خلت.
غير أن اللافت تقديمه في سياق الزعم بأن الامارات تحقق مكاسب للقضية الفلسطينية من خلال ألزام اسرائيل بتعليق عملية ضم أجزاء من الضفة الغربية، وذلك أقل ما يمكن أن يقال عنه بأنه استخفاف بالعقل الفلسطيني،فالبيان المشؤوم عن أعلان التطبيع نفسه ذكر بأن تعليق الضم جاء بناء على رغبة امريكية تهدف لخدمة الموقف الأسرائيلي من خلال الشعي لأحداث أخترق تطبيعي أكبر في المنطقة العربية،فالأمارات العربية بوضعها الحالي ليست في وضع جيو-استراتيجي يؤهلها من أحداث اي اختراق نوعي في الشأن الفلسطيني،وبالتالي فأن تعليق الضم تم بيعه وهما للأمارات لمحاولة مواراة عورات جريمتها في التطبيع مع الأحتلال.
بقراءة سريعة للمشهد السياسي المأساوي الفلسطيني الذي تعيشه القضية الفلسطينية،نجد بأن تلك الحالة التراجيدية كانت حصيلة سنوات طويلة من عملية تكييف وتركيع منتظمة،وذلك لأخراج الثورة الفلسطينية المعاصرة من مربع التحرير الى مربع الأستسلام،وقد سهل قادة العرب المتخاذلين في دفع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية للولوج فيها لتبرير خيانتهم المستورة والمكشوفة.
ولا بد من الأعتراف بأن اتفاقية أوسلو وما لحق بها من اتفاقيات العار كاتفاقية باريس الأقتصادية ،كانت نقطة التحول التاريخية التي نقلت الشعب الفلسطيني وثورته المعاصرة وبرنامج التحرير الذي جسده ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية، من حالة مقارعة الأحتلال الى سلطة وظيفية أوهن من بيوت العنكبوت،ساعدت الأحتلال من حيث تدري ولا تدري في المزيد من استباحة الحقوق الفلسطينية،فمشروع الضم سيتحقق حتى وأن تم تأجيله مؤقتا الى ما بعد الأنتخابات الأمريكية،وفي حالة فوز ترامب مجددا ستيم دعوة الفلسطينين للمفاوضات على أساس (رؤية ترامب) أي المناورة بين الضم القانوني للأراضي الفلسطينية والضم الأستيطاني الزاحف من خلال الكتل الأستيطانية وتهويد الأرض.
ليس خفيا على أحد من السياسيين بأن المعادلة التي كانت تعتمدها المنظومة العربية قبل أتفاقية أبراهام هي مبادرة السلام العربية المتخاذلة أصلا،والتي أطلقها الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز في بيروت عام 2002 والتي نصت على مبدأ الأرض مقابل السلام،ولكن من الواضح بأنه قد تم القفز على مبادرة السلام العربية المتعفنة،ويظهر ذلك من خلال تصريح نتنياهو بان التطبيع الاماراتي هو مجاني ويتنازل عن تلك المعادلة دون مقابل،وتصبح المعادلة الجديدة التطبيع مقابل الوهم،فالامارات العربية تعيش حالة تخبط سياسي ولن تجني من التطبيع مع الأحتلال سوى ركام الخيانة على حساب الحق الفلسطيني السليب،كما أن الأنظمة العربية باركت خطوة محمد بن زايد لم يكن في العلن فأنها باركتها في السر،ومن أبرز المؤشرات على هذا الأمر أستقبال دولة عربية محورية هي مصر الاتفاق الاماراتي الأسرائيلي(بالتثمين)وكذلك حديث البحرين من أن الأتفاق يعزز فرص السلام،وصمتت باقي الدول العربية-والسكوت في معرض الحاجة بيان-ولا يوجد أي مؤشر لانعقاد قمة عربية لمناقشة الأمر حتى وان فقد العرب ثقتهم في جامعة الدول العربية الهزيلة والمتهاوية .
في خضم المشهد السياسي المحتدم بالنقاش وأزاء عجاج الخيانة والخذلان من قبل المنظومة العربية المرتهنة بيد قوى الأستعمار الحديث،لا ريب بان السلطة الفلسطينية لم تعد تراهن على الصف العربي المشروخ منذ فترة طويلة نسبيا،وتدرك بأن النظام العربي في طريقه الى الأنهيار الشامل،ولكنها لم تجد من بد من عدم المجاهرة بتلك الحقيقة السياسية،فالدول العربية ذات الثقل الأقليمي منساقة ومتساوقة مع التطبيع ولكنها تمشي على استحياء،وعدم مجاهرة تلك الدول برفض الأتفاق الأماراتي الأسرائيلي،لا يعني انها ضد التطبيع بل هو مجاراة لها في التطبيع ،هذا الأذعان والأنسياق العربي لأاسرائيل يضعف الموقف الفلسطيني في التفاوض ولولاه لما تجأ نتنياهو على اعلان نيته ضم اجزاء من الضفة الغربية،ولما تجرأ ترامب من الاغداق على اسرائيل بالهدائا والهبات السياسية على حساب الفلسطينين ،ولأن علاقة الحب لا تزدهر الأ في أجواء من الطرب والرقص على جثة الضحية فلسطين،واستكمالا للتطبيع السياسي فقد دعا الشيخ حمد بن خليفه أل نهيان المطرب الأسرائيلي عومير أدام الى زيارته للوصول بالنتيحة الى تطبيع ثقافي وغنائي راقص ولشرب نخب الخيانة والعار معا.
ضمن تلك المعطيات السياسية فأن الفلسطينين مطالبين بأعادة ترتيب البيت الفلسطيني والمراهنة على انفسهم اولا،فهم فقدوا الحاضنة العربية ذات الحضن البارد والمتأمر،ولا شك بان هناك اجماع فلسطيني على رفض الخطوة الأماراتية من قبل منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية والفصائل، وبما أننا نقف على أعتاب مرحلة جديدة وخطيرة تستعد فيها أسرائيل لضم الضفة الغربية وبسط سيادتها عليها، ومن أجل تصويب الوضع يجب القاء مفاتيح السلطة الفلسطينية باعتبارها من مفرزات أوسلو في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج،حتى يتحمل ألاحتلال كلفة ادارة المناطق المحتلة عام 1967،وقلب الطاولة على المحتل وأبتكار قواعد أشتباك جديدة للصراع وأفساح المجال لممارسة النضال بكافة أشكاله في مواجهة المحتل،وفتح أبواب جديدة للأمل المتلاشي ومنح الجماهير الفلسطينية دورا حقيقيا في الوطن،دون أغفال دور جماهير شعبنا الفلسطيني في الشتات،والأعلان والتحضير من قبل منظمة التحرير الفلسطينية لإنشاء وتشكيل حكومة فلسطينية في المنفى لسان حالها يقول(والله أنك لخير أرض الله،وأحب أرض الله الى الله، ولولا أني اخرجت منك ما خرجت)، تنهي عهد الارتهان للأحتلال واعتماد الجزائر او كراكاس عاصمة فنزويلا مقرا لتلك الحكومة،فالجزائر لها مكانة ثورية في الوعي الجماهيري الفلسطيني، لفلسطين وشعب فلسطين مكانة مميزة جدا في الضمير الجزائري،صحيح أن للجغرافيا أحكاما مع مصر والأردن وسوريا ولبنان ولا غنى لفلسطين عنهم أطلاقا،ولكن أيضا للسياسة أحكاما فالمشرق العربي غارق في صراعات دموية وتبعية وخذلان غير مسبوق،والجزائر بنموذجها الثوري وبعمق علاقاتها مع فلسطين وبحب شعبها لفلسطين هي رافعة للنضال الفلسطيني،دون ان يعني الأعتماد والأتكاء على الجزائر الأستغناء عن باقي بلدان المغرب العربي،وليبدأ جهد وطني فلسطيني جديد وحقيقي على أمل الدخول الى عالم الغد الذي تبدو فيه ترنح وتمايل وأفول عصر الهيمنة الامريكية وبزوغ فجر جديد.
لا شك الأيام حبلى بالمفاجأت السياسية والعالم يعيش حالة مخاض عسير لتشكل قيادة جديدة للعالم، وازاء تلك الاحداث نخلص الى القول بأنه يجب توفير مستلزمات الصمود للشعب الفلسطيني فوق أرضه المهدده بالضم والقضم والنهب والأستيطان،وهذا الأمر يعتبر من أولويات الدفاع الأستراتيجي عن المشروع الوطني،وحجر الأساس في برنامج المواجهة الأحتلال ومشاريعه التصفوية،برنامج يقوم على التوافق والشراكة الوطنية لكافة أطياف الحركة الوطنية الفلسطينية،أنطلاقا من رؤية الواقع والعمل على تغييره بكل الخيارات المتاحة دون هيمنة أو أقصاء،ويكون عماد هذا البرنامج جماهير شعبنا الفلسطيني،وتوفير مقومات النهوض الوطني من خلال التحضير لانتفاضة شعبية ثالثة في كل الأراضي الفلسطينية،فحاصر حصارك لا مفر –واضرب عدوك لا مفر-سقطت ذراعك فالتطقها- وسقطت قربك فالتقطنى واضرب عدوك بي-فانت اليوم حرا وحرا وحر- على ما قال الراحل الكبير محمود درويش.
*كاتب وباحث استراتيجي