تعاظمت قدرته على إلحاق الاذى بجميع مناحي الحياة وفي اي مكان كان عجزت معه مختبرات وصلت ليلها بالنهار عن ايقاف عدد الاصابات والوفايات في ظل غياب علاج له او لقاح، لتزداد في ظله الاجواء توتراً وضبابه في سجون العالم كافة والسجون الاسرائيلية على وجه الخصوص ليتنامى معه القلق من الخطر المحدق الذي بات يهدد حياة آلاف السجناء الفلسطينين في حال توحش الفيروس وانتشر.
فقد لا نحتاج الى فتوى طبية من متخصصين كبار، فلك ان تتخيل العدد المكدس في الغرف الرديئة التهوية كعلب السردين تكتظ بأضعاف ما تحتمل في حال كان الهواء يدخلها فعلاً، وفي ظل عدم السماح للكثير من السجناء من التعرض لأشعة الشمس لأسابيع وربما لأشهر.. بالاضافة الى عدم السماح لهم بادخال مواد النظافه الشخصية، فكيف الحال بالمعقمات، وذلك سعياً من مصلحة السجون لتجريف الطريق امامهم تمهيداً لتصفيتهم.
فالكلام عن وجود حجر صحي للمصاب وهم وخيال وضرب من المحال، مما ينذر بوجود نيه مبيته وممنهجه بتنفيذ سياسة اعدام بحق الاسرى يكون المحتل منها بريئاً تنطوي بنودها تحت سياسة الاهمال الطبي المتعمد، اضف الى ذلك سوء التغذية والحالة النفسية المتردية لدى السجناء والتي باتت في حال خروج تام عن الخدمه، حيث تعجز عن مقاومة أضعف فايروس على وجه الارض حتى لو كان السجناء ذو بنيه قويه اشداء.
فلماذا اقتلك او اعدمك اوحتى اصعقك بالكهرباء اذا كان وباء صامت كفيل بأن يفعل هذا وذاك..! فالبؤر الخصبه اللازمه لتفشي هذا الوباء وغيره باتت طوع يديه متوفرة بالسجون وبسخاء، فنحن امام ساديه تتمتع بتعذيبها للخصم وقتل بالبطيء لا يستحي فيها الجاني ان يفعل بنذالة مالا تفعله وحوش البراري في فرائسها دون ان يلقى مساءلة من احد او حساب، في ظل سجّان تحجزه الخصومة السياسيه عن المشاعر الانسانيه والمبادئ الاخلاقية، يتبع اسلوباً اجرامياً في التعامل مع الملف الانساني للأسرى تقوم على سياسة الإفناء الجسدي والامتهان النفسي للمعتقل، يسومونهم سوء العذاب بطرق لا يشعرون معها سوى بألم يأبى الا ان يترك جرحاً غائراً في النفس والجسد على حد سواء، والذي من شأنه ان يقضي على اي امل لهم بالفرج والعوده الى احضان اهل انهكهم الم الفراق وطول الانتظار،، و يضع نهاية لواقع امسى ظلّهم الذي لا ينفك عنهم وسمٌّ يتجرعونه صباحاً ومساء، فكارثة المعتقلين لا تفرّق بين طيف سياسي وآخر ولا بين دين او مذهب وآخر، فالجميع وفق ثقافة المحتل يجمعهم انهم خطر مسجلون ارهاب !!
ففلسطين التي تغلي على السطح تخوض غمار معركة وجوديه، تتنامى ككرة ثلج طالت البشر والحجر تستهدف أرشيفها التاريخي ارضاً وشعباً بماضيه وحاضره والمستقبل، تخفي ثانية تغلي في الاعماق خلف قضبان الظلم والظلام، يخوضها الاسرى بالتزامن مع تجاهل قضيتهم اعلامياً، وتخلّيهم عن شرف إيصال استغاثاتهم، بالمقابل كان هناك تطبيع اعلامي متواصل مع الاحتلال كتعبير ساطع عن فضيحة التخلي عن اطفال ورجال ونساء زجوا في زنازين هي الاقرب الى المقابر او لممر الى الموت، فتعالت اصواتهم حتى بُحّت لعلها تصل من بعيد لمن يهمه الامر، فعلى ما يبدو لم يكن صوتهم هادراً بما يكفي لكسر جدار الصمت الذي اريد له ان يعلوا سورا يحجب الصوت والصوره معاً، حتى باتوا في سجون الموت طي الكتمان.
فاضطراراً لا اختياراً باتوا يخوضون معركة وجودية لهم يد الطول فيها، لا يملكون سواها سلاحاً ليردوا بها عن انفسهم الاذلال الممنهج ، وجرائم مكتملة الأركان.. ناهيك عن الاعتقال دون تهم او محاكمات "انها معركة الامعاء الخاويه" عنوان حملة يقودها اسود شامخة رغم قلة الحيلة وضعف الجسد تأبى العبوديه والانكسار، ليثبتوا كل يوم انهم النموذج الاصلب في النضال ضد متسلط جبار، حملة كلفت الحركه الاسيره الفلسطينيه قافلة من الشهداء منذ ان قرروا الاحتجاج منذ اكثر من نصف قرن خلف القضبان على سياسة السجن وقهر السجان.
فأي كتاب تقرؤون لتظنوا يوما ان الاسير قد يتخلى عن معادلة "حياتي مقابل عزتي وحريتي " فها هو المشهد يتكرر من جديد بحرب وجود فجر شرارتها الاسير ماهر الاخرس مطالباً بالحرية ولا شيئ غير الحريه لعله يحصد بعض الاتباه من قبل عدسات الحقوقيين والرأي العام وسط ضجيج الحياة وفي ظل غياب اي أفق سياسي يأذن بوضع حد لهذه المعاناة، فبلا ادنى شك فنحن امام قضية حقوق انسان كبرى ترجع بنا الى اجواء الحروب العالميه وربما القرون الوسطى وبهولوكست بتركيبتها الجديده تستهدف اخراج اسرائيل من التصنيف كدوله تمارس الاجرام الى دوله تمارس امراً مشروعاً دفاعاً عن النفس، وفي ظل اهتمام دولي وفلسطيني فاتر بل يكاد معدوم، و مراوحة لذات الموقف كما عهدناه وصلات من شجب واستنكار وابداءاً للقلق في كل الاحيان.
فكانت الصفعة الاكثر ايلاما التي مُني بها السجناء ، فوراء قناع الرحمة يتخفى عالم شديد القسوة قليل العنايه بالمسيرة الانسانيه وقليل الالتفات اليها، حيث تخفي السجون فظائع يمنع الخوض فيها وهي منسيه تماماً بسبب حسابات سياسية، تغض الطرف لما يحدث من ممارسات وحشيه يتعرض لها المعتقلون في ظل انظمة حددت مسبقاً موقفها من قضايا حقوق الانسان، وتعهدت مراراً وتكراراً بوضع حقوق الانسان على رأس اولوباتها، لكن اسرائيل لطالما كانت دوما مستثناة، وكيف لا وميزان القوى لطالما كان يميل دوما لصالح السجان لتكشف عن نفاق سياسي عربي قبل ان يكون غربي لما تبديه من نبرة حاده متصاعده وجهد محموم للافراج عن اسير حرب اسرائيلي بينما لا تحرك ساكناً وغالباً ما تقف على الحياد ازاء قضية انتهاك تعدت كل الخطوط لحقوق الاف السجناء بما فيهم الاطفال الذين يتعامل معهم الاحتلال كمشروع ارهابي يجب القضاء عليه وهو في المهد .
عالم رهيب من الانتهكات وسياط يلهب ظهور الحريات بعد ان اصبحت في وطني من الرفاهيات لتشتد دون ان تستثني احدا "فاينما وجد الظلم كان هناك وطني " يمارسها الاحتلال على كل من يقع فريسة الاعتقال بحيث ينتهي به الحال في سجون سيئة السيط والسمعه حتى الزمان لم يسلم فأنسته بأن هناك فجراً.
وذاك تحصيل حاصل ينتظر كل من يشق عصا الطاعه او ممن يبدي ميولاً حزبيه او انتماءات قد يهدد امنها ووجودها فتهمة كهذه كفيلة بأن ترسلك وراء الشمس لسنوات وتنكيل وحشي بالتعذيب حيناً وبإمتهان كرامتك في كل الاحيان.. فمخطئ من يظن يوما ان عصر العبودية قد ولّى واندثر، ففي العالم العربي تحديداً تراها بأبهى صورها وبأدق التجليات ..!!
فلم يكن من قبيل الصدفة ربما إمعان المحتل بمخالفة القانون الدولي واعلاءاً لنزعته الانتقاميه والعنصريه والنظره الاستعماريه الفوقيه حتى في زمن الازمات المصيريه التي يواجهها العالم بشكل جماعي ان تقوم ادارة السجون بالافراج عن السجناء الجنائيين منعاً من اصابتهم بالوباء في حين احجمت عن اطلاق سراح اي اسير فلسطيني بما في ذالك الاطفال والنساء و الاسرى المرضى ومن ذوي المحكومات العاليه واصحاب المؤبدات او حتى المعتقلين ادارياً دون تهم او محاكمات، والتي قد يتعرض خلالها المعتقل لخطر الموت، بعد ان تكون سنوات السجن قد اتت عليه دون ان يعلم لماذا هو معتقل بالاساس...!!