اطلس: الان، وقد إنتهت تقريبا مرحلة إغتيالنا – نحن العرب - من أسفلنا، وتسير عملية تصفيتنا من يميننا ويسارنا أما غربنا فهو بحرنا الأبيض المتوسط بات من الضروري أن تتم عملية تصفيتنا من أعلى ومن شرقنا وجنوبنا.
ولنكسر قشرة ألقاظنا عن لبّ الفكرة .. كما يقول شاعرنا الراحل سميح القاسم (في مسرحيته الشعرية قرقاش). لم يكن من باب المصادفة أن دولة الإحتلال الصيوني العنصري أنشأت كيانها الغاصب على أرض فلسطين أول ما أنشأت ... في المناطق المنخفضة / أي الساحل، رغم أنها تعلم تمام العلم أن الغلبة "لليد العليا". وكان حريا بها أن تبدأ سنوات قبل عام 1948 ( عام النكبة) بإحتلال الضفة الغربية حيث المرتفعات. ولكنها لم تكن بهذا الغباء لتحيط نفسها من أربع جهات بمعسكر " الأعداء" غير الجاهز بعد – آنذاك - للتطبيع، لذلك لجأت لبسط إحتلالها على الأراضي المنخفضة الساحل لسببين .... الأول تأمين منفذ حدودي حتى ولو بحري، والثاني تأمين المياه المنحدرة من الجبال، فأصل المعركة ليست الأرض وإنما المياه، فالأرض تصبح قاحلة جرداء دون الماء.
لذلك بدأت بإغتيالنا من أسفلنا، وأرست أسس دولتها الغاصبة وطوّعت كافة المواثيق والأعراف الدولة وجيّرت موازين القوى لصالحها وكانت تدرك تمام الإدراك أن معركتها لتحقيق مقولة " من النيل الى الفرات " لن تتأتى بسرعة وإنما تحتاج الى عملية تاريخية بطيئة وطويلة، تمتاز بطول النفس والحنكة وتوظيف العلم والتكنولوجيا على كافة الأصعدة وإرساء كيان يحترم سيادة القانون في داخله.
ثم بدأت تزحف نحو الجبل ... فاحتلت الضفة الغربية وايضا احتلت الارض المنبسة / قطاع غزة، وسيطرت أول ما سيطرت في الضفة الغربية على المرتفعات وأنشأت المستعمرات فحصلت على التفوق العسكري الجوي وكانت تنظر دوما نحو الشرق بدءا بالأردن ومرورا بتلك الدول الواقعة شرق فلسطين لتصل الى الفرات وتحقيق شعار العلم الإسرائيلي " الخطان الأزرقان" وما بينهما.
وعلى إمتداد السنوات، وبدعم من دول العالم المسيطرة، عزز الكيان الصهيوني مكانته وأصبح اللوبي الصهيوني عبر " المحافظون الجدد" مسيطرا على السياسات والتوجهات الدولية وساهمنا نحن العرب بطريقة مباشرة وغير مباشرة في تعزيز مكانه الكيان الصهيوني دوليا.
وإستمر الكيان الصهيوني في نهجه " نهج السلحفاء" البطىء في إحداث تغييرات ومعادلات، وكلما تسنى له توجيه ضربة سريعة فورية كان لا يتردد لثانية واحدة في إتخاذها، فجس نبض العرب في إحراق المسجد الأقصى في آب 1969 أي عاما واحدا تقريبا بعد حرب الأيام الستة عام 1967، ومقولة رئيسة وزراء الكيان آنذاك غولدا مائير " لم أنم ليلتها وأنا أتخيل كيف أن العرب سيدخلون "إسرائيل" أفواجا أفواجا من كل حدب وصوب .. لكنني عندما بزغ الصباح ولم يحدث شيء .. أدركت أن بمقدورنا أن نفعل ما نشاء .. فهذه أمة نائمة ". وفامت مجددا بجس نبض العرب في حرب عام 1973 حيث فحصت إلى أي مدى هم مستعدون للتقدم "نحو فلسطين"، وإستمر كيان الإحتلال في إحداث تغييرات إستيطانية إستعمارية على الأرض من خلال عصابة " غوش أمونيم" الإستيطانية مطلع سبعينات القرن المنصرم، وكان الإختراق التطبيعي الأول للأنظمة بزيارة الرئيس المصري أنور السادات الى كيان الإحتلال وتوقيع إتفاقية "السلام" في منتجع كامب ديفيد في السابع عشر من أيلول عام 1979، "لتفرط المسبحة" وتتبعها إتفاقيات "سلام" وفتح ممثليات تتوجت بإتفاقيات "أوسلو" وما تبعها، وهي بذلك دخلت من البوابة الفلسطينية، إذ تخلت وإرتاحت من الخدمات للقابعين تحت نير إحتلالها وتسليمها ذلك لسلطة مدنية "الكيان الفلسطيني" محتفظة بسيطرتها على المعابر والحدود والأمن والإستيراد والتصدير والثروات الطبيعية وخصوصا المياه ملحقة الكيان الفلسطيني إلحاقا تاما بها وهي بذلك تجسد في تاريخ البشرية أول إحتلال طويل الأمد يستفيد أقصى إستفادة إقتصادية ممكنة من الخاضعين تحت سيطرته وبشكل مستدام.
بات الان، من الضروري البدء بتحقيق مقولة من "النيل الى الفرات" وكان لزاما ان يبدأ كيان الإحتلال أول ما يبدا لتطبيق هذه المقولة ذات المرتكز الديني ... "من النيل" وهنا يكمن عنوان ما أكتب " الزحف من أعلى" .. فكيان الإحتلال يدرك تمام الإدراك أن "مصر هي أم الدنيا" وأنه رغم حقيقة توقيعها لأول "إتفاقية سلام" مع كيان الإحتلال، إلا أن الشعب المصري رفض ويرفض التطبيع وبالتالي يجب حصارة "من النيل". وقريبا سيسعى كيان الإحتلال لأن يهرول نحوه النظام العراق "الحارس المفترض على الفرات" مطبعا، فتصبح الشعوب العربية بين فكي كماشة، وما التطبيع مع دولة " البحرين" إلا بداية الزحف نحو الفرات ( وشقيقه دجلة).
لأجل ذلك ، الزحف من أعلى ( مكر . مفلا .. مقبل .. مدبر معا ... كجلمود صخر حطه السيل من عل " يحدث الان حالة إختراق جديدة في القارة الإفريقية تتمثل بالتطبيع من السودان. وفي ذات الوقت .... تمتلىء خزانات سد النهضة الإثيوبي بالمياه، فتؤثر على مياه نهر النيل في مصر وتسيطر على كمية المياه المتدفقة نحو السودان ومصر. وهذا هو الحصار المائي الأول "لأم الدنيا" التي كان يتوجب عليها مقاومة إنشاء سد النهضة بكل ما أوتيت من قوة حتى لو تطلب الأمر قصفا بالطيران الحربي المصري، لكنها تأخرت في ذلك ، والقائمين على سد النهضة الإثيوبي كانوا يدركون أهمية عنصر الوقت، فإن ضربت مصر السد أثناء إنشاءه لتغيرت التجاذبات السياسية والمعادلات، وعندما بدأت الخزانات بالتعبئة، إرتاح كيان الإحتلال وكل القائمين على إنشاء سد النهضة، فلن تقوم مصر بعد الان بتوجيه ضربة جوية عسكرية فإن فعلت ... فسوف ... ببساطة تغرق.... رغم تشيجع الرئيس الأمريكي مصر هذه الأيام لضرب السد ... فبلاد العم سام لا تنظر فقط الى "إثيوبيا" بل بالأساس الى أغراق "أم الدنيا" ولن تتردد هي ( بعد تهيئة جغرافيا وتضاريس الكيان الإسرائيلي الغاصب ) - يا أولي الألباب – في أي وقت من الأوقات في ضرب سد النهضة بضربة جوية ( باي باي السودان ...باي باي ... مصر".
لذا، شكل سد النهضة حاليا ليس تهديدا للأمن المائي لمصر فحسب، بل أيضا تهديدا قوميا لها فإي خلل في السد وخزاناته سوف يعود بكارثة طبيعية "فيضان مهول" على مصر والسوادن ويطيح بهما ككيانات.
إغتالونا – نحن العرب - من أسفلنا، ومن يميننا ويسارنا بحرا، ويغتالوننا الان من علو .. ولم نفهم مطلقا أن دعاء صلوات الله عليه وسلم بأن يحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن أن يغتال من تحته هو بالأساس دعاء كان مقرونا بعمل نبينا الكريم حيث تصدى لذلك كله وليس بالإستكانه والخنوع والمذلة.
إستشعر كرّم الله وجهه علي بن أبي طالب حال الخلافة التي كانت تتم بالسيوف بدلا من البيعة، قال " إنما مثلي ومثل عثمان مثل ثيران ثلاثة كانوا في غابة، أحدهم أبيض، والثاني أسود، والثالث أحمر، وكان معهم أسد، فكان لا يقدر عليهم مجتمعين، فقال الأسد للثورين الأسود والأحمر إنه لا يدل علينا في موضعنا هذا إلا الثور الأبيض، فإن لونه مشهور ولوني على لونكما، فلو تركتماني آكله لصفا لنا العيش بعد ذلك، وكُتم أمرنا، فقالا: دونك فكله! ثم قال للثور الأحمر: لوني على لونك فدعني آكل الأسود، فيصفو لنا العيش بعد ذلك، فقال له: دونك فكله! فأكله، ثم بعد أيام قال للثور الأحمر: إني آكلك لا محالة، فقال: دعني أنادي أولًا، فأذن له، فنادى بأعلى صوته: ألا إني أُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض! ألا وإني وهنت يوم قُتل عثمان".
لذا وكما قال الشاعر إبراهيم اليازجي
تَنَبَّهُـوا وَاسْتَفِيقُـوا أيُّهَا العَـرَبُ فقد طَمَى الخَطْبُ حَتَّى غَاصَتِ الرُّكَبُ