في فلسطين ينفر الناس من "كورونا" ، ولم يعودوا يحتملون متابعة اخبارها لكثرة ما اغرقتهم بها وسائل الاعلام على اختلاف انواعها ومشاربها ، حتى ان بعضها ، وجدها مناسبة ان يهرب اليها من احراجاته السياسية ، كما فعلت وزارة خارجيتنا التي تقريبا حكرت دورها على نقل عدد الوفيات والاصابات بين "جالياتنا" في الشتات والمهاجر .
من ضمن المفردات ايضا التي تنفر الناس في فلسطين ، مفردة "التطبيع" ، فقد وصل الامر ببعضهم ان طالب المطبعين الاعلان عن تطبيعهم مع اسرائيل مرة واحدة ، فلماذا هذا التقطيع ، خاصة ان المطبعين يعرفون أنفسهم ويعرفهم الآخرون ، وتعرفهم اسرائيل ، وهم عمليا غارقون فيه حتى آذانهم منذ عشرات السنين .
اما المفردة الثالثة التي ينفر الفلسطينيون من سماعها ، فهي "المصالحة" التي ترادفها "الوحدة الوطنية" ، فلقد لازمتهم على مدار عشرات السنين ، قبل حماس والجهاد ، منذ زمن الانشقاقات والاحترابات وجرش وجبهة الرفض وفتح ابو موسى وقصف مخيمات البداوي ونهر البارد ، حتى جاءت حماس و"حمست" غزة قبل ثلاث عشرة سنة ، ومن يومها والشعب يسمع عن "طحن" المصالحة ، دون ان يرى طحينها .
قبل يومين ، اجتمعت خمسة فصائل في دمشق ، واصدرت بيانا ينادي بعقد اجتماع لامناء الفصائل من أجل المصالحة ومن اجل الوحدة ، لم يلق الاجتماع ولا البيان اية آذان صاغية حتى في اوساط بقية الفصائل ، فما بالكم بجماهير الناس التي حفيت ألسنتها وهي تحث على الوحدة واهميتها في السير نحو الانتصار ، لقد رحل جميع الامناء العامين لفصائل الثورة ، دون ان تتحقق المصالحة المنشودة . كأن هذه الفصائل التي اجتمع أمناؤها قبل بضعة أشهر بين بيروت ورام الله ، لم تدرك بعد ما هو كنه هذا الخلل البنوي ، او انها تعرفه وتتجاهله وتصوره للناس على غير صورته ، او انها مازالت تعوّل على "ضربة حظ" او "مسحة غيب" لكي تحله من جذره وتقلب عاليه سافله ، وتعود الوحدة وطنية نضالية كفاحية من جديد ، تماما كما تعامل العرب مع الكورونا ، حبة اسبرين او كأس جعدة "فيجعل الله لكم مرفقا" ، ولهذا ظلوا بدون لقاح ، ليتسولونه من على ابواب الامم التي صنّعته وانتجته مقدمة لبيعه بعشرات مليارات الدولارات .
ان حجم التطبيع العربي الرسمي الذي تجاوز اكثر من نصف الامة ، اذا ما اضفنا الى المطبعين الجدد ، مصر والاردن وفلسطين ، ما كان ليخرج الى العلن ، لولا الحال الفلسطينية المنقسمة حد التشرذم والسقوط الطوعي في المستنقع الآسن ، كل القنوات الرجعية "التحتارضية"العفنة مهما انتحلت من مسميات ، انما تقود اليه .