اطلس: تناقلت وسائل الإعلام أنباء عن مراجعات تجريها إدارة بايدن لإعادة العلاقات الأميركية مع السلطة الفلسطينية.
ومنذ انتخابها استطاعت إدارة بايدن الانفكاك بحزم وسرعة عن سياسات إدارة ترامب في كثير من القضايا على الصعيدين المحلي والدولي، إذ غيرت كليا نمط معالجة وباء الكورونا، وأعادت الانضمام لاتفاقية المناخ العالمي، ومنظمة الصحة العالمية.
كما عملت على إعادة علاقة الولايات المتحدة مع أوروبا وكندا والمكسيك إلى طبيعتها بعد أن دخلت أزمة عميقة في عهد ترامب.
وقامت بتعديل مسار علاقاتها مع دول كبرى كالصين وروسيا وبدأت نهجا مختلفا إزاء إيران.
الإستثناء الوحيد في هذه المراجعات كانت العلاقة مع إسرائيل، والموقف من حقوق الشعب الفلسطيني.
إذ لم تخرج إدارة بايدن من سلسلة الأقفاص التي حشرها فيها ترامب قبل مغادرة البيت الأبيض، بدءا من نقل السفارة الأميركية للقدس والاعتراف بها عاصمة موحدة لإسرائيل، ومرورا بالاعتراف بضم أراضي الجولان السورية المحتلة، وإنتهاء بنشاطات التطبيع مع دول عربية بهدف عزل القضية الفلسطينية وتصفية عناصرها في إطار ما عرف بصفقة القرن، وهي نشاطات أطنبت إدارة بايدن على لسان وزير خارجيتها بلينكن في كيل المدائح لها.
أما الأمر الأبرز فكان إستمرار الإدارة في الصمت على النشاطات الاستيطانية الإسرائيلية الرامية إلى تطويق وإبطال إمكانية إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
كما بقي مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن مغلقا، ولم تقم الإدارة الأميركية بأي مبادرة للحد من تأثير قانون تايلور فورس على العلاقات الأميركية- الفلسطينية.
واستمرت الضغوط لحرمان الأسرى الفلسطينيين وعائلات الشهداء من مخصصاتهم التي تسند معيشتهم، مع تبني كامل لمحاولات الحكومة الإسرائيلية إلصاق صفة الإرهاب بهم.
من السذاجة أن يعتقد بعض المخططين أن تخصيص مبلغ 15 مليون دولار لمساعدة السلطة الوطنية على مواجهة وباء الكورونا، سيمثل نقطة انعطاف ذات أهمية بالنسبة للفلسطينيين، إذ ما الذي يمثله هذا المبلغ الهزيل بالمقارنة مع ثلاثة مليارات وستمائة مليون دولا تمنح سنويا لإسرائيل، التي تمثل المتلقي الأكبر في العالم للمساعدات الأميركية، هذا عدا عن مليارات الدولارات التي تصل من الولايات المتحدة عبر جمعيات وصناديق أميركية مختلفة لإسرائيل، بما في ذلك مئات الملايين المخصصة للتوسع الاستيطاني غير الشرعي.
ويبدو أن جوهر ما تطرحه مراجعات إدارة بايدن هو العودة للتفاوض على هدف ما يسمى" بحل الدولتين" وذلك يثير عددا من الأسئلة الهامة.
إذ ما هو المقصود بحل الدولتين في ظل استمرار النشاط الاستيطاني ودون أن تتجرأ الإدارة الأميركية على إجبار إسرائيل على التوقف عنه؟
وما الذي يعنيه حل الدولتين إن بقيت إجراءات فرض الأمر الواقع الإسرائيلية على الأرض، بما في ذلك ما يزيد عن مائتي مستعمرة إستيطانية، وجدار الفصل العنصري، وطرق الأبرتهايد والفصل العنصري التي تقطع الضفة الغربية من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق للغرب؟
وما الذي يمكن أن ينتج عن مفاوضات جديدة تتحكم الإدارة الأميركية في مسارها، في الوقت الذي تواصل فيه الانحياز لإسرائيل، ولرؤيتها، وروايتها وخاصة مقولاتها الأمنية؟
النتيجة الوحيدة لهذا المسار، لن تكون سوى ما ورد في صفقة القرن بتحويل فكرة الدولة الفلسطينية إلى مجرد كانتونات ومعازل تعيش في بحر من الهيمنة والسيطرة الإسرائيلية، وعلى مساحة لن تتجاوز 50% من الضفة الغربية في 224 جزيرة مقطعة الأوصال، ويسودها نظام أبرتهايد عنصري رأينا أسوأ تجلياته في التمييز الذي مارسته حكومة إسرائيل فيما يتعلق بتوزيع اللقاحات الخاصة ب وباء الكورونا.
ورغم محاولات السلطة الفلسطينية إحداث نوع من التوازن عبر مؤتمر دولي، أو من خلال "الرباعية" أو المبادرة الألمانية الفرنسية المشتركة مع مصر والأردن، فإن كل ذلك يبقى مقيدا بإصرار جميع الأطراف الدولية على أن الأداة الحاسمة في ملف المفاوضات ستبقى بيد الولايات المتحدة، لأن إسرائيل لن تقبل بغير ذلك.
وذلك سيعيدنا إلى المربع الأول الذي ساد منذ وقع اتفاق أوسلو، ومضمونه أن " عملية السلام التي لا تنتهي" تصبح بديلا للسلام، و"المفاوضات" بديلا للحل، في حين تستكمل إسرائيل عبر الاستيطان التهام ما تبقى من الأراضي المحتلة، جاعلة من المفاوضات غطاء لهذه العملية.
لا يمكن لإدارة منحازة أن تكون وسيطا عادلا.
والإختبار الذي فشلت فيه إدارة أوباما سابقا، كان تنفيذ ما وعدت به بوقف الإستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، حيث صار البون شاسعا بين ما وعد به أوباما في خطابه الشهير في القاهرة في أول عام لرئاسته، وبين ما إستقرت عليه الأمور عندما تجاوز نتنياهو أوباما وإدارته وخاطب مجلسي النواب والشيوخ، وحاز فيهما على تصفيق لم يحظى به أوباما نفسه طوال فترة رئاسته.
العبرة من كل ما جرى حتى اليوم تكمن في الحقيقة البسيطة، بأن ميزان القوى على الأرض هو المقرر لأي مفاوضات قبل أن تبدأ وبعد أن تنتهي، وهناك الكثير مما يمكن للفلسطينيين عمله لتغيير ميزان القوى بدل المراهنة العقيمة على المفاوضات، وأولها توحيد صفوفهم، وتصعيد مقاومتهم الشعبية وتعرية نظام الأبرتهايد العنصري في العالم أجمع.