ثم تطور المصطلح، وتحول نهاية سبعينات ومطلع ثمانينات القرن المنصرم المصطلح من "فاعل خير" الى المحسن الكبير" ووصلنا الى ما وصلنا إليه هذه الأيام بإلتقاط الصور والتكريم والإشادة بفاعل الخير والمحسن الكبير.
لم يرق، ولن يروق لي ذلك كله، لا يوجد هنا مطلقا فعل خير، ولا يوجد أيضا إحسان كبير، يجب أن يقتنع هذا الشخص وأن تقتنع تلك المؤسسة وأن نقتنع نحن، أن ذلك لا يدخل من باب الإحسان، بل ما باب الإستحقاق.
دينيا ( الإسلامي والمسيحي) يقول أن ذلك هو إستحقاق للسائل والمحروم وعلى نحو لا تعلم يدك اليسرى ما قدمت يدك اليسرى.... كي لا يتحول "المحروم" الى "مرحوم".
طبقيا، هو أيضا إستحقاق، إن كنت مؤمنا بفكر الطبقة العاملة ومدافعا عن حقوق العمال والفلاحين والكادحين، فأنت ملزم، طالما أنك لا تستطيع تغيير نظام بلدك السياسي والإقتصادي من نظام رأسمالي الى إشتراكي أو ما شابه، فأنت ملزم بأن تبدأ بنفسك (ومحيطك) إن كنت صاحب عمل، أولا بإعطاء كل ذي عامل حقه وحقوقه "وحبة مسك أيضا" وأهم من ذلك حسن المعاملة، وثانيا لمن لا يعمل لديك، قدّم ما تستطيع بشكل مستمر وبصمت وحسب مقدرتك، وبشكل متواصل وليس في المناسبات الدينية كشهر رمضان أو الأعياد أو غير ذلك.
أنت يا عزيزي يجب عليك أن تقتنع في داخلك أنك لست فاعلا للخير أو محسنا صغيرا أو كبيرا، بقدر ما يجب عليك أن ترسخ في داخلك قناعة بأنك تؤدي ذلك لإنسانيتك أولا ولوجود هذا الإستحقاق عليك ثانيا، وليس للتكريم في الدنيا أو في الآخرة.
أنت يا عزيزي قبل أن تقدم، إسأل بل وراجع روحك، كيف تكونت أموالك؟ وهل حرمت أي من شقيقاتك من الميرات؟ وهل تنكرت لأبناء عمومتك إزاء الأراضي المشتركة ما بينكم؟ وغيرها الكثير الكثير.
يستفزني كثيرا عندما يحضر أحدهم الى منزلي مثلا خصيصا كي " أسامحه" حيث أنه ذاهب لأداء فريضة الحج. أستغرب جدا، أسامحك على ماذا؟ وأنا ليس بيني وبينك أية معاملة مادية تستوجب مسامحتك وليس بيني وبيني حتى حالة تماس أو توتر. إذهب أيها المتوجه لأداء فريضة الحج الى من تنكرت لهم فعلا في المعاملات المالية والميراث وغير ذلك. أستغرب وأنا أصلي في المسجد، عندما أرى مصليا متقدما في الصفوف الأمامية وأنا بنفسي أعلم – بل تدخلت – في نزاع مالي بينه وبين أشقاءه كان قد وصل إراقة للدماء.
قد يقول قائل " يا عمي لا تزيدها فلسفة ويخلف على كل من يتبرع" وربما أتفق قليلا مع ذلك، لكنني أقول أن من يتبرع للتظاهر حتى ولو بقبول وصل قبض تحت مسمى "فاعل خير" فإنه بذلك ينتقص من الفكرة ومن العلاقات الإنسانية ومن أشياء كثيرة.
الأساس، أن لا يبيت بيننا جائع. الأساس أن لا نؤمن للجائع فقط ما يحتاجه من مأكل، فمن حقه أن يتأمن له المشرب والملبس والتعليم والعناية الصحية. كيف ترضى يا سيدي ويا سيدتي أن ينعم إطفالك بعد إفطار رمضاني – مثلا- بما لذّ وطاب من المسليات والحلويات، وأنت تعلم أن غيرهم من الأطفال يأكلون فقط الحد الأدنى من الطعام وهل فكرت أن كانت " تهف" في نفوسهم قطعة حلوى.
هي مسألة للتفكر والتأمل، "فما جاع فقير إلا بما مُتّع به غني" كما قال الإمام علي – كرّم الله وجهه – وهو بذلك يلخص جوهر الصراع الطبقي.