ليس من المبكر الوصول الى إستنتاجات سريعة تتعلق بالمستجدات، وليس من المبكر الخروج بإستخلاص للعبر والنتائج والبناء عليها، ومن الجهالة الفاحشة أيضا أن يقلل البعض من الإنجازات التي حققت رغم كل المعاناة وآلآم الفقدان والدمار الذي سببه العدوان الغاشم على قطاع غزة العزة المطبقين فعلا وليس قولا لمقولة الشاعر:
سأحمل روحي على راحتي وألقي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدى
عالميا، هناك التحركات الجماهيرية المناصرة للقضية الفلسطينية التي أربكت حكومات الدول المؤيدة للصهيونية، والتي أعادت اللحمة بين حركات التحرر العالمية والقوى المناصرة للشعوب مع الشعب العربي الفلسطيني، حيث أننا لم نشهد أية تظاهرة تؤيد كيان الإحتلال الغاصب، وذلك يستدعي الإنتباه إليه وأيضا البناء عليه لمزيد من اللحمة الثورية العملية وفي الميدان.
عالميا، أيضا حصل إرتباك لدى حكومات الدول وهي ترى هذه الجماهير المناصرة لعدالة القضية الفلسطينية والمتضامنة مع الشعب العربي الفلسطيني تغلق شوارع المدن، وأيضا سبب إرباكا لبرلمانات هذه الدول وإنحسارا لأولئك البرلمانيين المؤيدين جهرا للصهيونية ما يستدعي أيضا البناء على ذلك وتوطيد العلاقات مع البرلمانيين المنحازين للشعوب في كافة برلمانات دول العالم لتطوير التشريعات الداخلية كل في بلده لفرض حالة من المقاطعة لدولة الإحتلال وكافة مناحي الحياة المتعلقة بها الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والثقافية وغيرها، بل ومقاضاة مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية من أفراد دولة الإحتلال حال ان تطأ أقدامهم تلك البلاد.
عالميا أيضا إتضح أكثر فأكثر عجز تشريعات وأجسام القانون الدولى والقانون الدولي الإنساني بل والقانون العرفي ومنظومة حقوق الإنسان في فرض ما تستند إليه من قوانين وأنظمة ناظمة وفي إعمال الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة المتعلق بإتخاذ التدابير في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان، ذلك الفصل الذي سارعت الأمم المتحدة ومجلس أمنها بإعماله في حالة العراق عند عدوانها على الكويت الشقيق وتنصلت من إعماله دوما مع الكيان الصهيوني الغاصب في كافة عدوانها الحربي على قطاع غزّة والمجازر التي إرتكبتها.
عالميا نحتاج الى جهود دبلوماسية مكثفة لا تتأتى إلا من خلال إحداث حالة إستنهاض جذرية لدى أوساط الدبلوماسية الفلسطينية وتجديد كادرها لإعادة شرح القضية الفلسطينية بحقائق علمية دامغة وبسرد روايتنا نحن عن التاريخ في مواجهة الرواية الإسرائيلية الصهيونية وفي إستخدام المصطلحات التي توصف بدقة الإحتلال والإستعمار وفي إرساء أسس من العلاقات الكفاحية مع القوى الطليعية، فالدبلوماسية الفلسطينية ليست ترفا فكريا أو حياة معيشية رغيدة أو إلتقاط للصور هنا وهناك بل مسيرة نضال عمّدها شهداء السلك الدبلوماسي في منظمة التحرير الفلسطينية منذ سبعينات القرن المنصرم.
عربيا، تلك الجماهير العربية الأصيلة التي خرجت كالشلال الهادر في شوارع بلدانها ليست متضامنة مع الشعب العربي الفلسطيني بل مؤكدة أنها هي الشعب العربي الفلسطيني ووصلت الى الحدود مع فلسطين وتخطتها، هي السند والذخيرة وهم من نرفع لها قبعاتنا وننحني إحتراما لأصغر طفل من بينهم خرج رافعا العلم الفلسطيني، وعلينا أن نوطّد العلاقات الكفاحية معها، وأن نراها هي وحدها بسيلها الجارف وصوتها الهادر وليس بأصوات النشاز التي لا تمثلها والراكضة لاحثة وراء التطبيع مع الكيان الصهيوني.
عربيا، على القوى والأحزاب العربية أن تعيد رسم برامجها وأن تدفع الى الصف القيادي الأول بالأجيال الشابة المتسلحة بالعلم والمعرفة والنفس الثوري والنظرية ولننفض عن أسمالنا فكرة أن أزمة قوى التحرر الوطني العربية هي في الفكر القومي الضيق أو في البديل الثوري، فالبديل الثوري يفرض نفسه في الميدان.
عربيا، علينا أن نحترم ممثلي الشعب الحقيقين في البرلمانات العربية الذين يعملون لأجل الشعوب والقضية والأرض، وأن تؤمن الشعوب العربية أكثر فأكثر بالعمل حتى في البرلمانات الأشد رجعية، وبالتالي تدفع بالكفاءات والمناحازين وطينا وطبقيا للوطن والشعب.
فلسطينيا هناك الكثير الكثير من المهام التي فرضها الإنتصار، أولاها إتباع كافة أشكال النضال من أجل التحرير، وعدم الإستهانة بالنتائج التي تحققها المقاومة المسلحة وأيضا التحركات غير المسلحة، فهناك جدلية للعلاقة بين أشكال النضال كافة، وبين الأممي والقومي، والقومي والوطني، والوطني والطبقي.
فلسطينيا علينا جميعا الإلتفاف حول منظمة التحرير الفلسطينية واعادة الإعتبار لها وإعادة تركيبتها وأجهزتها بما يحاكي المستجدات، ومن المهم فصل منظمة التحرير الفلسطينية عن السلطة الوطنية الفلسطينية فصلا تاما ليس ميكانيكا بل ديناميكيا بحيث تكون الكلمة الأولى واليد العليا لمنظمة التحرير الفلسطينية بإعتبار أن السلطة الوطنية الفلسطينية ترتهن بقراراتها، وبالطبع بات ضروريا تحقيق الوحدة والوطنية واللحمة بين الضفة الغربية وقطاع غزة وأهلنا في الداخل، وعلى السلطة الوطنية الفلسطينية أن تقوم بعملية ترميم جذرية لذاتها ولكوادرها ومؤسساتها واجهزتها ( تصل الى حد التطهير) قدما على طريق إعادة ثقة المواطن الفلسطيني بها، تلك الثقة التي تزعزت في الأونة الأخيرة لأسباب يطول شرحها وليست موضوع هذه المقالة.
إسرائيليا وبدلا من العناد وقلب الحقائق والمكابرة، هناك الكثير من الدروس التي يتوجب على الكيان الغاصب أن يستخلصها، وأهمها أن كل جهودكم "لتدجين" الداخل الفلسطيني منذ عام 1948 وحتى الان قد فشلت فشلا ذريعا، وأهلنا في الداخل قالوا كلمتهم، وأن عودة حياتكم في المدن والقرى الفلسطينية في فلسطين التاريخية الى ما كانت عليه قبل عدوانكم الأخير على قطاع غزة هو أمر شبه مستحيل، وأن قوتكم العسكرية وقبّتكم الحديدية لا تستطيع أن تصمد أمام الفعل المقاوم المستند الى العقيدة ليس فقط بالبندقية بل حتى بالحجر. وأن حلمكم بإقامة كيانكم الغاصب من النيل الى الفرات قد بات حلما يقضّ مضاجعكم ولا يمكن تحقيقه وأنكم بإنشاء جدار الفصل العنصري قد حاصرتكم أنفسكم بأنفسكم بل وتزيدون الشرنقة حولكم، وأن كل جهودكم للتطبيع قد فشلت، وأنه بات من الأفضل لكم أن تطالبوا أنتم بحل الدولتين، الذي باتت المطالبة الفلسطينية أبعد من ذلك بكثير، فالنية الان تتجه نحو إنشاء دولة فلسطين العتيدة على كامل الأرض الفلسطينية وليس حتى الدولة ثنائية القومية لإفتقاركم الى مقومات القومية، فاليهودية ديانة وليست قومية، والأفضل لكل يهودي أن يعود الى بلده الأصلي، اليهودي الأوكراني الى أوكرانيا، والروسي الى روسيا، والمغربي الى المغرب والمصري الى مصر والعراقي الى العراق والأريتيري الى أريتيريا وهكذا، أما اليهودي من أصول فلسطينية فليبق كما كان أجداده قبل عام 1917.
لا تستخفوا أيها الأحبة بنتائج وإفرازات المرحلة الراهنة، فهذه المرحلة هي مرحلة المد الثوري التي تستدعي قيادة شابة متسلحة بالفكر والعقيدة والعلم والرؤيا والإيمان بأن الشعوب إذا ما هبّت .... بإذنه تعالى.... ستنتصر.