اطلس: من دون أدنى شك فان أغلبيتنا قد أدرك الخلل العسكري الكبير الذي حصل في غزوة "أحد" وتحديدا جزئية جبل الرماة أو جبل عينين الذي هو عبارة عن مرتفع صغير يحاذي جبل أحد بالقرب من المدينة المنورة وهو ذلك الجبل الذي تمركز به الرماة المسلمون الخمسون
أثناء غزوة أحد بغية تأمين مؤخرة باقي المقاتلين المسلمين ( الاسناد الخلفي) لكنهم خالفوا الأوامر العسكرية لرسول الله صلوات الله عليه وسلم ظنا منهم أن المعركة قد انتهت فنزلوا عن الجبل لاغتنام الغنائم، فاهتبل المشركون فرصة خلو الجبل من الرماة فحملوا على المسلمين مجددا وقتلوا عددا كبيرا منهم وسجلت خسارة الواقعة في التاريخ، ومع ذلك لم يكفر رسول الله أيا من رماة الاسناد الخلفي ولم يشكك في إسلامهم و/او وطنيتهم و/او أدائهم.
ومن دون أدنى شك أيضا فان غالبيتنا يعرف مناسبة مقولة أبو بكر الصديق رضي الله عنه عند وفاة سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم حين قال " من كان يعبد محمدا فان محمد قد مات .. ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت".
وبهذه المقولة فان "أبو بكر الصديق" كان يكرس العقيدة التي وان كانت تحترم وتجل وتقدر أيما تقدير الأفراد وبضمنهم الأنبياء، إلا أنها تتوج على رأس هرم العقيدة الله سبحانه وتعالى ... الواحد القهار...... الواحد الاحد.
تحت هذا الاطار العريض يأتي النضال الوطني التحرري في أي بلد ما، حيث يكرس المناضلون الحقيقيون جلّ نضالهم نحو الهدف الأسمى .. وهو التحرر، وتنتفي الذات "الأنا" ويعمل المناضل الحقيقي بنكران ذات لأجل المجموع.
فمن كان يظن أن النضال الوطني التحرري الفلسطيني قد إنتهى بعد إتفاقيات "أوسلو" وبات من الضروري مجازا أن "ينزل عن الجبل " ليحصد الغنائم ... فهذا شأنه، لكن النضال الوطني التحرري الفلسطيني ما زال مستمرا وما زال هناك من يقبض بتفان وإخلاص على الجمر وبوصلته "كنس الإحتلال" دون الانتقاص من مكانة من " نزل عن الجبل".
لذا، فانني حقيقة لا أستطيع أن أفهم هذه الانزعاج الكبير لدى البعض من اولئك الذين "نزلوا عن الجبل" كي يحصدوا الغنائم .... بترقية هنا ... وتعيين هناك ... سفارة هنا ... ووزير هناك، ليس فقط له شخصيا وإنما للسلالة العائلية. أولئك فئة من بيننا إعتقدت أن نضالها السابق يجب أن يتكلل "بحصاد ما" لذواتهم وأن موقعها المرموق في الهرم السياسي ما هو إلا تتويجا لهذا النضال، بل واستحقاقا لهم ولورثتهم من بعدهم، لدرجة أن رؤيتهم للنضال باتت تقتصر على فعاليات معينة لا نقلل منها أبدا، بل نحترمها ونحترم إجتهادهم.
وهناك، من لا زال يؤمن أن " الحرب لسه في أول السكة" ومن المبكر، بل من المبكر جدا النزول عن الجبل كي لا يصاب الشعب العربي الفلسطيني في "مقتل"، وطالما أنهم يؤمنون بذلك، فلماذا يستكثرون على من "نزل عن الجبل" هذا الموقع أو ذاك، وخصوصا أنهم يدّعون أنهم لا ينافسونهم في ذلك.
وفي التاريخ، هل يتكرم أحدكم عليّ ويزودني بسجل من ثورات الشعوب، لم يحصد فيها من " نزل عن الجبل" المواقع، ولم يحصد فيها الفصيل الرئيسي المناضل الذي أصبح حاكما مقاعد مقاليد السلطة له و "لبطانته الصالحة"، فلماذا تستهجنون ذلك وتستكثرونه في حالتنا الفلسطينية ليس فقط في الضفة الغربية بل وأيضا في قطاع غزّة مع إختلال الظروف النضالية في الميدان؟ عودوا على الأقل الى تجربة جنوب افريقيا تجدون أن ما يحدث معنا الان في حالتنا الفلسطينية قد سبق وحدث في جنوب افريقيا وشيئا فشيئا على مر التاريخ بدأت عملية المأسسة. تتبعوا.
وهنا، يجب أن نرى إثنتين من المعادلات، الأولى تتعلق بعدم تخوين "من نزل عن الجبل" فلهم مكانتهم واحترامهم وتاريخهم ودورهم في المرحلة الراهنة والقادمة والمعادلة الثانية تتعلق بعدم إتهام "من بقي على الجبل" أو على الأقل من يعتقد ذلك، بأنه صاحب "أجندة خارجية" أو " من المزايدين"، فلهم أيضا احترامهم ومكانتهم وتاريخهم، هناك حالة من التوازن يجب أن تسود، كي نتجنب الاحتقان الداخلي المؤدي الى الاقتتال الداخلي لا قدّر الله. كل فريق له رؤيته تجاه النضال الوطني الفلسطيني، وله أساليبه التي من المفترض أن يكمل بعضها الآخر.
وبالمناسبة ولنكن صريحين ... فالتاريخ أمامنا وما زلنا أحياء ... عدد لا بأس به من بين الذين "لم ينزلوا عن الجبل" أو يعتقدون على الأقل أنهم "ما زالوا على الجبل" كانوا يبقون هواتفهم النقالة غير مغلقة على أمل أن تردهم مكالمة تفيد بتعيينهم إما وزراء أو سفراء أو وكلاء أو قادة أجهزة، وما كانت "عنفصتهم" لاحقا إلا لأن هواتفهم النقالة " لم ترن". ومن بين من يعتقد أنه ما زال "على الجبل" من تبوأ منصبا وزاريا في السابق ولم نر منه هذه الإنجازات المهولة أو على الأقل المواقف المعارضة أو المنتقدة لأداء ما وفيما بعد وبعد أن أصبح خارج التشكليلة الوزارية، إنبرى قلمه منتقدا على صفحات التواصل الاجتماعي، فأين كنت قبل ذلك؟ أما قلة قليلة جدا معدودة على أصابع يد واحدة وليس اثنتين بل حتى وأقل فقد قدمت استقالتها. ولا يخفى عليكم أيها الأحبة أن بعض الوزراء في أي تشكيلة وزارية وبعض السفراء جرى تعينهم وفقا لمبدأ " الكوتا الفصائلية" وليس بالضرورة الكفاءة ومع ذلك ظلوا يعتقدون " أنهم ممن لم ينزلوا عن الجبل"، ورفض أحد الوزراء مؤخرا الإلتزام بقرار فصيله بالخروج من التشكيلة الوزارية، ذلك المنصب الذي ما كان له أن يصل اليه لولا قرار فصيلة السياسي بذلك إبتداءا. وللأمانة ايضا هناك بعض من تبوأ منصبا قد أدى مهامه باتقان ولم ير نفسه الى مساهما في دفع عجلة المجتمع المدني الفلسطيني الى الأمام.
خلاصة القول، ما لم يكن هناك مجلسا تشريعيا منتخبا، وما لم يكن هناك مأسسة للكيان الوطني الفلسطيني يستند الى سيادة القانون وإستقلال القضاء وتوطيد حقوق الانسان، فسيبقى ملء شواغر المواقع الرسمية مستندا لكافة الاعتبارات التي تخطر على بالكم .... اللهم بإستثناء اعتبار الكفاءة في أغلب التعينات.