والحرية هي حق مكتسب لكل مواطن، مثلها مثل الحق في الحياة، ولا تقل أهمية ابداً عن الحق في الحياة من وجهة نظري المتواضعة، وهي أغلى ما يملكه الانسان، بالتزامن مع الكرامة و أن الحرية حق و يعتبر الحق في الحرية من أهم وأقدس الحقوق التي تنادي بها المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الانسان، وأن الشعب الفلسطيني توّاق إلى الحرية، و قدّم ويقدّم حتى اللحظة الغالي والنفيس في سبيل نيله للحرية من الاحتلال الصهيوني الاسرائيلي، الجاثم على صدورنا و قلوبنا منذ العام 1948، ولغاية يومنا هذا.
وكما أن الحرية حق أصيل لكل إنسان، ولكل مواطن، وهو ما أكدّ عليه حتى ديننا الاسلامي الحنيف، بالقرآن الكريم بقوله تعالى، " لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغيّْ"، إلى آخر الآية الكريمة، إلى سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، في الكثير من الأحاديث الشريفة، وما تعاقبت عليه سنة الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم، ومنها موقف المرأة اليهودية العجوز التي كانت تتسول في المدينة المنورة إبّان حكم الخليفة عمر بن الخطاب، حينما سألها عن حاجتها و قالت له عن ضيق حالها وكثرة ديونها، فأمر بصرف نفقة لها من بيت مال المسلمين ودفع ديونها وقام بإعفائها من الجزية، وعرض عليها الإسلام باستحياء خوفاً من أن تعتبر المرأة اليهودية من أنه يساومها أو يجبرها، فهنا إثبات قاطع على أن ديننا الإسلامي شأنه شأن سائر الاديان السماوية احترمت حرية الانسان في معتقده و دينه دون الإساءة إلى أي معتقد أو دين آخ.
ومن أهم ميزات أو الدليل على الحرية أو الحريات بشكل عام، وهو محور حديثنا اليوم هو حرية الرأي و التعبير و الحق في التجمع السلم.
تعتبر حرية الرأي والتعبير من الحريات الإنسانية الأساسية، وتعني قدرة الإنسان على تبني الآراء والأفكار التي يريدها دون ضغط أو إكراه أو إجبار، إضافة إلى القدرة على التعبير عن هذه الآراء باستخدام وسائل مختلفة.
و أما بخصوص التجمع السلمي فيرتبط هذا الحق بشكل وثيق وأصيل، بالحق في حرية الرأي والتعبير، فالتجمع السلمي يعتبر من طرق التعبير عن الرأي، وتقييد الحق في التجمع السلمي يؤدي إلى انتهاك الحق في حرية التعبير، ويقصد بالحق في التجمع السلمي، هو أن يتمكن المواطنون من عقد الاجتماعات السلمية في أي زمان ومكان، وذلك ليعبروا عن آرائهم بأي طريقة من الطرق، سواء كانت عن طريق عقد مؤتمرات، أو اجتماعات عامة أو القيام بمظاهرات ومسيرات سلمية بغض النظر عن منظميه.
و بالحديث عن محور السلوكيات الاحتجاجية فإنه، ومما لا شك فيه أن السلوكيات أو السلوك الاحتجاجي هو حق اساسي من حقوق أي مواطن يستطيع التعبير عن احتجاجه بأي طريقة كانت سواء بالتظاهر، أو الاعتصام والاضراب، أو العصيان السلمي، وأن مهاجمة هذا السلوك هو نوع من انواع الانتهاكات التي قد تقع على حقوق اصيلة للمواطنين و تقييد عام و شامل للحريات وهو يكون بمثابة صورة عن طبيعة نظام الحكم في البلد، فإذا كان نظام الحكم في ذلك البلد يُقيّد هذه الحقوق ويمنعها باختلاف الوسائل المقيّدة لحقوق المواطنين بالتعبير عن رأيهم فإننا حتماً نكون أمام نظام حكم شمولي ديكتاتوري تنتهك فيه حريات وحقوق الناس، و هذا ينعكس أيضاً على طبيعة التعامل أو التعاطي مع هذه الاحتجاجات أو التظاهرات إذا كانت تواجه بقوة مفرطة أم لا ؟؟
إن القانون الاساسي الفلسطيني وفي العديد من أبوابه قد قدّس هذه الحقوق، ونظم ووضع لها بابا خاصاً في القانون، وهو الباب الثاني في القانوني الأساسي الفلسطيني، واسماه باب الحقوق والحريات العامة، وهي ما تم ذكره بالمواد من ( ٩-٣٣).
و بذات الوقت و كما أنه من حق المواطن أن يعبر عن احتجاجه بأي طريقة كانت، إلا أنه لا يجوز للمواطن أن يتجاوز تلك الحدود، وذلك من خلال الإساءة إلى أي أحد بواسطة الشتم والتحقير والتخوين والتكفير وإلقاء الاتهامات جزافاً دون اثباتات ملموسة، أو الشتم بالألفاظ البذيئة، أو التكسير و تخريب ممتلكات عامة أو خاصة، وهنا نكون قد وقعنا أمام جريمة يعاقب عليها القانون، ولكن بالرغم من كل ذلك فإنه لا يجوز لرجل الحكم أو لرجل الأمن أن يتخذ من ذلك وسيلة لتقييد أو قمع تلك الاحتجاجات، بل عليه أن يلتزم بحدود القانون، وأن يسلك الطريق القانوني القويم والمتفق واحكام وأصول القانون، سواء القانون الأساسي أو قانون العقوبات أو القوانين العسكرية الناظمة لعمل رجل الأمن.
وإننا دائما نقول (أن من ارتضى لنفسه أن يعمل في العمل العام عليه أن يقبل أي إساءة أو حتى تجريح بصدر رحب لاختلاف المراكز بين الطرفين، فذاك مواطن عادي بسيط مقهور أو غاضب وذاك مسؤول مهم يستطيع أن يحتوي وأن يعالج أي خلل قد يقع و يصيب البلد).
بختام الحديث، إن نقابة المحامين في فلسطين ستبقى على عهدها وميثاقها، مدافعة شرسة عن الحقوق والحريات العامة، وتتصدى لكل من ينتهكها أو يفكر في التعدي عليها على اعتبار أنها حقوق اصيلة أساسية للمواطن الفلسطيني.
وسنبقى جميعا كشعب فلسطيني واحد وموّحد ضد العدو الرئيسي وهو الاحتلال، وما تبقى ستبقى قضايا جانبية، ولكن الأهم هو أن لا تغيب عن اذهاننا أن القضية الفلسطينية هي القضية الأولى والثانية والثالثة حتى المئة، وباقي القضايا تأتي بعد الرقم مئة.
رحم الله الشهداء الاكرم منا جميعا والاصدق منا قولاً و فعلاً والحرية للأسرى الابطال والشفاء للجرحى البواسل، والعودة للمبعدين، والمهجرين واللاجئين والمشتتين في الارض، وتبقى المقاومة بكل اشكالها نبراساً وطريقاً ونهجاً و فكراً و مدرسة و دينا و وطنا و قضية.