وبعد العمى السياسي، هل خفت أصوات الأغاني؟ ابد، لا أمل في إسكات هذه الأنغام، فكل هؤلاء الذين يغنونها أقوياء، بل نجحوا في تصوير أنفسهم بوصفهم ممثلين لإرادة الشعب المحروم من الانتخابات اصلا!! هم ..خيرا من يمثلكم ..ويمثل بكم! وهذه النوتة الموسيقية لن تتغير إلا بعد كارثة تكشف لهم أن ألحانهم وأغانيهم على الشعب، تجلب الخراب علينا جميعا. فهل تتوقف عروض المسرح السياسي الكوميدي؟
يا رب، أقلني من الناس، فلا طاقة لي بمخالطتهم؛ فمن بين كل مئة شخص يوجد بالكاد شخص واحد يستحق أن نُجادله، أما بالنسبة للآخرين، لنتركهم يقولون ما يريدون لأن من حق الناس أن يهذوا؛ وعم عشم ، واحد من أولئك الذين عاشوا طويلًا، وشاهد الاستخفاف بعقول الناس والاستهانة بهم، وشاهد شبح المصير المأساوي الذي يطلُّ. فالموقف الصحيح الذي يدفع الإنسان ثمنه في أحيان كثيرة، وهو الكاتب الذي لا يبيعك أفكارا جاهزة، بل ذلك الشخص الذي يدفعك للتفكير، هذا بالضبط ما فعله، عم عشم حين قال: في مقولات مش عارف أنه ابن وسخه قالها و مع ذلك كتير من الناس مصدقينها و ويكرروها زي البغبغان .. من أشهرها ( المساواة فى الظلم عدل ) .. لا طبعا .. المساواة فى الظلم.. ظلم عام و كبير ، و وراه ظالم قوى قدر يفرضه لحد ما بقى أمر واقع ..أن الخطر الحقيقي هو في أن يشعر الناس جميعا باليأس الشامل الكامل ويفقدون الأمل في كل شيء.
أصبح عم عشم ، اكثر شبابا وتمردا من الكثير الذين شاخوا على مقاعد السلطات، ولا اعتقد انه كان في حاجة لهذا العرض المذهل ، بيع مبدأ المعارض، وخليك مع العقلاء ومع الرصين ، واحصل على راتب وسيارة، وأنه لم يعد وحيدا شريدا . وأن قلبه أصبح بحر فلسطين . وأن قلمه أصبح حناجر أهل بلده الطيبين. وأن محبيه يزدادون كل يوم ، وان كلماته أصبحت مرايا الناس. وأنه يمتلك جهازا إعلاميا كبيرا ، وبدأ يلفت نظر المثقفين بجديده وحديثه المميز ، وخاصة الوطنيين على وجه الخصوص الذين كانوا المعارضين للانقسام والتقسيم وأصحاب الحجز والتقاسم الوظيفي المسبق. والمصالح التي صنعت من دماء الشعب التي سالت في حروب الصهاينة ، خمراً فى كأس اللصوص الجدد الذين تاجروا بالوطن؛ وحين بدأ يكتب مقالات. وبدأ القراء ، والمثقفين يحسبون حساباتهم الدقيقة ، بالقراءة لهذه الظاهرة الجديدة.
هي ظاهرة أدبية فريدة وعجائبية في المجال الأدبي ، يخرج عليهم ، مثقف ثم كاتب من بين الصفوف الأدبية والصحافية ، الواقفة على أبواب - شبه – سلطتان ، مادحة ، شاكرة ، ضارعة ، حامدة ، راجية ، طالبة القرب ، طالبة للرضا ، تحمل كل الأقلام ، تحمل كل الألوان ، تحمل أختام الثقافة والصحافة والإعلام والفن ، لتضعها تحت أحذية - شبه - سلطات، حافية ، ليسخر من شبه حكم هنا، و حكم مسخ هناك . ليسخر من أرباب التسول السياسي. ويسمي الأشياء صراحة بأسمائها ، وينتقد هؤلاء الكتّاب السلطويين، و المتسلطينن، المتسلطين ، المتسلقين ،المستوطنين في شبه حكم . نقدا جارحا ، لم يجرؤ عليه محترفو السياسة والمعارضين لحكم سلطتان.. سليطتان ، في - شبه - حكم، و أشباه حكام ، ولم يجرؤ عليه الروائيون في رواياتهم ، والقصاصين، أصحاب المناصب، في قصصهم ، والمسرحيين في مسرحياتهم ، وشعراء – شبه سلطات- في دواوينهم ، وربما قال كل هؤلاء نقدا أقل من النقد الذي تجرأ وكتبه عم عشم ، وربما كان نقدهم اقل قسوة من نقده ، ولكنه لم يكن بأي حال من الأحوال صريحا ، و واضحا ، ومؤثرا ، ومنتشرا كما هو عليه نقد عشم، الذي أصبح ، وجعا مؤلما في خاصرة أصحاب التوكيل الحصري للانقسام ، ودملا كبيرا تحت ابطهم ، ولا بد له من سوط دواء ، أو كلمة سواء. فكان بمثابة المقال المسموع في الكلام الممنوع. ورفض ان يكون. بنفس اشكالهم.
فأشكالهم بنفس مشاكلهم ، وهيئتهم و مشاربهم ، نفس فشلهم و مشاريعهم ، فلا تنم عن اختلاف بين ، لكن الشيء الوحيد الذي كان يوحدهم ، هو العمل على استمرار هذا الانقسام ، وترسيخ قواعد الانفصال ، لكن دوام الحال من المحال؛ بسبب وجود الذين يقدرون الوحدة الوطنية ، يقدرون الوطن حق قدره ، و يميزون بين الطين وبين الطحين ، والغث والسمين ، وبين اللب البراني و القشرة الجواني وبين الذهب الاصلي والصفيح المطلي . ولكل من يكتب، عن الوحدة الحقيقة ، وخطورة المخطط الصهيوني على الوطن والشعب والقضية ، يكتبوا عنها دون خوف أو وجل أو تردد ، كجزء من تاريخ نضالي مشرف.
وتشكل علامة فارقة على المستوى العام والخاص. ولكنه حجر المر لكسر مرآة الواقع الاسود ، ومازالت جميع الببغاوات والقرود الجاثمة على شجرة القضية، وهي مقبلة على مرحلة من التاريخ لم تعرفها من قبل، على الأقل في العصر الحديث، إنها نهاية مرحلة البغبغة، فلم يعد من حق أحد أن يعمل ببغاء، فما نتكلم عنه ونشكو منه لا بد أن يكون له وجود فعلي. وليس كم قالوا: لا رغبة لنا في الاستيلاء على السلطة! ..جميل، هيا إلى الانتخابات.. ماذا تنتظرون؟.. و سيسقط الانقسام عند أول انتخابات ولو بعد قرن!. هات واحد شاي لعم عشم.