الكاتب: منار محيسن
من الجلي أن الاستراتيجيات المرحلية و التكتيكات العامة المتبعةأثناء كل من الثورات المسلحة و الثورات اللاعنفية تختلف اختلافا بينا في حين أن الأسبابالدافعةلقيام كلا النوعين من الثورات تبقى واحدة.
في ظل وجود أنظمة حكم مطلق، قد يعتقد البعض أن أقصر الطرق للتغيير الجذري يكون عبر فوهة البندقية ولكن هذا الفهم يبدو خاطئا حين نتطرق إلى الإحصائيات ذات العلاقة. في هذا الصدد، يخلص الباحثان "أدريان كاراتنيتشي" و "بيتر أكرمان" أن 70 بالمائة من 67 حالة إسقاط لأنظمة حكم مطلق بين عامي 1972م و 2002م حدثت عبر ثورات مدنية لاعنفية[1].
تدلل هذه الأرقام أنه بإمكان الثورات اللاعنيفة أن تحدث تحولا سياسيا ليس فقط في ظل وجود أنظمة ديمقراطية و قادة عقلانيين و لكن أيضا في ظل وجود أنظمة قمع لا تعتبر مفاهيم تداول السلطة أو حقوق الإنسان جزءا من مفردات قواميسها في التعامل مع الشعوب.
نتطرق في هذه المقالة إلى الأسباب التي تؤدي إلى اندلاع الثورات.في هذا الصدد،تخلصالأستاذة شارون نبستاد رئيسة قسم علم الاجتماع بجامعة "نيو مكسيكو" الأمريكية أن الأسباب الخمسة الرئيسية لقيام أي ثورة يمكن تلخيصها بتصرف كما يلي [1]:
أولا: يجب أن يتولد شعور بالظلم لدى الشعب. قد يكون مرد هذا الشعور بالظلم هو غياب المواد الأساسية أو تردي الأوضاع الاقتصادية لعامة الشعب في حين تتركز الثروة في أيدي قلة حاكمة أو موالية للحكم. أيضا، التضييق على الحريات الفكرية أو تزوير الانتخابات – إن وجدت – أو مصادرة حق من الحقوق الأساسية كالتعليم أو الانتخاب تعتبر من العوامل المساعدة على قيام الثورات. كل هذه العوامل تؤدي إلى ترسيخ عدم مشروعية النظام الحاكم و من ثم يتولد الغضب على وجوده فاتحا الباب أمام الانتفاض ضده.
ثانيا: يعتبر ولاء النخبة من عدمه أحد الأسباب الرئيسية المقدمة لقيام الثورة. فالنخبة الفكرية الموالية للنظام تسخر كل طاقاتها للدفاع عنه و لرسم صورة بطولية له بحيث يصبح النقد الموضوعي للنظام الحاكم خيانة فما بالك بالمطالبة برحيله! لذلك، قد تتوافر كل العوامل المذكورة آنفا دون تولد أي شعور علني بالغضب لدى الشعب وذلك مرده – جزئيا – إلى تغييب الوعي عبر أقلام و أفواه تسبح بحمد النظام الحاكم. أجزم أن الشعوب الواعية والتي تقودها نخبةوطنية حكيمة هي الأقدر على بناء بلد ما بعد الثورة أما الشعوب الجاهلة فتعريف الثورة لديها يتلخص في تغيير الأسماء و تغيير الخطابات و اظهار قبح النظام السابق ووضع خطط هلامية غير واقعية للبناء هي أقرب إلى القصائد الشعرية الحالمة المتبادلة بين حبيبين.
ثالثا: إن الشعوب الخاملة المكتفية بما يوفره النظام المستبد من فتات الحقوق و الخدمات هي شعوب أبعد ما تكون عن القيام بثورة. لذلك فإن استعداد الشعوب للنهوض كردة فعل طبيعية - بل واجبة – ضد الحرمان من الحقوق و ضد القمع هي إحدى الركائز التي تستثمرها النخبة في إضفاء الزخم إلى الثورة.
رابعا: يجب أن تتوحد الكيانات المعارضة حول أيديولوجية ثورية تضع السخط الشعبي تجاه النظام القمعي في قالب من النقد الاجتماعي و الفكري. إن التناحر الأيديولوجي بين مكونات المعارضة يمثل أفضل أمصال إطالة العمر للأنظمة القمعية و من ثم فإن من يتناحرون بشكل عدائي لا يحترم الاختلاف وهم خارج الحكم لن يكون من أولوياتهم بناء مجتمع تعددي قائم على الكفاءة في حال نجاح الثورة في تغيير نظام الحكم. القادة الناجحون للثورة هم أولئك الذين يحترمون عقلية الثائر بإبداء الأسباب التي تدعوا للنهوض ضد الوضع القائم فيما يسمى بتشخيص المرض و من ثم طرح الحلول الموضوعية التي تبدأ بتكريس مفاهيم التكافل الاجتماعي و حرية التعبير و تشجيع التفكير النقدي و الكفاءة لا الولاء كمقياس لتولي المناصب.
خامسا: يجب أن تتوافر كيانات مؤسسية داعمة للثورة كاتحادات العمال و النوادي الطلابية و المؤسسات النسوية. إن ما يميز هذه الكيانات أنها متعودة على العمل المنظم المبني على القرار الجماعي و ابداء الأسباب الموضوعية حين اتخاذ القرارات بحيث يتم تحييد العاطفة بشكل كبير. مهمة هذه المؤسسات يكون بتوجيه قوة الغضب الشعبي بحسب خطة عقلانية و موضوعية.إن لم يكن بالإمكان توحيد هذه الكيانات ضمن كيان موحد و قيادة ديمقراطية فإن من أسباب نجاح الثورات أن تكون الجهود متكاملة و القرارات متجانسة و القيادة موثوق بها و التراشق بالشتائم منعدم!