اطلس: كتب طارق زياد الشرطي : ظاهراً، يعرف الكثير من المتابعين عن الأزمة والتداعيات التي حدثت مؤخراً من قبل السعودية ودول الخليج بعد التصريحات القديمة
التي تحدث بها الإعلامي آنذاك ثم وزير الاعلام جورج قرداحي والمرتبطة بقضية اليمن والحوثيين وتحديداً الحرب السعودية عليها والتي تكشف جانبين مهمين سيتم استعراضهما.
الجانب الأول؛ يتعلق بدول الخليج كافة والسعودية على وجه الخصوص، فهذه الدول والتي لا تتصرف إلا بتبعيتها المطلقة للدول العظمى أمريكا وأتباعها، لنتساءل موقفها من قرداحي عن عدد التصريحات على مر التاريخ لتلك الدول الغربية المسيئة للسعودية وسياستها وكم كان هناك تدخل في شؤونها الداخلية؟ وكذلك في سياستها الخارجية وما زال الغرب يعتبرها ( السعودية) دولة غير ديمقراطية ويتهمها باضطهاد المرأة ويصفها بالتخلف والرجعية والبدائية بل وان أكثرها استفزازاً ولكل عربي تلك السخرية التي كان يتعامل بها دونالد ترامب بحديثه عن السعودية وكيفية طلب المال بمجرد هاتف مع محمد بن سلمان ( خاوة) مقابل حمايتهم كمن يطلبهم "بدفع الجزية منهم" أو حتى حديثه عن محمد بن سلمان نفسه باستخفاف ونوع من السخرية، فلماذا لم يكن هناك غضب و استنكار أو حتى ردة فعل كتلك التي حدثت مع تصريحات قرداحي؟ أم أن ثمن السكوت مع الولايات المتحدة له مقابل لعدة قضايا أهمها الحماية للبقاء على الحكم وغض الطرف عن العديد من الأحداث كقضية قتل المعارض عدنان خاشقجي ؟! على سبيل المثال.
إن مواقف هذه الدول ( الخليج) كافة والتي تعتبر نفسها دائماً ( السيد) صاحب المال والثروات المتصدق والذي يمُن به على الدول الفقيرة والتي وجب عليها في المقابل تقديم الولاء والتبعية لها، فهذا المال السياسي لا ولم يكن يومًا دون مقابل، وبالتالي لا يجوز لتلك الدول أن تتجرأ وتنتقد أي سياسة يقوم بها النظام لدول الخليج بل ويجب عليها تأييدها ودعمها دائماً .
إذا بقينا في الجانب نفسه، حتماً سيتم ربط أي تصريح تجاهها بعلاقة المُصرح بالدول المناقضة لسياستها وكأنه جاء فقط من منظور الخلافات السياسية والدينية والحزبية وغيرها من التفرعات، لنرى كيف أن كل المدافعين عن السعودية والمنتقدين لقرداحي بتصريحه بأنه داعم وموالي لإيران ليس فقط كون القضية مرتبطة بالحوثيين وإنما لصبغ صفة الموالاة للشيعة وما لذلك من أثر على الحالة اللبنانية والتي هي في الأصل تعاني من توتر وانقسام داخلي دائم هذا يتجلى بالجانب الديني والسياسي.
اما عن الجانب الثاني؛ وهو الشق اللبناني الداخلي ، والمتمثل في الإنقسامات والتبعيات الداخلية لكل جهة وإرتباطها بالجهات الخارجية الداعمة مالياً على وجه الخصوص، وبالتالي تخوف تلك الفئة اللبنانية المنتفعة من هذه التبعية والتي لا تغرد او تتبع سياسة ما إلا بما يُملى عليها أو بالحد الأدنى توافق السياسة والرغبة للدولة المهيمنة والمتفضلة وتمن عليها، سواء السعودية أو الخليجية أو حتى الدولية، دون الاهتمام بقول الموقف الحق مقابل خسارة تلك الملايين أو المليارات في المجمل ، فجاء تصريح قرداحي عكس ذلك التوجه كإعلامي حر، فلا نعلم بعد تسلمه حقيبة وزير الإعلام وما لدور الإعلام من أهمية كسلطة رابعة في الدولة وانها ستصبح تمثل موقف الحكومة، لكن علينا أن لا ننسى أنه صرح بذلك غير آبهاً لعمله السابق في قناة ال MBC والذي اسهم في استقلالية شخصه رأيه وموقفه وأنه لا يُشترى على عكس ما غرد به المنتفع والمتلون فيصل القاسم والذي اتهمه أنه لولا السعودية وعمله في هذه القناة لعمل مذيعاً للأرصاد الجوية في قناة المنار وما فيه من سخرية وتقليل من شأنة والتقليل قيمة القناة؛ هنا نجد ما تحمله هذه التعليقات من تبعية تصريحاته جانب الفرقة السياسية التكتلية والدينية وما فيها من كيل للتهم وإلصاقها بالتبعية وكأن قرداحي بقوله له موالاة ودعم للحوثيين هو ناتج عن الولاء لإيران ضد المملكة العربية السعودية ومن والاها.
في السياق نفسه، نجد أكثر ما يخيف الجانب المعترض على أقوال قرداحي هو الخوف على وقف الدعم المالي المقدم من السعودية ودول الخليج كافة التي تبنت موقفها بأن يتوقف الدعم بالتزامن مع الأزمة الإقتصادية الخانقة التي يمر بها لبنان، لتتعالى الأصوات اللبنانية المطالبة بإقالة الوزير قرداحي من منصبه وحجب الثقة عنه، خاصة بعد الإجراءات السعودية الخليجية في استدعاء سفرائها من لبنان وإمهال السفير اللبناني ٤٨ ساعة لمغادرة بلادهم، كذلك الخطوة التي سبقت واتخذتها مجموعة قناة ال MBC برغبتها في إغلاق مكتبها في لبنان ، وكأن الذي يعاني من نقص بالمحروقات والدواء والكهرباء والغذاء ...الخ سيقلق من إغلاقها!
لذلك، يتضح ان جُل الغضب اللبناني من تلك التداعيات هو الخوف على خسارة الدعم المقدم للبنان في حال لم يحل الموقف الرسمي على لسان وزير الإعلام حتى وإن كانت قبل توليه منصبه، ولم يكن خافياً وللأسف ان السعودية تنظُر أيضاً إلى بعين الاعتبار الى ديانة الوزير قرداحي، فهذا الدعم السعودي الذي تبنى عائلة الحريري ومن والاها، كذلك الحال خليجياً حيث صرحت به عدة دول وبنفس الإستياء ، كالامارات والكويت، لنرى خروج المدعو جنبلاط بالمطالبة بحجب الثقة عن الوزير قرداحي وإقالته قبل فوات الأوان ، لتصبح ايضا القضية وبشكل غير مباشر انها ليست فقط حزبية تكتليه وانما ايضا إساءة لدولة شقيقة وبالشكل الغير علني هو الخوف من خسارة ذلك الدعم ، لينتقل بذلك قرداحي بفعلته إلى برنامج "من سيخسر المليون" ولربما الملايين، وليس هناك أي قدرة لتلك الأطراف على انتقاد النظام السعودي والذي يتزيّن علم دولته بالتديّن والتوحيد بينما هو تسبب بقتل ومأساة الالاف من المدنيين في دولة اليمن ودول إسلامية وعربية أخرى بالوكالة ، كذلك تحولها تدريجياً نحو فكرة التطبيع العلني والمباشر مع دولة الإحتلال والإنصياع للولايات المتحدة الأمريكية التي غيّرت في العديد من قضاياها الداخلية والتي يطول ذكرها، كل هذا الإنصياع بحجة الحماية لها من البعبع الإيراني، ويبدو أن السعودية ترفض اي تبرير لتصريحات قرداحي حتى وان كانت قبل توليه المنصب الحكومي وبتلك الخطوات الاحتجاجية تعلن انها لن تشارك في " المسامح كريم" فليس ذلك من شيمها علما أنه قال كلمة حق امام سلطان جائر وليس مخطئ بموقفه.