اطلس: يقود الفكر الظلامي الى تلوث فكري خبيث يؤدي بصاحبه الى عواقب تكون أسوأ بكثير من نتائج هذا الفكر، والفكر الظلامي أضحى غير مقترن بأحد دون أخر، وهنا
يجب الحديث عن واقعٍ فرض نفسه وليس مجرد ظاهرةٍ بسيطة يمكن تجاهلها او تجاوزها بسهولة، وخاصة مع العديد من التغيرات والتطورات الفكرية والأيديولوجية السريعة والمتقلبة، والتي قد يكون سببها التدخل الخارجي أو الداخلي لخلق تذبذب فكري وايجاد تغير اجتماعي يناسب طرفاً دون أخر، وسعيا الى ربطها بالظروف الاقتصادية والفكرية مما ينتج حالة من عدم الاستقرار السلوكي والأخلاقي .
إن بعض الأفكار التي توصف بالظلامية يكون من أحد أهم أسبابها الإقصاء والتهميش للشخص او الجماعة مما يدفعهم الى تبني أفكار مختلفة او وأعمال فوق العادة لكي يشعروا بالتمايز والاختلاف وخاصة عندما يكون اقصائهم وتهميشهم في سبيل رفع وتحسين غيرهم ممن هم من نفس مستواهم او اقل منهم دونية، وأحيانا يكون الفكر الظلامي منتج لحالة من الاكتئاب والانكسار واليأس والاحباط التي يكون قد وصل إليها المجتمع كاملاً بمختلف مكوناته ، وبتالي يكون الفكر المختلف نتج عنه سلوكُ مختلف قد يؤول الى عادةٍ او تقليدٍ يتشارك به افراد المجتمع الواحد مما يوصف بأنه فكر ظلامي .
أن ما يعيشه المواطن العربي من أزماتٍ وانتكاساتٍ وتقلباتٍ ومعه جنباً الى جنب المواطن الفلسطيني ، اصابة هذا المواطن في عمق ثقته بنفسه ومجتمعه و ترك أثراً يتملك نفسيته من الاحباط والانكسار والسخط واليأس، وبتالي ترك فجوة في عقله ومعتقده يسعى دائماً للبحث عما يملئها ويشغل حيزها، وعند إذ لا يجد الا الأفكار الظلامية التي فيها تمرد على المعتقد والعادة والتقليد المتداول في المجتمع، للبحث عن التميز او الشهرة من خلال سلوك ملحوظ على الواقع ناتج من فكره الباطني، وبتالي يتعمد قاصداً اقصاء الغير ورفضه ولا يتردد ابداً في تصفية كل ما هو مخالف له ولفكره ، مما يخلق حراكاً مجتمعياً بين مؤيد ومعارض قد يتطور الى صراع حقيقي يتعمد فيه إيذاء الآخرين من خلال التصادم معهم .
الفكر الظلامي هو معتقد قد يتمثل في شخص بشكل فردي او جماعة تتشارك افكاراً فيما بينها وأحيانا قد يتمثل في دولة كاملة او سلطة قائمة، وليس بالضرورة ان يكون هذا الفكر ناتج عن فكر ديني او نصوص ربانية أو معتقدات موروثة يفسرها البعض ويمارسها بما ينسجم مع احتياجاته الشخصية او الحزبية او الطائفية، فقد يكون ناتجا عن مذاهب وايدولوجيات حديثة العهد تدعوا في جوهرها الى التحرر الفكري والخروج من قفص النصوص الدينية او التشريعات الربانية، لتجد نفسها في قفص الفكر الظلامي والتطرفي أكثر من اي فكر اخر.
لذلك على الجميع داخل المجتمع الفلسطيني واجب أخلاقي ووطني، أن يرتفعوا فوق خلافاتهم المذهبية والطائفية وتوجهاتهم الفكرية، والتوجه الى وحدة الفكر والتشابك نقاط الالتقاء والتشارك الإيجابي بما يخدم مصلحة الكل على حساب الفرد داخل لمجتمع، سعياً للوصول الى حالة من الرقي والتعافي بما يضمن لنا مجتمعاً يسوده الوئام وتحكمه العدالة الاجتماعية. فالأمر أخطر مما يتصوره العقلاء بكثير.
ولكن الى كل الذين يتهمون غيرهم بالفكر الظلامي عليهم ان يتيقنوا ان هذا الفكر الملعون غير مقترن بطرف دون الآخر، فالجميع دون استثناء قد يحمل في ثنايا فكره وأطراف سلوكياته قليلاً من هذا الفكر أو كثيراً منه، فعليه ان يعدل نفسه ويحسن فكره ومعتقده قبل انتقاده لغيره، وكما يقول المثل العربي الذي بيته من زجاج لا يرمي بيوت الناس بالحجارة.
لذلك وجب على الجميع وقفة مراجعة وتدقيق بالدور المنوط فيه من موقع مسؤوليته كفرد من أفراد هذا المجتمع، وإعادة صياغة استراتيجيات التعليم والثقافة لديه وإعادة الاعتبار الى الانتماء للفكر السوي القائم على الوطن والمواطنة، ولتطوير الرؤية الواضحة لمجريات المجتمعات المتحضرة والتغلب عليها.
وهنا يمكن القول ان من مظاهر الفكر الظلامي وهي أكثر من ذلك بكثير:
1 – عندما يقف الإنسان عائقا امام تطور مؤسساته ودولته من خلال تقديم مصلحته ومصلحة أقربائه على هذه المؤسسات ويكون التعيين والتوظيف والترقيات داخل مؤسسات الدولة قائم على الحزبية والصحبة الشخصية والمعرفة القبلية فهذا فكر ظلامي.
2– عندما يكون قد مضى على ادارة شؤون البلد 30 عاما وما زالت مؤسسات هذا البلد متهالكة ومتدنية ضعيفة وهزيلة، في الوقت الذي ننقسم فيه على أنفسنا ويصبح لدينا منطقتين جغرافيتين بإدارتين مختلفتين بالفكر والنهج ونحن تحت الاحتلال فهذا فكر ظلامي.
3- عندما يدفع رواتب بعشرات الألف لمدراء وقيادات وهم جالسون في بيوتهم فيما تدفع بضع دولارات لمن هم على رأس عملهم وعندما ينقسم الشارع والمجتمع في علاقاته ومناسباته على اساس حزبي وفكر أيديولوجي فهذا فكر ظلامي.
4– عندما تبقى غزة في الحصار، ومن فيها بعضهم يموت جوعا و البعض الآخر ينعم بحياة كاملة متكاملة ويصبح حكم العسكر هو الآمر والناهي في جميع قضايا المجتمع دون امتلاكه الكفاءة او المعرفة او الاسلوب العلمي فهذا فكر ظلامي.
5– عندما تحبس حريتنا بسبب آرائنا ومعتقداتنا داخل السجون في غزة والضفة، ونقبل على أنفسنا ان نبقى عشرات الأعوام دون الاحتكام الى صندوق الانتخاب لاختيار من يمثلنا ويقودنا فهذا فكر ظلامي
6– عندما يتم تجاوز كافة القوانين والدستور والعادات والمعتقدات التي تنظم حياتنا والتلاعب بها لخدمة فئة او حزب او شخص معين، وتكون مؤسساتنا وخاصة الصحية والتعليمية منها تعاني نقص المعدات والكوادر وضعف الأداء وتملئها والوساطة والمحسوبية فهذا فكر ظلامي.
7– عندما تصرف رواتب الوزراء وتأخر رواتب عائلات الشؤون الاجتماعية دون مبرر وتحول مقدساتنا الى ملاهي ليلية ومراقص ذات موسيقى صاخبة في زمن ما أحوجنا فيه الى هذه المقدسات والشعائر التي تقام فيها فهذا فكر ظلامي.
8- عندما تصبح مؤسساتنا التعليمية يديرها العسكر ويصبح نظامنا القضائي أبطأ واسوء واعقد نظام وتشوبه المحسوبية والواسطة ويعين القضاة على الأساس الحزبي او الانتماء الفكري او العائلي دون النظر الى الكفاءة والجدارة فهذا فكر ظلامي.
ومن هنا يمكن القول أن الفكر الظلامي هو كل سلوك او معتقد يقوم به او يتبناه اي طرفٍ مهما كانت طائفته او حزبه او ثقافته او انتمائه يؤدي في ظاهره او باطنه الى إيذاء الأخرين والتعدي على حقوقهم السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية وكافة الحقوق المدنية مما يعيق حياته او يشعره بالظلم، وهو كل فكر او سلوك او معتقد يمس دماء الناس او اموالهم او حرياتهم ، كان موروث ُ ثقافي قديم أم سلوك اجتماعي حديث