اطلس: يشهد حي الشيخ جراح في القدس المحتلة، محاولات إسرائيلية عديدة لإنتزاع المنازل العربية من السكان العرب الفلسطينين دون وجه حق، وما إن تهدأ الأحوال فتُصعر نار التوتر من خلال تطرف المستوطنين، وآخر تصعيد قيام المتطرف الخارج عن القانون ايتمار غفير قبل يومين بفتح مكتب له في الحي العربي، ليتحدى السكان وارهابهم بسلاحه وسلاح حراسه.
وتأكيدا لواقع زيف ادعاء المستوطنين، حيث سهى على أغلب المتتبعين لواقع القدس بشكل خاص فيما لو اطلعنا على الأرشيف العثماني، بأن أغلب أراضي فلسطين وبلاد الشام عموما كانت إما أراضٍ أميرية أو وقفية، وبشكل خاص القدس، حيث كانت أغلب التصرفات القانونية التي ترد على العقود فراغا ولم تكن بيعا، بمعنى أن الاشخاص لا يملكون رقبة الأرض بل لهم حق الانتفاع فيها.
وبناء عليه، دراسات عديدة تشير وتؤكد على وقائع منع تملك اليهود في فلسطين عموما وبالقدس خصوصا، إذ كانت اللوائح العثمانية تمنع إقامة الزواراليهود في القدس لأكثر من شهر، فكيف لهم أن يتملكوا عقارات واقامتهم مؤقتة؟
وتلك اللوائح، حقا أجهضت العديد من محاولات الهجرة بهدف الإقامة في المدينة، مما تشي تلك الوثائق على زيف مزاعم المستوطنين سواء في حي الشيخ جراح أو غيره من أحياء القدس.
(وثيقة حول منع اليهود من الإقامة في القدس ومنع الزوار من البقاء في المدينة أكثر من شهر)
ولما كانت الدراسات تشير إلى كل المحاولات القانونية سواء من خلال الإرادة السنية أو من خلال اللوائح بهدف منع تملك اليهود أية أرض في فلسطين بشكل عام والقدس بشكل خاص، يعود ويقول المؤرخ أوغلو: " ورغم كل الموانع المذكورة، إلا أن بعض الوثائق تشير إلى واقع تسريب بعض الأراضي في تلك الفترة، واللافت للنظر أنه ورغم كل المراسلات وهي كثيرة التي أرسلت من السلطان عبد الحميد تحذيرا وتهديدا لعمّاله في فلسطين من بيع الأراضي لليهود، إلا أنه بعض العمال من ضعفاء النفوس خرقوا تعليماته، بحيث تم تمليك عائلة روتشيلد مساحات واسعة من الساحل الفلسطيني عام 1882، حيث زعم بعض من قام بالتسجيل أن هناك برقيات من السلطان يطلب فيها السماح بنقل بعض الملكيات، جراء ضغوط مالية أو سياسية شديدة تعرض لها السلطان..."
إلا أن تلك الرواية تتنافى مع سياسة الدولة العثمانية، التي وضعت الكثير من العقبات أمام تسرب أراضي فلسطين، بما في ذلك وضع بعضها بملكية سلطانية مباشرة، مثل منطقة بيسان، أو من خلال تشريعات تمنع غير المسلمين من التملك تارة، واليهود تحديدا تارة أخرى، أو "الأجانب"، أي من لا يحملون الجنسية العثمانية.
وبالتالي فإن الوثيقة التالية، تؤكد على فتح تحقيق مع بعض المسؤولين ممن تساهلوا في منح الجنسية العثمانية، وسهّلوا الاستيطان، نتيجة الالتفاف على قرار السلطان السلطاني.
ولما اتسعت عمليات الاستيلاء على الأراضي على سواحل غزة وحيفا، نتيجة خيانة بعض العمال ممن ساهموا في تسريب بعض الاراضي لإنشاء قرى يهودية، تحركت قوات عثمانية لوقف تلك الأنشطة بالقوة، وذلك بحسب وثيقة مؤرخة في 27/9/1891، الامر الذي يبرز بكل وضوح في ـن تلك الوثائق كانت ترصد جميع أنشطة المستوطين في فلسطين وتمنعهم من تملك الاراضي، باستثناء تلك التي يصدر بشأنها إذن خاص من السلطان.
وبناء على ذلك الواقع، يؤكد المؤرخ أوغلو: "بأن الاعتقاد في أن السلطان عبد الحميد منع بيع شبر واحد من فلسطين، فهو قول مبالغ فيه وغير دقيق، لأن الوثائق تثبت أن هناك أذونات سلطانية خاصة بشأن اليهود، لكنه في الوقت ذاته تمكن من الصمود على مدار 30 سنة من حكمه، إلى أن تم الانقلاب عليه في النهاية، دون أن يتمكن رجال الأعمال اليهود والحكومات الأوروبية من تحقيق ما أرادوه، لأن تحركات اليهود كانت ضمن الرصد...".
وبما أن تملك اليهود وعلى وجه التحديد في عهد السلطان عبد الحميد، كان يستدعي الحصول على إذن سلطاني منه، وليس برقيات ومراسلات كما زعم البعض، فكان على المستوطنين أن يظهروا الإذن السلطاني ومقارنته بالارشيف العثماني، إن كان متوفرا بين أيديهم ليمكنهم من امتلاك 15 دونم في منطقة الشيخ جراح، لا سيما وأن الاذن السلطاني كان متوفرا في أراضي بيسان، إذ بعد انهيار الدولة العثمانية ونتيجة ظهور حكومة الاتحاد والترقي، وقف ممثل القدس في مجلس المبعوثان ضد ذلك الإذن، وأثار الأمر في المجلس مما دفع قائم مقام الناصرة آنذاك شكري العسلي، بشكل خاص في مقاومة التوسع اليهودي، حتى تم إفشال مشروع بيع أراضي بيسان.
لذلك، يستدل من جميع الوقائع سالفة الذكر، أن الصور الفوتوغرافية التي رصدت حي الشيخ جراح منذ عام 1881 حتى العام 1948، تؤكد على أنها كانت منطقة جرداء، حيث تعود ملكية منطقة الشيخ جراح لعائلات مقدسية، منها عائلة الحسيني التي تمتد املاك تلك العائلة من مقر مدرسة دار الطفل العربي حتى زاوية جامع الشيج جراح وباتجاه الشرق كذلك، الذي يقبع مقام حسام الدين الجراحي بجاوره، مما أُطلق على تلك المنطقة باسم الشيخ جراح نسبة له، وعندما ننحدر شمالا من جهة الجامع نجد مقام الشيخ الصديق السعدي الحجازي نسبة لعائلة حجازي المقدسية، وبالنسبة للأرض المتنازع عليها حاليا، فهي تعود لوقف عائلة الجاعوني، منوها في هذا المقام أن الاستيلاء على المغارات المدفون في احداها الصديق السعدي الحجازي، الذي قبره يبقع في احدى المغارات الثلاث في ذات المنطقة محل الخلاف، فإنها تتبع لوقفية عائلة أبو جبنة المقدسية، وبالتالي تغيير الأسم العربي الصديق حجازي إلى الصديق شمعون، ووضع يد طائفة السفريديم على ذلك القبر، ما هو إلا نهج مكشوف للرواية التلمودية، هدفها بسط السيطرة على أرض رقبتها تعود ملكيتها إلى الوقف الإسلامي للعائلات المذكورة.
وبما أن الصور الفوتوغرافية التي تظهر الحركة العمرانية لتلك المنطقة قبل نهاية الدولة العثمانية ومنذ بداية الانتداب البريطاني عام 191 إلى نهاية عام 1948، فإن الصور تنبئ على عدد الأبنية التي لا تتجاوزعدد اصابع اليد الواحدة، فلو كان مع اليهود إذن سلطاني في تملك متر مربع واحد في منطقة الشيخ جراح، لعمروه ابان الانتداب البريطاني فهي فترة ذهبية بالنسبة لهم كان يستدعي استغلالها، ولا بد من التذكيرأن سجلات الطابو الانكليزي، لم تكن من ضمن المستندات التي قدمت في معاملة التسجيل الجديد عام 1972، فالمنطق القانوني والعقلي يقضي كل منهما أن يستند صاحب المعاملة لأقرب واحدث تسجيل، وهي تسجيلات الانتداب البريطاني التي تمت بين الأعوام 1922-1948!
اختم هذا المقال، للتأكيد على بطلان مزاعم الجهات الاستيطانية، خاصة وأن التوغل اليهودي في فلسطين عامة والقدس بشكل خاص، كان قيد الرصد منذ بداياته ومحاربا من قبل الدولة العثمانية، والأذونات التي صدرت عن السلطان العثماني محفوظة في الارشيف العثماني دون مواربة أو خجل، وهي محددة ومرصودة إذ لم يصدر إذن سلطاني لطائفة السفريديم للتملك في منطقة الشيخ جراح، الامر الذي يستوجب أن نستفيد من ذلك الارشيف في المحافل الدولية لدحض رواية عام 1972.