اطلس: لم أكن لأرغب في التعقيب على بعض الشواهد المتعلقة في الدعاية الانتخابية لهذه الكتلة أو تلك في المرحلة الثانية من انتخابات الهيئات المحلية الفلسطينية لولا أن درجة الاستفزاز قد بلغت هذا الحد من تخطي الحدود التي تحتم التعقيب عليها.
اولى تجليات الذهنية التي تقف خلف الدعاية الانتخابية لبعض الكتل هي "الافتاء" بأن من لا ينتخب الكتلة الفلانية فإنه " يؤثم شرعا عند الله" وفي ذلك أولا وأخيرا مس بالكتلة نفسها، التي لو فكر أحدهم بانتخابها فقد يعيد النظر لعلو درجة الاستفزاز هنا، أو أن يطل علينا رئيس كتلة بالقول " العرف وفقط العرف يحفظ حقنا في كامل التراب الفلسطيني وحقنا في العودة وحقنا في القدس ... وأن رئيس البلدية يجب أن يكون من أبناء البلد الأصليين".
ثاني هذه التجليات أن تجّير كتلة تخوض الانتخابات كل آداء المجلس المحلي السابق لصالحها كما لو أنها الوريث الشرعي والوحيد لهذه الهيئة المحلية، بل وتتحدث عن إنجازات سابقة ومستمرة للهيئة المحلية بوصفها من ضمن خطتها إذا ما حالفها الحظ بالحصول على أغلبية مقاعد الهيئة المحلية. لقد أعجبني ما كتبه مدير عام بلدية رام الله السيد أحمد أبو لبن بالقول " تذكير لكل القوائم الانتخابية .... بلدية رام الله عمرها 114 عام ...... بلدية رام الله لم تصل لهذا الموقع الريادي المتقدم محليا وعالميا الا عبر الجهود التي تراكمت على مدار هذه السنوات الطويلة ..... موقعها الذي تحتله اليوم كنموذج متميز للبلدية العصرية هو نتاج جهود عظيمة بذلها رؤساء واعضاء المجالس البلدية التي تعاقبت على قيادتها وجهازها التنفيذي طيلة هذه السنوات .... المطلوب البناء على ذلك .... والمضي قدما في الرقي بمدينة وبلدية رام الله لتكون بمستوى التوقعات والطموحات ..... وهناك الكثير الكثير".
أما تلك الكتلة التي تعتبر أن رئيسها قد "ختم العلم والمعرفة" وأنه الوحيد على وجه هذه البسيطة العالم المتمكن وذلك بالقول " الدراسة والتخطيط والرؤية المستقبلية عن علم وخبرة لا يمتلكها الا ....." فهي اساءة لرئيس الكتلة أولا الذي أنا على قناعة أنه لا يعتبر نفسه كذلك، وطعنا مبطنا بباقي أفراد الكتلة نفسها ثانيا وباقي المرشحين من الكتل الأخرى ثالثا، واساءة للناخب رابعا، ومس بأحد أهم سمات التفكير العلمي المنظم التي تقضي بالايمان بأهمية التعلم المستمر خامسا
وتلك المرشحة أو المرشح الذي يسبق اسمه حرفا يدلل على لقب علمي لا يحمله فعليا، فما هي الاضافة التي يضيفها هذا الادعاء وما فائدة اللقب المزعوم اليه والى الناخبين؟ وهل نسينا ذلك الذي ادعى في انتخابات سابقة أنه مهندس وتبين أنه ليس كذلك وما الحرج الذي لحق به وبكتلته؟ ألا يستحق ذلك كله ملاحقة قانونية وتحرك من وزارة التعليم العالي الفلسطيني لتحريك دعاوى جزاء بتهمة "انتحال صفة" مثلا.
والعتب كبير على أولئك المرشحين الذين كانوا أعضاء في مجالس الهيئات المحلية السابقة والذين يتهربون من الاجابات الصريحة على صنيع أيديهم في الكثير من الأمور المتعلقة بقرارات اتخذوها في الهيئة المحلية تمس الشأن العام وتمس كادر الهيئة المحلية والان في دعايتهم الانتخابية يتراجعون عنها و/او يبررون قراراتهم.
كثيرون كتبوا مخاطبين المرشحين والكتل بالقول " لا تكبروا حجركم" وهم محقوق في ذلك، وآخرون كتبوا مذكرين بأن للهيئات المحلية اضافة للدور الخدماتي فهناك أيضا الدور الوطني المناهض للاحتلال ولمخططاته التوسعية ومحاولته دمج الكتل الاستيطانية بالنسيج المجتمعي الفلسطيني من خلال انشاء مشاريع "مشتركة" يقال أنها تخدم "سكان المنطقة من المواطنين الفلسطينيين والاسرائيليين" وتنفذ من خلال كوادر فلسطينية وفقا لمخططات "اسرائيلية احتلالية" صرفة، وتربط ايضا هذه المستعمرات بخدمات البنية التحتية الفلسطينية أو تشترط تنفيذ هذه الخدمات لصالح الهيئات المحلية الفلسطينية شريطة أن تقدم ذات الخدمات للكتل الاستيطانية الكولونيالية التوسعية، ما يستوجب الانتباه والحذر منه، كي لا نصل يوما الى مرحلة يطالب بها المستوطن بالانتخاب والترشح للهيئات المحلية الفلسطينية.
لقد رحبت الأطر الفلسطينية والمؤسسات والجمعيات واللجان الشعبية بممثلي كافة الكتل الانتخابية الذين قاموا بزيارتها، لكن ذلك لا يعني بأي حال من ألأحوال أن تدّعي كتلة ما أنها حصلت على تأييد ودعم ومباركة مطلقة وحصرية من هذه المؤسسات وتعلن عن ذلك في دعايتها الانتخابية، فحتى هذه المؤسسات لا ترضى بأن تلزم أفرادها واعضاءها بالتصويت لصالح كتلة دون سواها ، فلكل ناخب حقة في الانتخاب الحر.
كثيرة هي الكتل التي تعتقد أنها " راح تجيب راس كليب" كما يقولون، وأنها ستقلب الأمور رأسا على عقب، وأنها ستحدث تغييرا جذريا، وكلنا يعرف تمام المعرفة أن هذه الكتل " تضحك على نفسها أولا" قبل أن تضحك علينا، وأن ذلك لن يزيد من عدد ناخبيها ... ناخبا واحدا.
وفي المقابل ترددت مقولة " اللي بيجرب المجرب ... عقلو مخرب" في دعوة مبطنة لعدم انتخاب من سبق وأن كان عضوا أو رئيسا لهيئة محلية، وبدوري هنا أقول أنه لا يجب التعميم بالمطلق، فهناك اسهامات معروفة لهذا العضو أو ذاك ولهذا الرئيس أو ذاك في الهيئات المحلية، وكان من بينهم من حملهم الموظفين على أكتافهم مودعينهم أثناء مغادرتهم مواقعهم في الهيئات المحلية عند مراسم التسليم والاستلام للهيئة المحلية الجديدة.
أعجبني البعض عندما خاطب أهلنا في المهجر، وهم يعلمون تمام العلم أنهم في غربتهم لا يمارسون حقهم في الانتخاب، ولكنهم خاطبوهم، وفي ذلك من الأهمية بمكان لضمان التواصل مع أحبتنا في الغربة الذين لا يغمض لهم جفن وهم يرقبون ما يجري في الوطن.
أيام معدودات تفصلنا عن يوم الانتخابات، نتمنى التوفيق للجميع .. والكلمة ستكون لجمهور الناخبين