اطلس: المحامي صلاح الدين علي موسى يكتب خطاب أبو مازن كان خطاب وداع سياسي بامتياز، ووثيقة تاريخية تركها إرثا لمن سيأتي من بعده، وكأن أبو مازن أدرك ان عهده قد انتهى وان اسرائيل وامريكا
وقد تكون اطراف عربية قد جهزت البديل، فاراد ان يعيد الكرة الى أساس القضية وان المفاوضات القادمة ان جرت ستكون على اساس قرار الجمعية العمومية رقم (181) فكأن ابو مازن اراد القول لكل الجهات بأن ياسر عرفات طالب بدولة على حدود العام 1967، واستشهد دون ان يتنازل، أما أبو مازن فلسان حاله يقول اترككم بوثيقة سياسية تقول ان حدود الدولة الفلسطينية العتيدة تستند لقرار (181)، وكأنه يقول لا امل في أي حل سياسي من بعده. يدرك الكثيرون ان اسرائيل تبحث عن بديل لوجود دولة فلسطينية، ويدرك الاسرائيليون ان هناك دولة اسرائيل ودولة المستوطنين وسلطة الحكم الذاتي الفلسطيني. امام معضلة الدولة الواحدة تريد اسرائيل ان تجد شريكا فلسطينيا يقبل بكيان فلسطيني ممسوخ في اشلاء من الضفة الغربية، حيث يقول الكاتب الاسرائيلي ميخائيل ميلشتاين في صحيفة "يديعوت احرونوت" بالحرف، وهنا اقتبس ما كتبه "وعلى راسها علامة الاستفهام الكبيرة حول وجود شريك في الوقت الحالي على استعداد للمضي قدما في تسوية سياسية تكون مكانته مستقرة بما فيه الكفاية، يمكنه اتخاذ قرارات حاسمة محطما الثوابت والاسس الصارمة" ثم يضيف ان أي تسوية ستكون في عهد خلف ابو مازن، هذا اذا ما حافظ النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الاراضي الفلسطينية على تماسكه، ثم يؤكد ان على اسرائيل الانفصال من جانب واحد عن الفلسطينين حتى لا نقع في براثن الدولة الواحدة. ويلخص هذا الكاتب الاسرائيلي حقيقة ما تفكر وتعمل عليه اسرائيل بل انها باتت اقرب لانجازه، ونعتقد انه بالتخلص من ابو مازن سيصبح الشريك المفترض جاهزا او على الاقل سيقبل بانفصال اسرائيل الاحادي داخل الضفة الغربية او ان وريث ابو مازن سيجبر على التعامل مع هذا الواقع وان لم يوافق عليه، ولهم في تجربة الانفصال الذي قادها شارون في قطاع غزة خير مثال، حيث نفذ الاسرائيليون الانفصال دون ادنى تنسيق مع السلطة مما مهد لاقتتال فلسطيني فلسطيني افضى الى هذه الحالة التي وصلت لها القضية الفلسطينية. فيضطر من سيمسك بزمام الحكم ان بقيه النظام السياسي الفلسطيني متماسكا كما يقول، وكأن لسان حاله يوحي لنا بان اسرائيل تعمل على اشعال حرب اهلية تحطم ما تبقى من النظام الاقتصادي والاجتماعي وليس السياسي فحسب فنصبح اشلاء تدير شؤونا محلية وليسميها من سياتي ما يشاء.
نظرا لقيام ابو مازن بالاستناد الى مرجعية سياسية جديدة سيكون من الصعب على خليفته او حتى على حماس ان تتنازل وترضى بحدود الرابع من حزيران، هذا على فرض ان حماس ستتحول الى فتح اليوم في المستقبل!!!
وقد يقول قائل وما علاقة كل ذلك بالحرب الاهلية القادمة، ما حصل في نابلس مثل "بروفه" ان جاز التعبير لما ترغب اسرائيل ان تراه بين الفلسطينين، فجأة يخرج الصحفي الاسرائيلي "اهود حمو" بمعلومات يقول فيها بان اطرافا فلسطينية زودته بها من ان مصعب اشتيه قد ادخل حولات مالية تصل الى مليون دولار، وقام بشراء اسلحة وقام بتجنيد ابناء العاملين في الاجهزة الامنية للانقلاب في لحظة الحقيقة على السلطة، تزامن هذا الخبر مع تسريب من الاعلام العبري بان اجتماعا امنيا عقد بين كل من ماجد فرج وحسين الشيخ مع جهات امنية وعسكرية إسرائيلية، بخصوص ضبط السيطرة على مدينة نابلس، وانتهى الاجتماع بالصراخ من قبل كل من ماجد فرج وحسين الشيخ مع رفضهم أي قبول للطلب الاسرائيلي. وتزامن كل ذلك مع زيارة وزير الخارجية الاماراتي لاسرائيل حيث صرح ان احد اهم اهداف الزيارة هو بحث كيفية تقوية السلطة الفلسطينية!. ليفأجا الجميع بأن الامن الوقائي يقوم باعتقال مصعب اشتيه وليس جهاز المخابرات، وتشتعل نابلس ويستشهد فراس ويصاب عدد اخر بجراح. هنا نكون امام عدد من الفرضيات، الفرضية الاولى ان جهاز الامن الوقائي لديه معلومات استخبارية سابقة، وقرر ان يعمل بناء على توجيهات سياسية من الرئيس لمنع محاولات حماس من السيطرة على الضفة!! وهذا امر نستغرب حدوثه وتزامنه مع الطلب الاسرائيلي وان كانت هذه الفرضية صحيحة فان توقيت اعتقال مصعب كان خاطئا بكافة المعايير، وهناك فرضية اخرى تقوم على ان جهاز الامن الوقائي تلقى معلومات دامغة من الاسرائيلين بخصوص حركة الحولات البنكية (المحافظ الالكترونية) التي وصلت لمصعب اشتية، وهي ذاتها التي سلمت لماجد فرج وحسين الشيخ، وترافق مع معلومات ميدانية تخص عددا من النشطاء بخصوص تدفق الاموال من مصعب اليهم، وما تعلق بشراء الاسلحة وما شابه. واذا كانت هذه الفرضية صحيحة يعني ان مصعب لديه قناة مالية، فمن هي هذه القناه المالية ولماذا الان اسرائيل كشفتها للسلطة وما الغاية منها، وان كان مصعب اشتية على هذه الدرجة من الخطورة فلماذا تركته اسرائيل يعمل رغم خطورة هذه المعلومات واثرها على الاحتلال، وهل كانت اسرائيل عاجزة عن اعتقالة او لا سمح الله اغتياله، فلماذا مررت المعلومات الى السلطة دون ان تقوم هي بالمهمة، ببساطة لانها تريد ومن خلال هذه المعلومة ان تشعل حربا اهلية، ونجحت باشعال نابلس، ولولا العقلاء لانزلقت نابلس الى حمام دم سواء ادرك المسؤولون الامنيون الفلسطينيون ذلك ام لم يدركوا. وسواء ادرك المحتجون ذلك ام لم يدركوا.
اسرائيل كما تعلمون تسيطر على تجارة السلاح في الضفة وتقوم بين الفترة والاخرى بارسال ضباط عرب يعملون مع الشاباك والشرطة الاسرائيلية للايقاع بالشبان الذين يطمحون باقتناء السلاح، وهذا حصل قبل سنة واشهر قليلة في جنين، حيث ادخلت الشرطة الاسرائيلية شخصا يعمل مع الشرطة والشاباك واوقع بمجموعة وصل عددها الى ثلاثين شابا من مدينة جنين وقراها وما زال في الاسر عدد منهم.
اسرائيل في ظل رفض قبول السلطة للتسوية السياسية التي تقوم على اساس كيان محدود تبحث عن تغذية كل اسباب الانفصال والانحلال عن المحافظات بعضها البعض، وتؤسس لحرب اهلية قادمة من خلال قلة الحكمة والتسرع من قبل الاجهزة الامنية وخوفها المبالغ فيه من حركة حماس، وكأن الحال في الضفة كحال قطاع غزة قبل الانقسام اللعين، فاسرائيل موجودة بكل التفاصيل وفي ادقها في الضفة.
امام مشهد الوداع السياسي الذي رسمه ابو مازن امس الاول وامام الحديث الواضح والصريح من الاسرائيلي عن نيته اقصاء ابو مازن وتفكيك المجتمع الفلسطيني، وامام المشهد المرعب والمحزن والذي ادمى قلوبنا الذي حدث قبل ايام في نابلس، وامام الحديث الاسرائيلي عن ضرورة الانفصال في داخل الضفة الغربية دون موافقة فلسطينية، وامام اغراق السلطة بسيل من التحديات الوجودية التي تتعلق بالموارد المالية والتضيق على الاسرى وملاحقة السلطة في كافة المجالات فان التحديات الوجودية تصبح على حافة الانهيار وستؤدي الى ميلاد قيادة ترضى بالقليل كي لا تقوم حماس برفع رأسها في الضفة.
اذن امام هذا المخطط الذي باتت اسرائيل تتحدث عنه ليل نهار وبشكل فج وواضح، وفي ظل انجرار الفلسطينين وخاصة الاجهزة الامنية لذلك، كما وقعت حركة حماس بهذا الشرك وتحرض وكأن السلطة الى زوال، كما ان عددا واسعا من شرائح المجتمع غاضبة من اداء السلطة بسبب الفضائح المتتالية لعدد من المسؤولين وابناءهم، فان الارضية اصبحت خصبة لتفجير الاوضاع الداخلية بيسر وسهولة، وسنقتل بعضنا البعض بانفسنا، لناتي ونقول للعالم في خاتمه المطاف نحن نقبل بما فرضته اسرائيل علينا كامر واقع .
ما العمل اذن، هناك جملة من الخطوات الاعتراضية ان جاز التعبير يجب القيام بها ويمكن لنا ذكرها:
1. ان يدعو الرئيس لاجراء انتخابات تشريعية مهما كلف الامر، وان قامت اسرائيل بتعطيلها فسيكون امام العالم وسيكون الشعب الفلسطيني قد ادرك ان الرئيس لم يخط مرحلة جديدة بالمفهوم السياسي من خلال خطاب الوداع بل جسد ذلك عمليا.
2. على الاجهزة الامنية الفلسطينية الا تتصرف بتسرع واندفاع وعدم الوقوع في شرك العدو من ان يقدمها وكأنها تعمل بالتنسيق الكامل معه وانها تنفذ ما يطلبه منها، وهذا ممكن من خلال مقاربات ومعالجات حقيقية للوضع الداخلي سواء في نابلس او جنين او الخليل وان تكف الاجهزة الامنية عن ملاحقة نشطاء حماس والجهاد الاسلامي والمقاومين الاخرين، بشرط الا يتدخلوا بادارة الشأن العام الفلسطيني.
3. على حركة حماس ان ترسل رسائل ثقة وطمأنه للسلطة بانه ليس لديها أي خطط لانهيار السلطة وان ليس من مصلحتها ان تنهار السلطة، او السيطرة عليها. وان تفعل كما حركة الجهاد الاسلامي التي تعمل دون أي احتكاك مع اجهزة السلطة.
الرئيس أمامه فرصة تاريخية لان يترك ارثا سياسيا ووطنيا تذكره الاجيال به كما تذكر ياسر عرفات، وتعتز بتضحياته، ان أي خطوة حقيقة وعملية رغم محاذيرها ستضع الرئيس في مصاف من حمى القضية الفلسطينية من التصفية، فالموقف المهم في خطابه ان لم يتبعه خطوة او خطوات عملية سيتاكل مع الضغط الاسرائيلي وسيتحول الى عبء على شعبنا، وسيتيح المجال لاسرائيل تحقيق الثلاثة اهداف المتمثلة باشعال حرب اهلية وتفكيك البنية الاجتماعية والاقتصادية وبالتالي ايجاد جسم فلسطيني او جهة تقبل بالامر الواقع، فلا يكفي من الرئيس ابو مازن ان يسطر مواقف سياسية شجاعة دون ان يغيير على الارض بالافعال الحقيقية والملموسة والتي يعرفها شعبنا جله، فهل نستيقظ وندرك درب الحق ام نقع في ما يريده المحتل وكأنه قدرا!!!!