يقتاتُ منها قلبه صموداً للحياة، وهناك يجلس هادئاً، يصيخ السمع لصوتٍ نادرٍ في أعماقه، صوت ضحكة طفل سيولد عمّا قليل، صوت ضحكة رفيقٍ قَضى منذ وقت طويل، فهذه البلادُ لم تبدّل عاداتها الوفيّة في منح الوليد اسم الشهيد!
وهكذا، يصل الزنزانة جسداً مُتعَباً من ثِقَل الحنين.
ماذا يعني اليوم التاسع عشر من الإضراب؟
يعني أن تتأرجح الخُطا مثل سير البهلوان على أرض ثابتة، وأن يصير الحذاء فضفاضاً، فيسخَر أحدهم؛ صَغُرنا قبل الأوان!
يعني فقدان شهيّة الحديث عن الطعام، على خلاف ما مضى، وأن الحديث عن طباع النسر، وكيف تُخلِص الذئاب في الحب، ملهاة الوقت الطويل، وربّما يقرأ أحدهم قصيدةً مكسورةَ الوزنِ والشوق.
ماذا يعني اليوم التاسع عشر من الإضراب ؟
يعني أن تمرّداً عفوياً يصيب الزنازين، فلا يعود المضربون ملتزمين بالوقوف أو الانصياع للسجان، وأن تبقى آذانهم خارج السجن لسماع كل خبر جديد.
ويعني أيضاً، أن عاصم سيركن ظهره إلى حائط الزنزانة، مسترسلاً في الحديث إلى رفاقه، عمّا سيفعل حين ينتهي الاحتلال، فتصير الزنزانة تربةً خصبةً للخيال.
ويعني .. أن يقرع الأسرى على الأبواب في عموم الزنازين، والأواني رفعا لهمّة المضربين.
ويعني أن خمسين أسيراً، بفروسيّة، يضربون عن الطعام، ويقودون المرحلة.